عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شفيق ناظم الغبرا يكتب : شجاعة ريما خلف أمام ضغوط غوتيريش

شفيق ناظم الغبرا
شفيق ناظم الغبرا

تعبر استقالة ريما خلف، الأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة (الإسكوا) ومقرها بيروت، عن موقف يتميز بالوضوح تجاه قرار الأمين العام للمنظمة الدولية الذي يتناقض مع مبادىء الأمم المتحدة. فتقرير «الإسكوا» الأخير عن إسرائيل بصفتها دولة فصل عنصري و «أبارثايد» ينسجم بالأساس مع مبادئ الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الانسان، فإسرائيل دولة تمارس العنصرية والاضطهاد من أوسع الأبواب، كما أن تقرير «الإسكوا» عن الظلم في العالم العربي والذي أنجز في أوائل هذا العام هو الآخر منسجم مع ميثاق الأممم المتحدة، ومع حقائق الأوضاع والعنف واللاعدالة في العالم العربي.

إن قيام الأمين العام الجديد أنطونيو غوتيريش الذي تسلم ولايته منذ كانون الثاني (يناير) الماضي برفض نشر التقريرين وطلب سحبهما، ما هو إلا رقابة على الفكر والحقائق وتدخل في صلاحيات مديرة «الإسكوا» ويعكس لا مبالاة من قبله تجاه الباحثين الذين عملوا في ظل تفاهمات وقّعت تحت سقف «الإسكوا» وفي ظل أمين عام سابق أكثر استقلالية وانفتاحاً (بان كي مون).

إن تدخل الأمين العام الجديد غوتيريش لسحب التقرير الأول ثم الثاني ثم إعلان أن الأمين العام الجديد لن يسمح بأن تقوم الأمينة العامة لـ «إسكوا» ريما خلف بإصدار تقرير من دون موافقته الشخصية فيه الكثير من الامتهان للعالم العربي. في موقف ريما خلف دفاع عن العالم العربي، ففي «الإسكوا» مجلس أمناء مكون من ١٨ دولة ومجتمع عربي. لقد كانت الاستقالة شجاعة ولكن في الوقت ذاته محقة، فما وقع في الأيام الأخيرة يؤكد خضوع الأمين العام أنطونيو غوتيريش للقرار الإسرائيلي الأميركي، والجدير بالتنويه أنه لم يتم نقد التقريرين من زاوية الدقة ووسائل البحث والباحثين المشاركين سواء كانوا عرباً أم غربيين.

كان من الأفضل للأمين العام للأمم المتحدة أن يطلب من «الإسكوا» أن تضع مقدمة لكل تقرير ودراسة تؤكد أن هذا النص لا يعكس بالضرورة بكل تفاصيله الموقف الرسمي للأمم المتحدة وأمينها العام. لو حدد الأمين العام موقفه بهذه الطريقة لكسب الجميع ولخرجت الأمم المتحدة وأمينها العام بمظهر أكثر انسجاماً مع حقوق الإنسان والحريات وحق التعبير.

بسبب ما وقع لن تنجح «الإسكوا» في المرحلة القادمة في بلادنا العربية في أعمالها، لأنها ستخضع لهذا النمط من الابتزاز من أمين عام ضعيف أمام التدخلات الأميركية والإسرائيلية. وإذا كان لي أن أتنبأ فمدير «الإسكوا» العربي القادم الذي سيقبل بالعمل تحت هذه الشروط فسيكون أكثر تركيزاً على هوامش الأمور وأقل تركيزاً على المواضيع الجادة التي تفجر إقليمنا والتي يقف في مقدمتها الاحتلال الاسرائيلي والتدخل الأجنبي، بالإضافة إلى قضايا الظلم والعدالة والفساد والإصلاح والحكم الرشيد.

لقد تعرض الأمين العام السابق بان كي مون (٢٠٠٧-٢٠١٦) الذي عملت معه ريما خلف للضغوط ذاتها، وقد وضعت في لحظات حرجة استقالتها تحت تصرفه، لكنه أصر على بقائها واستمرارها في «الإسكوا»، بل وشجعها على تحمل مسؤوليتها تجاه قضايا الإقليم المعقدة. في هذا فارق كبير بين أمين عام يخضع للضغوط والابتزاز وآخر يقاومها، وهذا هو السبب الذي مكّن ريما خلف من البقاء على رأس «الإسكوا» على مدى سنوات تجاوزت الست (٢٠١٠-٢٠١٧).

وتمثل الدكتورة ريما خلف حالة الأقلية بين المسؤولين العرب ممن ينطلقون من ضرورة اعتبار الموقع القيادي فرصة لخدمة الصالح العام، وذلك من خلال تحريك عجلة العمل والمعرفة وطرح الأسئلة الأساسية. هذا النمط من المسؤولين العرب هو الأقل نفوذا في

العالم العربي، بل إنه الفريق المستبعد، وذلك لأن النظام العربي بخيباته لا يتحمل هذا النمط من القياديين من ذوي القدرات والشجاعة، وهو حتماً لا يتحمل الاجتهاد والإبداع. هذه القيم العربية القديمة فقدها النظام العربي الراهن، لكن الاستثناءات تقع، وريما خلف هي أحد هذه الاستثناءات.

لقد عملت ريما خلف ضمن مؤسسات النظام الأردني من عام ١٩٩٣ حتى العام ٢٠٠٠، وذلك من دون أن تخسر مكانتها واحترام الجمهور العريض لها في الأردن وفي الإقليم، بل تركت العمل الحكومي وهي في موقع نائب لرئيس الوزراء وذلك عندما اكتشفت مدى صعوبة تحقيق تقدم في مشاريع أساسية للتنمية. في تلك السنوات قلما ذهبت إلى الأردن إلا وسمعت من أطراف مختلفة وصفاً قلما أجده في مسؤول عربي. الناس في بلادنا العربية، وعلى رغم من نقدها الأنظمة واستفرادها، تثمن المسؤول العربي المخلص لندرته، وتحترم الأمانة لقلتها كما تبحث عن القيادي القادر على الدفاع عن سياساته وتصوراته والعاملين معه، وعندما تتداخل هذه الأبعاد مع كفاءة وقدرات فكرية ومنهجية، كتلك التي تمتلكها ريما خلف، يعرف الناس بغريزتهم أن هذا المسؤول يعمل لخدمتهم ويحب مجتمعه. لقد عرف الأردن ودول عربية أخرى شخصيات بهذا المستوى كمروان المعشر على سبيل المثال لا الحصر.

لهذا فعندما عملت ريما خلف ضمن مؤسسات النظام الدولي والأمم المتحدة استمرت بنهجها الذي مارسته وهي في الحكومة الأردنية، ومن موقعها كمساعدة للأمين العام للأمم المتحدة ومديرة إقليمية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي من عام ٢٠٠٠ لغاية ٢٠٠٦، صنعت الفارق لأنها أنتجت تقرير التنمية البشرية الأول والثاني وتقارير أخرى من خلال العمل مع عشرات الباحثين العرب. أوضحت تقارير التنمية البشرية تحت قيادتها مدى تشوه الحالة العربية في الاقتصاد والمعرفة والمعلومات والتعليم وأوضاع الشباب والعدالة. كان ذلك إنذاراً أخيراً للنظام العربي قبل ثورات ٢٠١١. وقد تحمل الأمين العام الأسبق كوفي أنان (١٩٩٧-٢٠٠٦) الذي عملت معه ريما خلف خلال سنوات إصدار تقرير التنمية البشرية كل الضغوط ودافع عن حق الإصدار.

في ظل الاستقالة وكل ما قاد إليها من تدخلات وقرارات يتبين للمراقب أن ريما خلف تشربت باحتراف ودقة مبادئ الأمم المتحدة وقيمها وإعلاناتها، أكثر مما استوعبها وتبناها الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

 

 نقلا عن صحيفة الحياة