رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دكتور صابر حمد: «عيدان القمح فى حضن أمى».. آخر ما رأت عينى!

بوابة الوفد الإلكترونية

علي خطي عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين يسير الدكتور صابر حمد، ابن محافظة المنيا الذي عشق العلم فمنحه أعلي المراتب، حتي حصل علي شهادة الدكتوراه في الإعلام كأول كفيف يحصل علي الدكتوراه في الدراسات الإعلامية بجامعة القاهرة بمصر والعالم العربي، ولأنه حاز علي مرتبة الشرف الأولي أوصت اللجنة بتعيينه ليدرس لطلاب الجامعات ويستفيدوا من علمه الغزير.

قصة كفاح الدكتور صابر يستحق عنها أعلي مراتب التقدير من المجتمع شاب مصري تحدي الإعاقة وخاض حرباً حقيقية تحدي فيها كل العقبات ليصل إلي مصاف ورثة الأنبياء.

شعار الجمهورية علي كارت مهدي من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وباقة ورد مع أمنيات رئيس مصر بمزيد من النجاح والتقدم للدكتور صابر حمد، ربما كان هذا التقدير من الدولة ممثلاً في رئيسها بسمة أمل أزاحت عن الدكتور صابر بعضاً من عناء سنوات الكفاح التي بدأها منذ أن فقد بصره وعمره 15 عاماً، وقتها كان بالمرحلة الاعدادية.. وكان كل حلمه أن يصبح طبيباً يعالج الأطفال وأهل قريته من البسطاء الذين يقهرهم المرض والفقر.. لكن شاء القدر أن يتحول مسار الطفل الحالم ليصبح دكتور في الإعلام.. عندما سألته لماذا اخترت هذا المجال تحديداً؟.. فرد بعبارة في منتهي البلاغة.. فقال: علمت أن الإعاقة ليست حركية ولا بصرية ولا سمعية ولا عقلية، إنما الإعاقة اجتماعية.

< قلت="" إنك="" كنت="" مبصراً="" حتي="" المرحلة="" الاعدادية="" فكيف="" فقدت="">

- كنت مصاباً بمياه زرقاء في عيني تسببت في تهتك في عصب العين، وذلك بسبب الإهمال وعدم وجود الرعاية الصحية في الأرياف كانوا يعطونني مسكنات لحظية، فلم يتم التشخيص بشكل صحيح، شعرت أن نظري يضعف، عملوا لي نظارة نتج عنها «زغللة» بالعين، كنت أري الشخص ثلاثة، أحاول أقرأ لا أعرف، وبعد أن كان خطي جميل جداً أصبح متعرجاً، أحسست بمنتهي الحسرة، سألت نفسي: كيف سأواجه الدنيا؟.. والدي لم يقصر، بل سافر معي إلي الإسماعيلية بحثاً عن علاج دون جدوي، وساعدني زملائي في التعامل مع هذا الوضع الجديد.

< كيف="" ساعدت="" ظروف="" نشأتك="" في="" خلق="" روح="" التحدي="">

- نشأت في أسرة كثيرة العدد ترتيبي الرابع وسط 10 إخوة، ظروفنا بسيطة جداً، والدي كان مزارع، وكان لدينا القليل من الأرض الزراعية، كنت أذهب إلي الحقل أجمع معهم القمح والذرة وأعاون والدي وأحمل البرسيم إلي المواشي ونجمع القطن مع أطفال القرية، بجانب ذلك كنت أحب أن أتثقف وصممت أول مجلة وأنا في رابعة ابتدائي عن النباتات والحيوانات، يعني كان لدي ميول صحفية.

< ما="" الصورة="" التي="" تحتفظ="" بها="" في="" ذاكرتك="" قبل="" أن="" تفقد="">

- صورة أمي وهي تحمل «عيدان القمح» وصورتها وهي تطعم أخواتي الصغيرات، صورة جمع القمح، كلها صور كانت تمنحني إحساساً بالخير والأمل.. خاصة مع غياب والدي في هذه الفترة حيث سافر للعراق للعمل هناك، ثم عاد بعدها، وعاشت والدتي إلي أن توفيت بعد حصولي علي الماجستير بأيام، وهناك صورة أخري أثرت فيّ كثيراً عندما فقد بصري.

< وما="">

- كان عندنا شجرة جميز كبيرة ارتفاعها يتعدي الـ 15 متراً وكنت في الصف السادس الابتدائي، تسلقت الشجرة وحماني فرع الجميزة من السقوط.. يعني كان بيني وبين الموت لحظة، بصراحة كانت طفولتي ثرية جداً.. كنت ألعب الكرة مع أصحابي وأي غيط ليس به زرع كنا نلعب فيه، ونعمل مسابقات جري وكان لنا زملاء وأصحاب مسيحيون، كان هناك ود وسماحة وإخوة.

< كيف="" اجتزت="" امتحان="" الاعدادية="" وما="" الصعوبات="" التي="">

- بداية.. والدي لم يقصر في محاولة علاجي وأنا أيضاً لم أيأس وامتحنت الاعدادية بمرافق وكنت أحمل المواد علي أشرطة الكاسيت وحصلت علي 248 درجة، كان من المفترض أن أدخل الثانوية العامة لأنني خططت لأصبح طبيباً، حيث كنت أعشق الأطفال ولاحظت ارتفاع نسبة الوفيات بينهم لأقل الأسباب، حصبة، سخونة، وكان ذلك يؤلمني كثيراً فتمنيت لو أصبحت طبيباً لأعالج الأطفال والنساء الفقيرات.. لكن الأقارب اجتمعوا وقتها علي أن أعمل في الجامع، خوفاً عليّ من مشقة التعليم الثانوي.. فبكيت لأنه أصعب شيء أن يتحكم أحد في مصيرك.. وقلت يعني إيه ما كملش تعليمي دي بداية النهاية والموت بالنسبة لي، لأن زملائي راحوا المدرسة الثانوية وأنا هقعد تحت الجميزة، لكن أبويا «حس بيا وقاللي هتكمل تعليمك حتي لو بعت عليك الجلاليب»، سوف تحقق أحلامك التي رسمتها.. ساعتها شعرت بالأمل وأن هناك قلباً رحيماً بي وأنا مدين له بالفضل هو ووالدتي.. أخذ أبي ملفي إلي مدرسة سمالوط الثانوية، لكنهم قالوا لنا هناك مدرسة في المنيا خاصة بالمكفوفين، وقتها تخوفت أن يحبط أبي أو أن يثنيه أحد عن حماسه وقلت له: عاوز أتعلم برايل علشان أقرأ القرآن وبالفعل تعلمت لغة البرايل في شهرين فقط، عن طريق مدرس خصوصي بـ 20 جنيهاً في الساعة.

< هل="" واجهتك="" صعوبات="" في="" مدرسة="">

- التحقت بمدرسة طه حسين «داخلي» وعانيت كثيراً، حيث تمسكت أمي بي وخشيت علي من هذا العالم الجديد فكان بداخلي صراع.. كما أن مسئولة بالمدرسة أعتقدت أني مبصر لأنه من اللياقة أن أتوجه لها بالحديث، فقال له أبي: يا أبلة لو بيشوف إيه اللي هيجيبه، وأجريت لي اختبارات ذكاء وفحوصات طبية، ولكن أكن وحدي في مدرسة المكفوفين كنا 6 طلاب جئنا من عالم المبصرين.

< هل="" تعني="" أن="" المسألة="" تختلف="" عن="" المولود="">

- نعم.. وأتضح ذلك جلياً وفي المدرسة حيث كنت أمثل دليل زملائي المولودين فاقدين للبصر وكنت مرجعيتهم للأشياء المرئية حيث اعتاد زملائي أن يسألونني عن عالم المبصرين وعن أشكال الطيور والحيوانات وأتذكر زميلي محمد شعبان عندما كان يسألني شكل البطة إيه؟.. وإيه الفرق بين الجمل والحصان؟.. فاقترحت عليّ مدرسة التربية الفنية أن نصنع أشكالاً من الصلصال والطين وساعدنا في ذلك الأستاذ وجيه مدرس التربية الفنية، وهكذا مرت الدراسة الثانوية، إلي أن حصلت علي الثانوية العامة، وكنت ثالث الجمهورية «مكفوفين» بمجموع 308، وكان آخر النظام القديم في الثانوية العامة، يعني نسبة 83٪ وكان كل حلمي أن التحق بكلية إعلام القاهرة، لكن كان التنسيق 89٪.

< ولماذا="" اخترت="" مجال="">

- لأنني أعشق الصحافة وأري أن خدمة المجتمع وتوصيل هموم الناس إلي المسئولين.

< وهل="" واجهتك="" صعوبة="" في="" الالتحاق="" بأي="" قسم="" إعلام="" في="" أي="">

- بالفعل.. وكنت قد سمعت عن وجود قسم للإعلام بجامعة المنيا، وقلت في نفسي: الحمد لله.. التضحية مش كبيرة علي الأقل سأعود لأعيش مع أمي وإخوتي لأنقل صورة إيجابية عن المجتمع الريفي، فعدت إلي المنيا وقدمت ملفي إلي شئون الطلبة الذين وجهوني إلي كلية الآداب لأنني خارج التنسيق، وقابلت الدكتور عبدالهادي الجهري المشرف علي قسم الإعلام لكنني شعرت أنه يبحث عن ثغرة لرفض قبولي، ونصحني أن أذهب للالتحاق بقسم اللغة العربية أو التاريخ أو غيره لأنه رأي أن الإعلام «صعب بالنسبة لي».

وسألني: هتشتغل إزاي؟.. قلت: إن لي أصدقاء في الصحافة ولن أكون أقل من المبصر لكنه كان قلقاً بشأن التحاقي بالقسم.

خرجت من مكتبه وأنا يائس وفي اليوم التالي قابلت الدكتور عبدالوهاب كحيل مؤسس ورئيس قسم الإعلام الذي تأكد من حبي للإعلام وقال لي: «شوف زميلك عبدالناصر دخل إزاي وأعمل إيه» كأنه يقول لي: «لا تحبط» وكان ناصر ينام أمام المكتب وهو طالب تحويل من دراسات عربية للإعلام وهو حالياً من كبار مخرجي التليفزيون المصري.. وعندما رأي الدكتور عبدالهادي إصراري.. وافق.. وطرت في السما من الفرحة وسجدت كالعصفور الطائر وكانت هذه من اللحظات التي لا أنساها وبالفعل لعب عميد الكلية دوراً مهماً في تشجيعي، فقد كان دائماً ما يذكرني في

لقاءاته التليفزيونية والإذاعية كشاب مستنير الفكر من متحدي الإعاقة الذين نجحوا بفضل المثابرة والطموح ووافق لي بعدها علي عمل جريدة عن أخبار الجامعة، وعملت مع رئيس جامعة المنيا الدكتور جمال أبوالمكارم كنا نصدر مجلة بعد شهر من التحاقي بالقسم وزملائي شجعوني كثيراً لدرجة أن إحدي زملاتي قالت لي: «أول مرة شفتك أشفقت عليك لكني لم أعلم أنك بهذا القدر من القوة والتحدي»، وتعامل معي أصدقائي كحالة يجب أن تحترم وكانوا يساعدونني في تسجيل المواد الدراسية وسارت موهبتي في الصحافة جنباً إلي جنب مع دراستي حيث كتبت في مجلة «أخبار الجامعة» و«صوت الجنوب».

< ولماذا="" اخترت="" الصحافة="">

- أنا محب للناس جداً وأريد مساعدة الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة وكل الفئات التي أريد توصيل صوتها للجميع.

< وهل="" كانت="" رحلة="" الحصول="" علي="" الدكتوراه="" بنفس="">

- حصلت علي تمهيدي الماجستير والماجستير والدكتوراه من جامعة القاهرة وبهذا تحقق حلمي بعد أن حصلت علي الليسانس من جامعة المنيا.

< وكيف="" كنت="" تتعامل="" مع="" المواد="" المكتوبة="" خاصة="" مع="" ندرة="" كتب="">

- اعتمدت علي كتب «برايل» وهي فعلاً نادرة جداً في الإعلام وكنت أجدها في منافذ النشر ومعارض الكتب وأصدقاء لي كانوا يمدونني بالكتب من الكويت والسعودية والأردن والإمارات.

< بالتأكيد="" تعاملت="" مع="" التكنولوجيا="" الحديثة="" في="" دراستك="" فهل="" واجهت="" صعوبات="" في="">

- درست الكمبيوتر بمعهد نظم المعلومات التابع للقوات المسلحة التي لعبت دوراً كبيراً في مساعدتي، لأن الدورات كانت مجانية، فأنفقت كل وسائل التكنولوجيا الحديث فضلاً عن أنني أصلاً محب للقراءة والثقافة.

< الإرادة="" والتحدي="" ما="" دلالة="" مثل="" هذه="" الكلمات="" في="" حياة="" الدكتور="" صابر="">

- هما عنوان لكل خطوة واجهت فيها صعاباً ولعل مشروع التخرج الذي اخترت له عنوان «إرادة المستقبل» دليلاً علي ذلك وكانت أول مجلة مطبوعة بطريقة «برايل» والطريقة العادية في الكتابة لتكون متاحة للجميع مبصرين ومكفوفين وكانت شاملة أخبار وتحقيقات ونماذج كثيرة من متحدي الإعاقة، وتناولت شمال الصعيد كله ووجد فيها كل ذوو الإعاقة نافذة يعبرن فيها عن مشكلاتهم سواء إعاقة بصرية أو صم وبكم أو غيرها.

كما أجريت حوارات كثيرة مع خبراء أمثال الدكتور محمد على العالم فى أصول التربية النفسية، والتقيت بكل مديرى مدارس المكفوفين للرد على استفسارات ومشكلات تم رصدها بدقة وعناية، وأتمني أن تتبني أي جريدة خاصة هذه الفكرة وبعدما تخرجت عملت صحفى بجريدة «صوت الجنوب».

رحلة ما بعد التخرج كانت أيضاً نموذجاً حياً لشاب أراد أن يصنع لنفسه منزلة في عالم الأحلام قابلة التحقق.. فتقدم لنيل الماجستير من كلية الإعلام عام 2000، عمل خلالها كمراسل صحفى لجريدة سعودية حتى حصل على الماجستير عام 2005 ثم جاء الحلم الأكبر، صابر تقدم بخطى الواثق ليصنع عملاً فريداً حين تقدم للحصول على الدكتوراه من كلية الإعلام جامعة القاهرة.

< ما="" هو="" موضوع="" رسالة="">

- كانت عن الدور الذي يلعبه الإعلام المسموع والمرئى في التوعية بقضايا حقوق الإنسان لذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، تلك الرسالة استلزمت عمل كثر من بحث ميدانى مركز وإيجاد حالات تطبيقية لها.. وواجهت في ذلك صعوبات كثيرة لكنني أعلم أن لكل شيء ثمن.

كنت أرغب في النجاح والتفوق والتميز وحفظى للقرآن أثر في أخلاقى وخلق لدي روح المنافسة الشريعة.. فتحقق حلمي بفضل الله وحصلت علي الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف وتلك هي المرة الأولى في العالم العربى الذي يحصل فيها كفيف علي الدكتوراه في مجال الإعلام.. وكنت أضع الأديب الكبير طه حسين كنموذج أحتذى به.

< صف="" لنا="" لحظة="" النطق="" بمنحك="" هذه="" الدرجة="" العلمية="">

- شعرت بأن حلمى تحقق وتذكرت أمى وأبى وحلقت في السماء من الفرصة وحمدت الله كثيراً الذي كافأني على صبرى ومثابرتى.

< هل="" صحيح="" أن="" الرئيس="" السيسي="" أرسل="" إليك="" باقة="">

- نعم.. أرسلت له دعوة لحضور مناقشة الرسالة وبالفعل فوجئت بمندوب من الرياسة يقول لي إن الرئيس يحييك ويشد على يدك ويتمني لك المزيد من التوفيق.. وأرسل لي باقة ورد أحتفظ بها وسأحتفظ بها طوال عمرى لأنها جاءتني من رجل يشعر بالمسئولية تجاه كل المواطنين ويعلم جيداً آلامنا وأوجاعنا ويدعم كل من يريد المساهمة في بناء هذا الوطن.

< ما="" الرسالة="" التي="" تحملها="" أنت="" من="" خلال="" أبحاثك="">

- حملنى ربى أمانة التعبير بلسان ذوى الاحتياجات الخاصة وخاصة الصم لأنهم غير قادرين علي التواصل لكنني أحمل على عاتقى هموم كل ذوى الاحتياجات الخاصة.

والحمد لله الجميع يقدر جهودى وقد تم تكريمي من أبناء قريتي، كما أن المحافظ دعانى لخطبة الجمعة في وجود العديد من القيادات بالمحافظة فأنا خطيب معتمد بالأوقاف ودرست بمعهد إعداد الدعاة التابع للأزهر الشريف.

< وما="" أمنياتك="" بعد="" حصولك="" على="">

- أمنيتى أن أفيد الناس بما اكتسبته من علم على مدي سنين طويلة وأملى أن يصدر قرار بتعيينى أستاذاً بكلية الآداب جامعة المنيا، خاصة أن لجنة منحى الدكتوراه أوصت بتعييني في إحدى الجامعات الحكومية كما أتمنى أن أدخل البرلمان القادم ليكون نافذة لى للدفاع عن قضايا ذوى الإعاقات وتوصيل صوتهم للجميع لينالوا حقوقهم.