حكايات من تاريخ مصر
السلطان الظاهر ركن الدين بيبرس تركي الجنس، اشتراه الملك الصالح نجم الدين أيوب فعمل في خدمته فلما مات عمل في خدمة ابنه الملك المعظم تورانشاه إلى أن قتل.
فلم يزل يترقى إلى أن قتل الفارس أقطاي. وهرب مع مماليكه إلى الشام، ولما قتل الملك المعز أيبك التركماني عاد إلى القاهرة وخرج مع الملك المظفر قطز لقتال التتار، وفي عودتهم من المعركة قتل قطز وتمت مبايعته بالسلطنة، وهو الرابع من سلاطين المماليك البحرية في مصر. وبعد عام بايع الخليفة العباسي وأحضره إلى مصر في محاولة لإضفاء الصبغة الشرعية على حكمه، وكان ملكًا شجاعًا مجاهدًا كثير الحركة، وهو صاحب النصر الأكبر علي التتار في موقعة عين جالوت.
ورغم أن ذلك السلطان الداهية بدأ حكمه بفعل غدر قتل فيه سيده السلطان قطز بعد انتصاره على المغول فى عين جالوت، فإن ما حققه من مكاسب وانجازات لمصر تغفر له تلك الخطيئة.
ومما يذكره المؤرخون أنه تسمى باسم الملك «القاهر» فى البداية، لكنه قام بتغيير اللقب خوفا من شؤمه إذ تعرض كثير من مَن حملوا ذلك اللقب للقتل والهزيمة.
وقد أزعجت انتصارات بيبرس على الصليبيين لدرجة بذل مساع عديدة للتفاوض معه على السلام وقد بسط نفوذه على كثير من ممالك الصليبيين فى فلسطين وسوريا واتسعت دولته لتصل إلى حدود العراق، وهو ما أهله لأن يُلقب بسلطان المسلمين. فضلا عن ذلك وجد بيبرس ضالته فى اضفاء مسحة دينية على حكمه فى واحد من بقايا الأسرة العباسية فى بغداد حيث استدعاه وألبسه زيا دينيا واحتفل به وأخذ له البيعة كخليفة للمسلمين، وأطلق عليه لقب المستنصر.
واهتم السلطان بيبرس بعمران مصر كما لم يفعل سلطان من قبل، حيث شق الترع وأنشأ الحوانيت والبيمارستانات لعلاج المرضى، ورتب البريد، ونظم بيع القمح ليمنع احتكار القلة له، وأغلق البارات والمواخير، ثُم نفى آلاف الفتيات الأوروبيات اللاتى أقمن فى مصر ليعملن فى الدعارة.
وُعرف الرجل بسماحته الشديدة وكرمه الزائد وعدله تجاه المصريين، حيث خفف الضرائب فى عهده، وأمر رجاله بحسن معاملة الناس واللين الشديد معهم، حتى صارت سيرته مضرب الأمثال الشعبية فى الشجاعة والعدل وحسن سياسة وتدبير الأمور.
كما عرف عنه الدهاء الشديد والاحتراز من غدر المماليك، وهو ربما لأن حكمه نفسه قام على الغدر بقطز، فكان ينشر الأخبار عن سفره إلى فلسطين، بينما هو يسير فى الطرقات ليلا متخفيًا. وكان لا يبقى أحدا من رجاله فى منصب ما لفترة طويلة حتى لا يتحول أى منهم إلى مركز قوة، فكان كل عام ينقل ولاته من مدينة إلى أخرى.
وللسلطان بيبرس أعمال معمارية وإنشائية يضيق عنها الحصر: في الحرم النبوي والشام وفي مصر في كل من شبرامنت والإسكندرية ورشيد ودمياط والدقهلية، بالإضافة الي اعماله المعمارية بالقاهرة، ومن اهمها جامعه المشهور في حي الحسينية وبقايا مدرسته بالنحاسين. ويسمى المستشرق الانجليزى ستانلى بول الملك الظاهر بيبرس بصلاح الدين الثانى؛ نظرًا لتعدد غزواته وانتصاراته فى حروبه ضد الصليبيين والمغول وبقايا الأيوبيين، ونجاحه فى توسيع رقعة دولته شرقًا وغربًا كما كانت فى عهد صلاح الدين نفسه.
لذا لم يكن غريبًا أن يتحول بيبرس إلى اسطورة شعبية يسردها المُغنّون فى حكايات شعرية تُنشد بالمناطق الريفية حتى يومنا هذا.