رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكايات من تاريخ مصر.. علاج المرضى بالموسيقى

بوابة الوفد الإلكترونية

ما تبقى من الملك الناصر قلاوون كثير سواء على مستوى الآثار المعمارية أو على مستوى الذكر الحسن فى التاريخ، فالرجل الذى رفض الحكم عدة مرات خلال فترة اضطرابات سادت الدولة المملوكية الأولى فى أعقاب تمرد قضى على حكم السعيد بن بيبرس كان واسع الحيلة والدهاء. هو لا شك سياسي قوي من الطراز الفريد، وإلا ما نجح فى السيطرة على الأوضاع وكسب مودة النخبة والناس على السواء بتلك السهولة.

عندما تسلطن قلاوون بعد اختياره وصيا على بدر الدين سلامش أقرّ تخفيف الضرائب عن الناس وتمكن من حشد الأمراء حوله باعتباره طريقا للخلاص والاستقرار.

وبالفعل استطاع قلاوون وهو سلطان على مصر أن يصد هجمات متتالية لبقايا الصليبيين والمغول فى المنطقة، وأن يحافظ على امبراطورية المماليك فى مصر بنفس حدودها التى أنشأها السلطان بيبرس.

ولاشك أن هذا الرجل كان مُحبًا للخير إلى درجة كبيرة، وتروى كُتب التاريخ أنه مرض مرضا شديدا فى دمشق وتم ادخاله بيمارستان الذى بناه السلطان نور الدين محمود هُناك. والبيمارستان هو الاسم الذى كان يُطلق على المستشفيات فى ذلك الوقت. وهُناك نذر قلاوون إن شفاه الله، فإنه سيبنى بيمارستان مماثل له فى القاهرة وينذره لعلاج المرضى مجاناً. وبالفعل أتم الله عليه نعمة الشفاء فعاد إلى مصر ليبنى جامعا كبيرا ومدفنا وبيمارستان ضخماً هو الأكبر فى تاريخ القرون الوسطى وكان ذلك عام 1284 ميلادية. وقد حرص قلاوون على الاستعانة بأمهر الفنانين والنقاشين ليُزين أبنيته بزخارف مُبهرة ونقوش رائعة.

والبيمارستان المنصوري أدخل فيه كل مبتكر، ووصفه المقريزي كما وصفه ابن بطوطة، وكتب عنه ابن عبدالظاهر في كتابه «تشريف الأيام» أنه «بيمارستان عظيم الشأن لا تصل همة ملك إلى ابتناء مثله»، وقال عنه ابن شاكر الكتبي في كتابه «فوات الوفيات» إنه «البيمارستان العظيم الذي لم يكن مثله»، وقال القلقشندي في كتابه «صبح الأعشى» إنه «البيمارستان المعروف الذي ليس له نظير في الدنيا». وقد ظل قائمًا إلى حملة نابليون

على مصر في بدايات القرن التاسع عشر ووصفه جومار وصفًا مطولًا فكتب عنه في كتاب «وصف مصر» أن المريض الواحد في البيمارستان المنصوري في عصور ازدهاره كان يتكلف ديناراً في اليوم، وله في خدمته شخصان كما أن المرضى المصابين بالأرق كانوا ينقلون إلى قاعات منفصلة حيث يستمعون إلى عزف جيد الإيقاع، أو يتولى رواة متمرنون تسليتهم بالحكايات، وفور أن يسترد المريض صحته يتم عزله عن بقية المرضى، ويمنح عند مغادرته للبيمارستان خمس قطع ذهبية. كانت في البيمارستان المنصوري أقسام للرمد والجراحة والأمراض الباطنية، كما كانت فيه قاعة للأمراض العقلية ملحق بها حجرات لعزل الحالات الخطرة، وكان ينقسم إلى جناحين أحدهما للنساء فيه كل ما في جناح الرجال، وكان فيه مدرسة للطب فيها صالة محاضرات زودت بمكتبة، وكان من الضخامة بحيث إنه كان يُعَالِجُ في اليوم الواحد أكثر من أربعة آلاف مريض.

اللطيف ما يذكره المؤرخون أن مستشفى قلاوون استعان بموسيقيين للعزف للمرضى لتلطيف أحوالهم ، فضلا عن مجموعة من قراء القرآن الذين كانوا يرتلون القرآن للمرضى لتقوية شئونهم المعنوية. ولا شك أن المصريين ذكروا لقلاوون ذلك الإنجاز العظيم الذى كان حكاية عصره.

كما أنهم عرفوا بعده عسفًا وقهرًا لم يتوقعوا وشهدوا مؤامرات ودسائس دنيئة من أمراء وقادة المماليك بعضهم البعض.