عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سمير الزبن يكتب : نعم، القضية الفلسطينية مركزيّة

الحياة
الحياة

كتب نزار أغري مقالاً في ملحق «تيارات» في 19-3 تحت عنوان «القضية الفلسطينية قضية مركزية، ولكن لماذا؟»، يعيب فيه طريقة تفكير سائدة في المنطقة، تعطي المركزية للقضية الفلسطينية، على رغم المآسي التي تشهدها المنطقة، والتي تجاوزت مأسويتها الكارثة الفلسطينية. وينطلق من استشهاد غريب من مقال لمثقف سوري قضى سنوات في سجون النظام السوري، يعيب عليه أنه لم يفصح عن ألمه بسبب الدمار الذي لحق ببلده والأعداد المهولة من القتلى والجرحى والمشردين إلخ...، بل تألم «لأن كل ذلك أدى إلى أن تكف القضية الفلسطينية عن أن تكون قضية مركزية».

أولاً، أعتقد أن هذا النوع من الكلام مهين بحق المثقفين السوريين، ولا أعرف مثقفاً سورياً لم يتألم للكارثة التي حلت على السوريين، ولا يمكن أن يكون هناك مثقف سوري لم يتألم لكل هذا الدم والجرائم التي ترتكب بحق السوريين على مدى ستة أعوام. أما أن يقول هذا المثقف السوري أن ما حصل يجعل القضية الفلسطينية تكف عن كونها مركزية، فلا يعني أنه لا يتألم لما يعاني منه شعبه وإخوته وأهله وأصدقاؤه. لم يخبرنا السيد أغري من هو المثقف، ولا مكان نشر النص الذي يستشهد فيه حتى نفحص السياق الذي يأتي فيه كلام المثقف السوري، هل هو فعلاً لا يتألم لما يجرى في سورية إلا لأنه يخل بمركزية القضية الفلسطينية، أم أن السياق ليس تبادلياً في آلام السوريين والقضية الفلسطينية، كما صوره كاتب المقال؟ لأن ما يجرى في سورية همش موضوعياً القضية الفلسطينية، مثلما همشتها سابقاً حربا الخليج الأولى والثانية وغيرهما من القضايا الأخرى.

أعتقد أن ما يعيب هذه المقاربة أنها، تضع معاناة ضحايا في مواجهة معاناة ضحايا آخرين، وأنه يجب أن تكون هناك أولوية لقضية ضحايا على حساب قضية ضحايا أخرى.

ثانياً، بالعودة إلى مركزية القضية الفلسطينية، يمكن القول إنها أكثر قضية عادلة تم استخدامها وتوظيفها في تبرير القمع والاستبداد في المنطقة، وكانت ذريعة الديكتاتوريات التي ادعت القومية في ارتكاب الجرائم بحق شعوبها. هذا والكثير من الكلام الذي يُقال عن الاستخدامات القذرة للقضية الفلسطينية صحيح. لكن هذا لا يغير من عدالتها، ولا يغير من مركزيتها.

إذا كان الكاتب لا يقول شيئاً عن عدالة القضية الفلسطينية، بل يساويها بغيرها من القضايا في المنطقة، التي شهدت فيها شعوب أخرى أبشع أنواع الاضطهاد، فكل هذا صحيح، ولكن ما علاقة هذا بمركزية القضية الفلسطينية، هل كانت مركزية القضية الفلسطينية هي التي تسببت في هذه المآسي؟!

أعتقد أن هناك تفسيراً موضوعياً لمركزية القضية الفلسطينية، بعيداً عن الحمولة الأيديولوجية، وبعيداً عن أي كلام فلسطيني عن استثنائية الحالة الفلسطينية. مركزية القضية الفلسطينية لا تأتي من مكانة الفلسطينيين في المنطقة، بل تأتي من مكانة إسرائيل، بمعنى آخر تأتي من الدور الرئيسي لإسرائيل في المنطقة، وبالتالي لا يمكن التعامل مع هذا الدور وتعديله وتعديل عدوانيته من دون حل القضية الفلسطينية، التي يُفترض على الأقل، لا أن تعيد جزءاً من الحقوق الوطنية إلى الفلسطينيين وحسب، بل ستكون هي وحدها الكفيلة بتعديل السياسات الإسرائيلية وتحويل إسرائيل ذاتها

إلى دولة طبيعية في المنطقة، دولة لا تجلس وتُجلس المنطقة على الحراب. بمعنى آخر، لو أن إسرائيل أقامت دولتها في موريتانيا، كانت القضية الموريتانية هي القضية الرئيسية في المنطقة بفعل مركزية إسرائيل، ولكان في وسع الفلسطينيين أن يعيشوا في ظل ديكتاتورية شبيهة بصدام حسين أو بشار الأسد ويُذبحوا على يد هذا الديكتاتور ولا أحد يهتم لدمائهم، مثلما حصل للشعوب العربية الأخرى.

لا أعتقد انه يجب على إحدى الضحايا مهما كانت وكائنة من كانت أن تطأطئ رأسها لأجل ضحايا آخرين لهم أولوية عليها، ولا من أجل مركزية القضية الفلسطينية ولا من أجل أي قضية، ولا أعتقد أن من المجدي النقاش حول الجرائم التي تحصد الكم الأكبر من الضحايا، وتجعل الجرائم التي عدد ضحاياها أقل، أقل وطأة، وقابلة للبلع. كل الجرائم متساوية في انتهاكها حياة البشر، وكل دم بشري حتى لو كان لشخص واحد يسيل ظلماً هو جريمة كبرى. ومن الغريب أن يتساءل الكاتب عن مركزية القضية الفلسطينية وما إذا كان ذلك «لأنها حركة تحررية دينية؟»، وهو التروتسكي الملتحق في جنوب لبنان بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بدل أن يلتحق بكردستان على حد تعبيره، ولأول مرة أقرأ مثل هذا التعبير لتوصيف القضية الفلسطينية كحركة «تحررية دينية!» على رغم أن الاحتلال الإسرائيلي فج في استعماريته وفي نموذجه الاحلالي الاقتلاعي.

على كل حال، مرة أخرى أقول إن القضية الفلسطينية استُخدامت للتغطية على جرائم ارتكبت من جانب أنظمة ديكتاتورية، لكن هذا الاستخدام لا يفقدها عدالتها، ولا يصح أن نضع ضحاياها في مواجهة ضحايا ديكتاتوريات المنطقة (وأن يعتذر ريفلين عن مجزرة دير ياسين، فهذا لا يعيد القتلى ولا يعيد الحقوق الوطنية للفلسطينيين). أعتقد أن قضايا الظلم تنتمي إلى بعضها البعض، والضحايا هم الضحايا، ولا يمكن وضع ضحايا في مواجهة ضحايا آخرين، والجدل حول أيهما ضحية أكثر وأيهما ضحية أقل يخدم الجلادين على اختلاف طيفهم، والنقاش بهذه الطريقة، يجعل إسرائيل تبدو في صورة العدو الرحيم، أمام جرائم الحكام «الوطنيين».

 

 نقلا عن صحيفة الحياة