رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قانون التأمين الصحى الجديد.. ولادة متعسرة

بوابة الوفد الإلكترونية

ناقش مجلس الوزراء فى اجتماعه يوم الأربعاء الماضى قانون التأمين الصحى الشامل تمهيداً لعرضه على البرلمان خلال شهر يونية القادم، هذا المشروع الذى طال انتظاره وتعترضه الآن عدة عراقيل، تأتى فى مقدمتها ميزانيته التى تصل إلى 130 مليار جنيه على الأقل، فى حين أن ميزانية الصحة كلها فى مصر لا تزيد على 74 مليار جنيه، أكثر من نصفها يوجه للرواتب، والعقبة الثانية حالة مستشفيات التأمين الصحى والمستشفيات العامة التى من المفترض أن تقدم الخدمة الصحية وجميعها غير مؤهل لتقديم الخدمة، ناهيك عن الوحدات الصحية التى ستكون النواة الأولى لعمل المشروع الجديد، وهى أيضاً فى حالة يرثى لها، ثم أوضاع غير الخاضعين للتأمين مثل العاطلين والفلاحين وربات البيوت والأطفال والعمالة المؤقتة، وغيرها من الفئات التى لم يحدد مشروع القانون كيفية التعامل معها، والناس يتساءلون إذا كان مشروع القانون سيلزم الزوج العامل بتحمل اشتراكات زوجته وأطفاله، فماذا عن زوجات وأطفال العاطلين والعمالة اليومية؟

أما أهم هذه العراقيل فهى وزارة المالية التى بدأت منذ الآن فى الاعتراض على بعض بنود تمويل المشروع الذى يعتبره المصريون جميعاً حلماً وطوق نجاة يتمنون تحقيقه من أسعار العلاج التى أصبحت فوق طاقة الأغنياء والفقراء على السواء.

منذ قيام ثورة 25 يناير والحديث لا ينقطع عن مشروع التأمين الصحى الشامل، وكانت كل حكومة تأتى تتحدث عن هذا المشروع باعتباره إنجازاً وحقاً للمصريين، إلا أن تكلفة المشروع التى قدرت وقتها بـ 90 مليار جنيه لتأهيل المستشفيات الحكومية والعامة، وتوفير الخدمة الطبية التى ستشتريها الحكومة لتوفرها للمواطن، حالت دون خروجه للنور، وبعد تحرير سعر الصرف وارتفاع أسعار الأدوية والخدمات الطبية راحت التقديرات تؤكد أن هذا المشروع أصبح فى حاجة إلى 130 مليار جنيه كى يرى النور.

ووفقاً لكل الظروف السابقة من الحال المتدهور للمستشفيات وارتفاع تكلفة العلاج والدواء، نهاية بالتكلفة العالية التى زادت بنحو 50٪ تقريباً بسبب الدولار، يبدو أن هذا المشروع سيكون مصيره مثل مصير كثير من الأحلام المؤجلة للمصريين، رغم أن الحكومة فاجأتنا فى اجتماعها الأسبوعى بمناقشة القانون تمهيداً لعرضه على البرلمان فى شهر يونية القادم.

ولا يختلف مشروع القانون الذى ناقشته الحكومة كثيراً عن المشروع الذى أعدته وزارة الصحة فى عهد حكومة المهندس إبراهيم محلب، حيث ينص المشروع الجديد على أن التأمين الصحى نظام إلزامى يشمل جميع المصريين فى الداخل، بينما يكون اختيارياً على المصريين العاملين بالخارج أو المقيمين مع أسرهم خارج مصر، ويستثنى منه فقط أفراد القوات المسلحة والمخاطبين بأحكام قانون التقاعد والتأمين والمعاشات الخاص بهم.

كما ينص على أن الأسرة هى وحدة التغطية التأمينية الرئيسية داخل النظام، بمعنى أنه سيكون نظاماً يشمل المؤمن عليه وأسرته، بخلاف النظام الحالى القائم على التأمين على الأفراد العاملين فى الحكومة والقطاع الخاص فقط، وهو ما خلَّف فئات كثيرة خارج التغطية التأمينية مثل ربات البيوت والفلاحين والعاطلين عن العمل وعمال اليومية، ومن ثم يحاول المشروع الجديد إيجاد صيغة لتشمل التغطية التأمينية كل فئات المجتمع وفقاً لنص الدستور.

الكارثة أيضاً أن المشروع لن يطبق على مصر كلها فى مرحلة واحدة وإنما سيطبق أولاً على خمس محافظات كمرحلة أولى من 6 مراحل، ومن المحتمل العمل به نهاية العام الحالى تمهيداً لتعميمه على كل أرجاء البلاد، وعلى كافة المواطنين خلال عشر سنوات، فبعد إقرار القانون من البرلمان سيتم تطبيقه فى 5 محافظات هى: السويس والإسماعيلية وبورسعيد وشمال وجنوب سيناء، أما المرحلة الثانية فتشمل محافظات: أسوان وسوهاج وقنا والبحر الأحمر والأقصر، والثالثة تضم محافظات: البحيرة والإسكندرية ومطروح وكفر الشيخ ودمياط، أما المرحلة الرابعة فتشمل: أسيوط والوادى الجديد والمنيا وبنى سويف والفيوم، بينما تضم المرحلة الخامسة: الدقهلية والغربية والشرقية والمنوفية، أما المرحلة السادسة والأخيرة فتضم محافظات: القاهرة والجيزة والقليوبية، وبحلول عام 2028 من المفترض أن تشمل خدمات التأمين الصحى جميع المحافظات وجميع المواطنين.

و من المفترض أيضاً أن يتم ربط جميع المنتفعين بخدمات التأمين الصحى بقاعدة بيانات التأمينات الاجتماعية ومصلحة الأحوال المدنية، وحدد المشروع نسبة اشتراك الأفراد وأصحاب الأعمال فى المشروع كالتالى:

1- العاملون المؤمن عليهم وفقاً لقانون التأمين الاجتماعى ويدفعون نسبة 1% من أجر الاشتراك التأمينى.

2- أصحاب الأعمال الخاضعون للقانون رقم 108 لسنة 1976 ويسددون 4% من الأجر التأمينى أو صافى الدخل وفقاً للإقرار الضريبى وبحد أدنى الحد الأدنى للأجور المعلن عنه بالحكومة – أيهما أكبر -.

3- العمال الخاضعون لقانون نظام التأمين الاجتماعى رقم 112 لسنة 1980 يسددون اشتراكاً شهرياً قدره 4%.

4- الأرامل والمستحقون للمعاشات ويدفعون اشتراكاً شهرياً قيمته 2% من قيمة المعاش الشهرى.

5- أصحاب المعاشات ويدفعون اشتراكاً شهرياً قدره 1% من قيمة المعاش الشهرى.

6- حصة أصحاب الأعمال وتحدد بـ 3% من إجمالى أجر الاشتراك للعاملين المؤمن عليهم.

 

المستشفيات والأسعار

كما حدد مشروع القانون الرسوم التى سيدفعها المواطنون مقابل تلقى الخدمة العلاجية، وهى 50 جنيهاً قيمة الزيارة المنزلية، على أن يتحمل المريض ما قيمته 20% من الدواء فيما عدا الأمراض المزمنة، بينما يتحمل المريض 10% من قيمة «الإشاعات» و5% من قيمة التحاليل الطبية، على أن تقدم الخدمة الطبية فى كل المستشفيات العامة أو الخاصة التى سيتم التعاقد معها.

أكد الدكتور عبدالحميد أباظة، رئيس اللجنة القومية لإعداد مشروع قانون التأمين الصحى ومساعد وزير الصحة الأسبق، أن هذا المشروع يعد بمثابة حلم لكل المصريين، لأنه يضمن تأميناً صحياً شاملاً لكل فئات الشعب، ويعمل على تطوير الخدمة الصحية، ويقضى على أكثر من 75% من مشكلات سوء الخدمة التى يعانى منها المواطنون، لأنه يفصل الخدمة عن التمويل، وينص على إنشاء هيئة للجودة تضمن توحيد الخدمة الصحية بدلاً من تجزئتها بين مستشفيات التأمين الصحى والمستشفيات العامة، كما أنه يضمن توحيد اللوائح والقوانين والبروتوكولات، ويمنح المواطن الفرصة فى الحصول على الخدمة الصحية فى أى مكان فى مصر بنفس الجودة.

وكشف الدكتور أباظة عن مصادر تمويل المشروع، وقال: إن الاشتراكات لن تزيد كما يظن البعض، ولكن موارد المشروع نفسه ستزيد من خلال 15 بنداً تضمنها مشروع القانون أحدها اشتراكات الأعضاء وأسرهم وأصحاب الأعمال، ورسوم الخدمة التى يؤديها المؤمن عليه، بالإضافة إلى نسبة العائد المخصصة من إدارة استثمار الأموال المتاحة لدى الهيئة، والتزامات الخزانة العامة عن غير القادرين مثل العاطلين، ونزلاء دور الرعاية الاجتماعية، بالإضافة إلى نصف جنيه من قيمة كل علبة سجائر تباع فى السوق المحلى، وجنيه عن كل سيارة تمر على الطرق السريعة، و25 جنيهاً سنوياً عند استخراج أو تجديد رخصة القيادة، و50 جنيهاً عند استخراج أو تجديد رخصة السيارات التى تزيد سعتها اللترية على 1. 6 لتر، ومبلغ 1000 جنيه عند استخراج أو تجديد تراخيص مراكز العلاج والعيادات والمستشفيات والصيدليات، ونسبة 50% من حصيلة الغرامات والأموال المصادرة

المحكوم بها فى الجرائم المتعلقة بالصحة، على أن تزيد القيم المالية بنسبة 5% سنوياً.

ولكن وزارة المالية لم توافق على كل هذه البنود وإنما وافقت على 6 منها فقط، وهو ما يعد أحد العقبات التى تقف أمام مشروع القانون الآن، إلا أن الدكتور أباظة يأمل فى أن تستطيع لجنة الصحة بالبرلمان أن تضغط على المالية لقبول 4 نقاط أخرى على الأقل بما يضمن تمويلاً فعلياً ومستمراً للمشروع، مشيراً إلى أن المالية ترفض ما يسمى بالضرائب الموجهة رغم أنه نظام معمول به فى العالم كله، لذلك فهى ترفض تخصيص جزء من رسوم الطرق والضرائب على الملاهى والسجائر وتخصيص نسبة ٫05% من ضريبة المبيعات للتأمين الصحى، وهذه مشكلة لابد من العمل على حلها حتى لا تقف فى طريق هذا المشروع الحلم.

وأضاف د. أباظة أن اللجنة تصر على الالتزام بنص الدستور بتخصيص 3. 5% من الناتج القومى للصحة، وهو ما يعنى أن تتخطى ميزانية الصحة 100 مليار جنيه، وبالتالى لو تم تخصيص نصف هذا المبلغ لإعادة تأهيل المستشفيات، لتم ذلك قبل انتهاء المدة المحددة لتنفيذ المشروع فى محافظات مصر، موضحاً أنه قد بدأ العمل بالفعل فى مستشفيات المحافظات الخمس الأولى التى سيبدأ فيها المشروع، وأصبح 75% منها مؤهلاً وجاهزاً لبدء العمل، وبمجرد إقرار القانون سيتم التنفيذ فيها فوراً.

3 هيئات

ويعتمد نظام التأمين الجديد على 3 هيئات رئيسية: هى الهيئة القومية للتأمين الصحى الاجتماعى الشامل وهى المسئولة عن الإدارة والمتابعة وتوفير الموارد المالية وتكون تابعة لرئيس الوزراء، وهيئة المستشفيات والرعاية الصحية وتضم مقدمى الخدمة الصحية بمستوياتها المختلفة وهى هيئة التأمين الصحى الحالية، وزارة الصحة، المؤسسة العلاجية، هيئة المستشفيات التعليمية، المراكز الطبية المتخصصة، المستشفيات الجامعية، هيئة المستشفيات التعليمية، والمستشفيات الحكومية الأخرى بعد تأهيلها، وتتبع هذه الهيئة وزير الصحة، أما الجهة الثالثة فهى الهيئة المصرية للجودة واعتماد المنشآت الصحية التى تضع الشروط والمعايير المفروض توافرها فى المستشفيات التى تقدم الخدمة الصحية وتتبع رئيس الوزراء، ومن المفترض أن تضمن هذه الهيئات الثلاث مجتمعة تقديم خدمة جيدة ومستمرة للمواطن المصرى.

وهنا يرى الدكتور عبدالرحمن السقا رئيس هيئة التأمين الصحى الأسبق أن النظام الجديد سيكون أفضل من النظام السابق من حيث توافر الخدمة الجيدة بسعر مناسب، خاصة فى ظل زيادة أسعار الخدمات الطبية بشكل عام، كما أنه نظام شامل وإجبارى يضم كل المصريين عكس النظام الحالى الذى يعتمد على التأمين على فئات بعينها، وهو أيضاً مشروع تكافلى اجتماعى نأخذ فيه من الأغنياء للسداد عن غير القادرين حيث ستتحمل الدولة سداد الاشتراكات عن غير القادرين مع ضمان حصولهم على نفس الخدمة.

وأشار «السقا» إلى أن القانون الجديد تفادى العديد من مشكلات النظام الحالى مثل تعدد جهات العلاج ونوعية الخدمة التى يحصل عليها المواطنون، وفصل التمويل عن الخدمة لضمان التنافسية، ففى النظام الحالى كان المريض إذا لم يحصل على الخدمة يتوجه بشكواه لهيئة التأمين الصحى نفسها، أى أنه يشكو التأمين لنفسه، أما فى النظام الجديد فهيئة التأمين الصحى ستشترى الخدمة من المستشفيات التى ستتنافس لتقديم أفضل خدمة جيدة للمواطن وبأفضل سعر.

ويطالب الدكتور السقا بضمان استمرارية التمويل لهذا المشروع حتى نضمن له الاستمرارية وتحقيق أهدافه بتوفير خدمة صحية جيدة للمواطنين، مشيراً إلى أن مشكلات التأمين الصحى ظهرت منذ الثمانينات بسبب قلة التمويل وعجزه عن توفير خدمة جيدة للمواطنين، وهذا الأمر لابد من تداركه فى المشروع الجديد، ولذلك لابد من ضمان استمرارية مصادر التمويل التى ينص عليها القانون، خاصة أن هذا المشروع يحتاج إلى ما يقرب من 130 مليار جنيه، كما يطالب الدولة بتطوير منظومة التأمين الصحى وتدعيم ميزانيته فى المحافظات التى سيطبق فيها المشروع فى المراحل التالية، حتى نستطيع تغيير الصورة الذهنية للتأمين الصحى لدى المواطنين.

وأكد أن تطوير المستشفيات العامة ضرورة وإذا لم يحدث هذا فلن تتعاقد معها هيئة الجودة لأن القانون يلزم المستشفيات بمعايير معينة للجودة وإلا لن تدخل ضمن المنظومة الجديدة.

الخبراء أجمعوا على أن المشروع الجديد يتدارك مشاكل النظام الحالى من حيث سوء الخدمة المقدمة فى مستشفيات التأمين الصحى، والعلاج، ووفقاً للنظام الجديد لن يكون هناك خطوط إنتاج أدوية تابعة للتأمين فقط، وسيحصل المريض على الخدمة والدواء من المكان الذى يريده، والهيئة ستتولى عملية المحاسبة، فهل تشهد الأيام القادمة مولد هذا القانون الذى تعسرت ولادته منذ سنوات طويلة؟.. أم ستقضى وزارة المالية على أحلام المصريين فى الحصول على خدمة طبية كريمة؟