رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ماهر العطار يفتح قلبه لـ"الوفد": "الموجي" قال لـ"حليم": ده اللي هيقعدك في البيت

الفنان ماهر العطار
الفنان ماهر العطار في شبابه والآن

فى زمان عبدالحليم حافظ، كانت هناك باقة من الورد جمّلت ذلك العصر، والتقت فى تنسيق بديع حول زهرة البساتين والرياحين التى هى «حليم» وحده، ومن حوله كان البستان مزهرًا بمحرم فؤاد، صاحب الصوت القوى، و«التلبانى»، الذى زاحم فى دولة الطرب ليجد مكانًا بين الكبار، وماهر العطار الذى فرش منديله على الرملة، وجعلنا جميعًا فى الوضع مدهوشين لخفة ظل متناهية، ومجال مغناطيسى جاذب للبشر، وصوت شقى حلو النغمات يتسلل داخلنا لكى يطرد كل شعور بالملل ويفسح المجال للبهجة والسعادة.

مع شديد الأسف، الذاكرة حفظت أغانى ماهر العطار، لكنها تناست صاحبها وتصور البعض أنه رحل عن عالمنا من زمن بعيد، ولكن أصدقاء العمر الجميل رجاء الجداوى، صاحبة العطاء الدائم، ودلال عبدالعزيز، صاحبة المواقف التى هى أرجل بكثير من بعض الرجال.. قالتا لى منذ سنوات إن ماهر العطار لا يزال بخير، وأنه يعيش فى المهندسين، وأن له ابنًا اسمه أحمد يملك شيئًا كثيرًا من وسامته وأيضًا صوته.

ذات مساء استمعت إلى بعض المطربين والمطربات الشباب، وأدهشنى صوت جاء من عصر غريب على هذا الزمن، الذى نعيشه، صوت يخاطب المشاعر والإحساس، ولا تتراقص له الأبدان بقدر ما تطرب له الأفئدة.. علمًا بأن هذا الفتى هو ابن ماهر العطار، الفتى أحمد، طلبت منه أن يرتب لى لقاءً مع الوالد، الذى كان وسوف يظل بالنسبة لأبناء جيلى أحد أساطير الزمان.. زمن العمالقة الذين تساقطوا ولم يبق منهم سوى القليل.. وإلى منزل ماهر العطار توجهت مرات عدة وقابلت مطربى المحبب إلى قلبى، وطلبت الإذن منه أن أنشر الكلام والحوار والقفشات والصور، ووجدت ترحيبًا حارًا من السيدة الفاضلة حرمه «السيدة فايزة»، شريكة رحلة العمر الطويل، وأخذنى ماهر العطار إلى حيث البدايات الأولى وهو ينظر إلى السيدة حرمه ويقول: لو نسيت حاجة فكرينى، وهى تؤكد السمع والطاعة بابتسامة رقيقة.. يقول:

اتربيت وفتحت عيونى فى حى رائع هو باب الشعرية، وهناك شاركنى فى الحى اللى حظه كويس عاش فيه فى هذا الوقت.. هما شارع العروسى وشارع الخراطيش، وكان بيتنا يقع فى زقاق شهير اسمه زقاق بنت درهم، وهو ملك الوالد، عليه رحمة الله، اجتمعت فيه العائلة، كما كان يفعل أهل زماننا، وطبعًا يصف «العطار» كنت بألاقى نفسى أردد أغانى عبدالوهاب اللى بأسمعها فى الراديو، وأهلى كانوا لما يسمعونى بأغانى يقولوا لى، والنبى تقول كمان ساعات كنت بافتكرهم بيسخروا منى، ولكن فى يوم من الأيام ذهبت إلى برنامج اسمه «ركن الهواة» فى الإذاعة، وجدت هناك الأساتذة على فايق زغلول وحسنى الحريرى.. فى الأيام دى كانت للإذاعة أفضال لا يمكن حصرها، وغنيت فيها، وسمعنى الأستاذ عبدالوهاب.

وهنا حاولت اختبار ذاكرة ماهر العطار، وقلت له: فاكر غنيت إيه.. فقال: كان عمرى 17 سنة، والكلام ده كان سنة 1958، وغنى معايا 3 شباب هم: محرم فؤاد وعبداللطيف التلبانى وعادل مأمون.

قلت له فى برامج الغنا دلوقتى بتصرف مليارات، وتقدم مطربين ومطربات، ويعملون مسابقات، بندفع ثمنها بالموبايلات رسائل.. ورزق الهبل على المطربين ولا أحد فيهم فلح ولا لمع.

ضحك ماهر العطار وقال: لا يمكن اتفرج على الكلام ده طبعًا.. إحنا فى عصر مختلف، الإذاعة عملت لى اختبارًا ومطلبوش ولا مليم، من دون أى مقابل، وغنيت أول مرة فى ركن الإذاعة «كل ده كان ليه»، وسمعنى أستاذ كل الأجيال عبدالوهاب، قال لهم: هاتولى الولد ده اللى اسمه «العطار».

سألته: هل أعجب بصوتك؟

رد قائلًا: عملى عقد فيلمين وإدانى 100 جنيه بالتمام والمبلغ خلانى تايه شوية.. قلت يمكن عبدالوهاب غلط فى الفلوس، وبدأ اسمى يتردد. «حليم» عمل أغنية «ظلموه» وحصل إنه اختلف مع محمد الموجى، صديق عمره وابن جيله، وحصل بينهما عناد طويل، الموجى قال لحليم أنا حاجيب لك اللى يقعدك فى البيت يا حليم، اتصل بى وعملنا أغنية «بلغوه» على وزن «ظلموه»، والثانية «داب قلبى»، وعملت أفلام وأغانى كسرت الدنيا واضطر حليم أن يصالح الموجى.. كان حليم يعرف أدوات نجاحه كويس جدًا وبيحافظ عليها.

قلت لماهر العطار: أنا لست من محبى حليم فقط، ولكنى من عشاقه والمهووسين به، مع ذلك أعترف بأن موهبة حليم لم تكن وحدها هى سبب استمراره حتى الآن، ولكن أيضًا الذكاء الحاد والخارق والمدهش.

قال: حليم اتصل بى وقال عاوز أشوفك وذهبت ليه.. فقد كان هو نجم العصر كله ونوارة زمانه من دون أى شك، احتفل بى وقابلنى زى ما نكون أصدقاء من أيام الطفولة، وبعدين قرب منى وقال: يا ماهر إنت فى الفرايحى عالى جدًا وناضج بشكل لافت عاوزك تركز فى السكة دى لأنك ملك فيها لوحدك.. لكن سكة العواطف والرومانسيات الدنيا فيها زحمة وحتلاقى نفسك ملخوم وحتتعب جامد. وأتمنى تفهم كلامى دى نصيحة أخ لك يا ماهر عاشق للون.

يضيف العطار: فهمت المعنى اللى يقصده حليم ووعدته أن أعمل بنصيحته الأخوية، قالها العطار وعلى وجهه ابتسامة عريضة وبعد أن تصالح حليم والموجى لم يعد الموجى يطلب منى التعاون فى أى عمل، ولكن وجدت أخاه الأستاذ إبراهيم الموجى يعرض علىّ أغنية اسمها «افرش منديلك ع الرملة، وأنا ألف وأجيل ع الرملة».. ولم أجد أى رد فعل جيدًا على الكلام، فعرض علىّ أغنية تانية بتقول «أيوا يا واد خدت الأمورة»، المهم أن وجدى الحكيم كان موجودًا ومعه كامل البيطار وعصام بصيلة، وجدى قالى: إزاى ترفض الكلام ده.. ده الكلام بيتغنى من غير ألحان. فكرت فى كلام الحكيم ووافقت بعد ذلك، ويا سبحان الله الأغانى دى أصبحت أشهر أغانى الأفراح فى مصر والعالم العربى كله. ونده لى الأستاذ محمد فوزى وقال: هانتجلك لك الأغنيتين دول فى إسطوانات، وللمرة الأولى تحقق الإسطوانة اللى جمعت الأغنيتين 100 ألف إسطوانة.. كان رقم فظيع جدً.

قلت للفنان الجميل حاضر الذهن.. حليم كان موقفه إيه بعد ذلك النجاح المدوى؟ قال: اللى أنا سمعته إن محمد الموجى قال لأخيه إبراهيم أنت هتغير اسمك لازم جدًا واشتكى لى، لأن نجاح لقب «الموجى» ده بتاعى وحزن إبراهيم وكنا قاعدين فى البيت فاتحين الباب وجارتنا ندهت على أمها، وقالت: تعالى يا واد يا رأفت.. قلت بس اتحلت إنت إبراهيم رأفت، ووافق على طول، ولكن بعد ذلك الأستاذ محمد الموجى عملى لى «مين يأمن لك مين».

وتركت محطة ماهر الغنائية وأخذته إلى دنيا السينما، وقلت إنت لك 7 أفلام، أنا

لا أتذكر منها أى فيلم على الإطلاق.. فقال: مالكش حق، لأن فى فيلم واحد بس الناس كلها عارفاه اسمه «هـ 3» مع رشدى أباظة وسعاد حسنى، كان فيلم فانتازيا.. قلت له لم أسمع بهذا الفيلم أساسًا، فقال: ادخل على البتاع الجديد «اليوتيوب»، قلت له الفيلم فشل بالطبع.. قال طبعًا لأنه نزل فى توقيت سيئ جدًا.. ولم يتذكر العطار سر سوء التوقيت، ولكنه ضحك وهو يقول: إنت تعرف فيلم «حسن ونعيمة»، قلت له طبعًا، قال: عارف إن الدور اتعرض عليّ الأول الولد «المغنواتى» وبالفعل لبست الجلابية والعمة والشال وبصيت لصورتى فى المرايا لقيت حد تانى وحش قوى.. قلت لأ.. مش هانفع ده أنا نجم الجامعات الوسيم.. أنا البنات كانت بتموت فيا ومش ممكن ح لخبط شكلى علشان خاطر الفيلم، قالوا لى دى فرصة العمر.. قلت لا.. أنا ح أجيب كم واحد صاحبى صوته روعة.. ورشحت لهم محرم فؤاد، قلت لـ«العطار» طبعً الشهامة دى أعقبها ندم عظيم.. قال بكل صراحة كنت ح أعيط والله حقيقى من الحزن على سوء حكمى على الدور.

ولكنه اعتدل فى جلسته وقال: عارف إن أول مرة أمثل وكمان أول مرة زبيدة ثروت تمثل كان فيلم «احترس من الحب» مع نجوى فؤاد والنابلسى وشفيق نور الدين وإخراج حسن الصيفى.

يتذكر العطار الأفلام السبعة ويضرب على رأسه على طريقة الأقلام السبعة لفيلم لبلب للعظيم شكوكو.

ويضيف: «النغم الحزين» مع سامية جمال، و«بنات بحرى» مع ريرى، وآمال فريد ومارى منيب والقصرى والنابلسى، ثم وبكل فخر وجدته يقول: عمر الشريف ومها صبرى وأنا عملنا فيلم اسمه «قصر الغرام» ومها صبرى سابت عمر الشريف فى الفيلم وأحبتنى أنا وضحكت من أعماق القلب ومعى ضحك العطار وقلت له ده فيلم ولا حلم، فقال ماهر العطار يا جدع ادخل ع «اليوتيوب» وشوف، أنا ح أضحك عليك بأحكى قصة الفيلم ويستكمل أفلامه السبعة ويقول: فى سنة 1969 صورنا فى بيروت التى انتقلنا لها جميعًا مطربين وممثلين بعد نكسة 67 عملت فيلم «لقاء الغرباء» مع رشدى أباظة ومريم فخر الدين، وفى العام نفسه مع تحية كاريوكا ورشدى أباظة فيلم «أنا وأمى»، ورشحنى الفنان حسن الإمام لفيلم مهم مع شادية ولكن بعض «الأصدقاء» قالوا اوعى توافق على طول.. قلت لهم ليه؟ قالوا «اتقل» شوية علشان يجروا وراك.. وأتاريهم كانوا عايزين يضيعونى وطار الفيلم وفرحوا جدًا «الأصدقاء»، وأذكر أن أعظم ما تبقى من إنتاجه هو الغناء. وسألته عن أغانيه الوطنية فقال على الفور: فى أغنية اسمها «ياما زقزق اليمرى»، وواحدة ثانية هى أغنيتى، ولكن لا أعلم من حوّل ملكيتها على المشاع فنسبوها إلى مجموعة كورال قامت بتصويرها، وهذا أمر لا يصح.. أغنية «تعيشى يا بلدى.. يا بلدى تعيشى».

وألمح الدموع تتجمع فى عين الفنان الجميل الذى أسعدنا بالتأكيد على مر السنين دون أن يكون هناك أى تقدير، ولكن السيدة الفاضلة فايزة محمود نسيم، قالت إن بعض الجهات بالفعل قامت بتكريم ماهر فى مهرجان الإسكندرية للأغنية، حيث كرمه وجدى الحكيم، وصعد محافظ الإسكندرية فى ذلك الوقت، اللواء طارق المهدى، وطالب بإشعال كل أنوار المسرح وليس «الإسبوت لايت» الوحيد المسلط على ماهر، وقال: أضيئوا الأنوار لمن أضاء لنا مساحة من البهجة فى حياتنا، وبالفعل اشتعل المسرح بالتصفيق والهتاف.. قلت له لقد خسرنا هذا الرجل الفاضل العالم بمكانة الفن والقوى الناعمة فى المجتمع، اللواء طارق مهدى، تذكر ماهر العطار هذه اللحظة والسيدة حرمه وابنه الذى ورث الموهبة وأيضاً الحظ الذى يبتسم على الدوام، وقبل أن ندخل فى دوامة من العواطف المحزنة ذكرت بكلمات رفيعة رحلة المنافسة وقلت له إنت راجل صوتك فرايحى على رأى حليم، خلينا نفتكر حالة البهجة والفرح والرسالة التى حملها صوتك على مر تاريخك، والأهم من ذلك ذكريات الشقاوة التى شهد بها كل من اقترب من ماهر العطار، وقلت له ح تسكت ولا أقول. ضحك ماهر العطار، وقال: ما خلاص ده كان زمان.. وهنا وجدت ابتسامة عريضة أيضًا على وجه السيدة حرمه وهى تؤكد والله ملتزم لا زمان اتشاقى ولا دلوقتى.. صحيح ما أجمله من إنسان وفنان، وعصر كان فيه ماهر العطار إحدى علاماته المميزة.