عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إبراهيم غرايبة يكتب : شرعية الدول سياسية وليست دينية

الحياة
الحياة

يغلب على خطاب مواجهة الجماعات المتطرفـــة السجال الديني والفـــكري من خــــلال المصادر والمنظومة نفسها والمتبعة والمتقبلة لدى الطرفين، وهما السلطات السياسية والجماعات الدينية، سواء المتطرفة والقتالية أو جماعات الإسلام السياسي التي تعمل وتعارض أو تشارك على أسس وقواعد سلمية، والحال أنه سجال لا يساهم في شيء في مواجهة التطرف أو بناء منظومة سياسية اجتماعية قائمة على المواطنة والمشاركة!

والحـــــال أن الحــــــكومــــــات والمؤسسات المشاركة في مواجهة التطرف والإسلام السياسي بعامة توقع نفسها سلفاً في ثلاث معارك خاسرة على الأقل ومحسومة لمصلحة الجماعات الدينية بكل تياراتها ومواقفها، فهي تخوض مواجهة فكرية تعمل ضدها كما ان الجماعات أكثر تماسكاً وادراكاً للتراث التاريخي والديني المشترك بينها وبين السلطات السياسية، وتبدو الحكومات في هذه المواجهة وكأنها تحارب الدين نفسه، وتكرس لدى المجتمعات والرأي العام انها عدوة الإسلام!

وأما الشركاء والحلفاء من الإعلاميين والمثقفين من العلمانيين فإنهم يوقعون أنفسهم في جدل لا يملكون ناصيته ولا يقدرون فيه على المنافسة الفكرية مع الجماعات الدينية، كما أنهم يناقضون أنفسهم وقناعاتهم، فما يفعلونه في واقع الحال ليس سوى انحياز لسلطة دينية في مواجهة سلطة دينية أخرى، في حين أن معركتهم الحقيقية والمنسجمة مع قناعاتهم وأفكارهم هي استقلال الدين عن السياسة وحيـــاد الدولة تجاه الدين.

الدولة الحديثة بكل أنواعها تقوم على المواطنة وتمتد شرعيتها وصدقيتها من مهماتها ووظائفها الأساسية في العدل والأمن وإدارة الموارد والخدمات العامة، ولا تحتاج لأجل استقرارها وفرص سلطتها إلى موقف ديني، وفي خصومتها وحروبها مع أعدائها لا تحتاج أن يكونوا كفاراً أو مخالفين للدين، وعلى هذه الأسس والمبادئ يقـــــدم المثـقـــفون والإعلاميون والمتدينون المتحالفون مع السلطة والمؤيدون لها الفكرة العامة المنظمة للعمل العام والصراع، ويكسبون فكرياً ودينياً أو يخسرون، ولكنهم خاسرون حتماً في المواجهة على أسس وأفكار دينية.

تظن الحكومات العربية أنها ما زالت تملك شرعية دينية أو يمكن ان تستعيد شرعيتها الدينية التي نافستها فيها الجماعات الدينية ثم استولت عليها، وفي

ذلك دخلت في منافسات ومزايدات وتحالفات مع الجماعات الدينية، وأنشأت حالة دينية راسخة وممتدة في التعليم والاعلام والثقافة والمساجد والإدارة والسياسة العامة والأسواق والسلوك الاجتماعي، وتحولت الحالة نفسها التي أنشأتها الحكومات وانفقت عليها من الضرائب والموارد العامة إلى نظام اجتماعي وثقافي يعمل ضد رسالة الدول والمجتمعات وأهدافها، ويلحق بها ضرراً بالغاً وخطيراً أكبر بكثير مما تفعله الجماعات الدينية، بل إنها (الجماعات) تستمد التأييد والدعم والحماية من المنظومة الآمنة التي تديرها الحكومات وتنفق عليها!

يمكن الحديث بالطبع عن خطاب ديني متماسك وقوي مستمد من رؤية عقلانية للنصوص الدينية، ويؤسس لحالة اجتماعية منسجمة مع العقد الاجتماعي للدولة الحديثة وتدعمها دينياً واجتماعياً، ولكن الحكومات نفسها وليست الجماعات هي التي حاربت هذا الخطاب ولاحقت رواده بالحرمان والعزل والإساءة. وما أمر علي عبدالرازق وطه حسين ونصر حامد أبو زيد منا ببعيد، بل إن محمد طه، المفكر والسياسي السوداني دفع حياته ثمنا لمثل هذه الفكرة، ولم يشفع له أن عمره كان 76 سنة.

تستطيع الحكومات والتيارات المعادية للتطرف أن تفعل الكثير للخروج من الأزمات السياسية والحروب الأهلية ولا تحتاج لأجل ذلك سوى أن تصدق أنها تعمل ضد نفسها وتخدم المتطرفين، وليست في حاجة الى الحالة الفكرية والدينية التي سادت واتبعت في المراحل السابقة.

 

 

 نقلا عن صحيفة الحياة