رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الركود يغتال «درب البرابرة»

الركود يغتال «درب
الركود يغتال «درب البرابرة»

توقف البيع والشراء.. وأصحاب المحال يلجأون لتغيير النشاط

الدولار متهم رئيسي فى ارتفاع الأسعار وتضاعف التكاليف

د. سعيد عبدالخالق وكيل أول وزارة التجارة: أطالب الحكومة بدعم المشروعات الصغيرة و«الأسر المنتجة»

فجأة تحول سوق درب البرابرة «وسط القاهرة» من أشهر سوق لتصدير الفرحة إلى سوق للحزن والكآبة والإحباط جراء الركود الذى أصاب معظم الأسواق العتيقة فى مصر.

يعانى أصحاب المحال في هذا السوق العتيق الذى تعود نشأته إلى 100 عام.. من انخفاض حجم المبيعات، خصوصاً على مستلزمات «السبوع» والنجف بسبب الغلاء وارتفاع الأسعار، وإحجام كثيرين عن الشراء، فضلاً عن منافسة المنتج الصينى الذى قضى على آخر أمل فى انتعاش سوق البرابرة من جديد.

وبالطبع المتهم الرئيسى هو ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه، الذى ضاعف التكاليف وعجز المستوردون عن منافسة المستورد الذى يحظى بإقبال شديد نتيجة رخص سعره وجودته.

«الوفد» تجولت فى «درب البرابرة» وحصلت من السوق على أكثر من قصة وحكاية، فمعظم العاملين فى هذا السوق ورثوا المهنة أباً عن جد.. لكن فى السنوات الأخيرة بدأ عدد كبير منهم يهجر المهنة بعد دخول التكنولوجيا التى أفقدت المنتجات قيمتها التاريخية والتراثية.. لأنها « لم تعد تؤكل عيش» كما قال أصحاب المحلات.

بداية استوقفنى شاب فى الثلاثين من عمره، فوجئت أنه حاصل على ماجستير فى إدارة الأعمال.. قائلاً: هذه المهنة ورثتها عن أجدادى فرغم حصولى على درجة علمية عالية لكن لا أعرف غير هذه المهنة التى أعمل فيها بحب وقناعة فكرية.

وأضاف: «لن أخجل من تلك الصنعة.. لأن العمل عبادة وهذه الحرفة هى التى صرفت على تعليمى إلى أن حصلت على درجة الماجستير فى إدارة الأعمال.. وصرفت على تعليم ثلاثة من الأخوات وكانت أساس تجهيز اثنين من أشقائى البنات والكل حاصل على مؤهلات عليا من فضل الله وفضل هذه المهنة التى لا نخجل أننا من أبنائها.. وقال الشاب إنه رغم كل هذا التطور الهائل فى الصناعات، إلا أن العاملين فى الحرفة لم يضيفوا لها بعض المستحدثات التى تخدم عليها.

وأضاف أن الفترة الحرجة التى تمر بها البلاد ستنقضى قريباً وسيعود «درب البرابرة» لسابق عهده فى كل شىء سواء حركة البيع أو السياحة.. مشيراً إلى أن شارع «درب البرابرة» من أهم وأبرز المناطق التجارية والسياحية فى مصر.

وينظر إلى السماء ويقبل يداه: «حمداً لله على فضلك ونعمك علينا يارب».

وأثناء الجولة رأيت عينين دامعتين تنادينى.. وعندما اقتربت منهما انهمرت السيدة المسنة فى البكاء الشديد.. قلت لها: «لماذا تبكين بهذه الحرقة أهدئى عشان نعرف نتحدث سوياً.. وبعد مرور أكثر من عشر دقائق، استطاعت السيدة السيطرة على نفسها.. فسألتها: «لماذا كل هذا البكاء يا أمى أستحلفك بالله أن تتوقفى».. قالت: «أقسم لك بالله أنا بقالى أكثر من 5 أيام لم أتحكم على «رغيف عيش حاف» مضيفة: «حتى القمامة لم أجد فيها كسرة خبز واحدة.. كل الذى أجده أثناء البحث فى القمامة حاجات حامضة والدود بيمشى فيها.. الكلاب والقطط تقرف تأكلها».. أعمل أيه بس.. أدينى بالف فى الشوارع طول النهار يمكن حد يحن علىّ بحاجة أكلها ولا يعطينى فلوس أشترى بيها أكل.. لكن يظهر أن شكلى بيكره فيه الناس وبيكشوا فيه لما بقرب منهم».

سألتها عن سنها، فقالت إنها تبلغ من العمر 78 عاماً.. وأبناؤها ثلاثة لا تعرف عنهم شيئاً سوى أنهم يخجلون منها ومن لقائها وتركوها وحدها تعيش على «فيض الكريم» منذ أكثر من 20 عاماً.. بعد أن ألقوا بها فى دار للمسنين عدة سنوات.. لكن نظراً لسوء المعاملة فى تلك الدار تركتها وظلت شاردة فى الشوارع دون مأوى.. بعد أن استحوذ أحد أبنائها على مسكنها وتزوج فيه.. وعندما لجأت لتعيش معه قامت زوجة ابنها بطردها أمام أعين ابنها والجيران!

وقال عادل عبدالفتاح إن «درب البرابرة» كان يتميز بمستلزمات السبوع والأفراح والنجف وكان مليئاً بالخواجات.. مشيراً إلى أن حركة الإقبال والبيع والشراء كانت مستمرة ليل نهار.. بينما الآن لم تكن هذه الحركة مثل السابق.. فكل الناس تعانى من ارتفاع الأسعار.. وأضاف أن ورش تصنيع المادة الخام أصبحت تعتمد على التجميع للخامات وليس التصنيع.. نظراً لارتفاع سعر الدولار.

ولفت عادل إلى أن منذ أكثر من 15 عاماً والإقبال أصبح على المنتج المستورد أكثر من المنتج المحلى الذى أصبح يفتقد «الفنش».

وأكد عادل أنه إذ تم الالتزام بالصناعة المصرية، والاهتمام بالجودة سيكون المنتج المصرى رقم واحد فى الأسواق المصرية، موضحاً أنه لا يوجد اهتمام من الصنايعية بتقديم منتج ذات جودة.. ولا يوجد اهتمام من الدولة بإتاحة المعارض والتسويق.

وأشار إلى أن حركة الإقبال تكاد تقترب من 30% مقارنة بالأوضاع قبل خمس سنوات، ونسبة البيع حوالى 20% فقط.. ومعظم البضاعة مستوردة.

وبصوت مخنوق قالت «تريزا».. أنها تعمل فى منتجات السبوع التى يتميز بها «درب البرابرة».. لكن حال السوق صعب.. وأوضحت أن حركة البيع ضعيفة جداً، مضيفة أن المنتج المصرى الذى عليه الإقبال والطلب أكثر، وله «زبون» رغم عدم جودة وخامات التصنيع المحلية.

وأشارت «تريزا» إلى أن التجار يخزنون البضاعة وينتظرون ارتفاع الأسعار. مؤكدة أن هذا الغلاء يعد من التجار وليس جشعاً من الدولة.

ولفتت إلى أنه قبل هذا الغلاء الذى وصفته بـ«الفاحش» كانت حركت الإقبال مستمرة طول الموسم.. لكن الآن أصبح الإقبال فى الأعياد والمناسبات.

وقال جلال عبيد، بائع، إن العمل فى هذه المنتجات لم يقتصر على الكماليات المحلية فقط بل المستورد الذى يلعب دوراً كبيراً فى عملية التصنيع بنسبة 80%.. مشيراً إلى أن كل طلبات العملاء أصبحت تعتمد بشكل كبير على المنتج المستورد.

وتساءل «جلال»: ماذا نفعل بعد انكماش الاستيراد، وعدم وجود سقف للأسعار.. وعدم وجود رقابة على الأسواق؟».

وأوضح أن ارتفاع تكاليف الاستيراد لمواد التصنيع يزيد من تكاليف بيع المنتجات وهنا يرفض العميل هذه الزيادة، وبالتالى يحجم عن الشراء.. وإذا لجأ المصنعون إلى استخدام الخامات المحلية فقط.. تكون التكلفة ثلاثة أضعاف المستورد!

وقال «محمد»، بائع، إن ارتفاع الدولار جاء على «رأس الناس وزادت من الطين بلة.. واحنا اللى رحنا فى الرجلين وموش عارفين حتى نحصل على قوت اليوم.. وليس لدينا مكان أكل عيش آخر نعوض منه الخسارة اللى حطت علينا».

ولفت إلى أن لديه 5 أولاد فى مراحل تعليمية مختلفة بالإضافة إلى والدته المسنة.. فمن أين يلبى احتياجات ومتطلبات أسرتى؟!

وبدموع تعسة ونظرات حائرة وصف علاء ناجى الحياة الاقتصادية بطعنات الغدر

فى قلب المواطن المغلوب على أمره.. فهذا ليس «درب البرابرة» الذى نعرفه منذ سنوات يصدر الابتسامة والبهجة والسرور فى كافة ربوع مصر.. بل أصبح «درب الركود وخيبة الأمل» - حسب وصفه.

وأشار إلى توقف حركة البيع والشراء، بينما والتجار يرفعون أسعار المنتج المصرى محلى الصنع.. وليست له علاقة بارتفاع سعر الدولار.. مضيفاً: «للأسف أسعار المنتجات زادت ثلاث أضعاف ثمنها.. ولا توجد رقابة».

ويطالب علاء الحكومة بضبط مهزلة الأسعار التى كانت سبباً أساسياً فى زيادة انتشار المخدرات فى الآونة الأخيرة، لافتاً إلى أنهم فى دائرة مغلقة، إذا تركوا المهنة وغيروا النشاط سيجدون الشىء نفسه.. لا بيع ولا شراء..

وأشار علاء إلى أن هناك الكثير من أصحاب المحلات غيروا نشاط مهنتهم إلى مهنة أخرى من «سبوع إلى نجف» لكن للأسف الركود يخيم على «درب البرابرة».

«يا فتاح يا عليم يا رزاق يا كريم» هكذا كان يردد الحاج محمد أبوأحمد الذى يبكى حاله بعد أن غير نشاط مهنة الأجداد «بونبونيرات السبوع» إلى مهنة النجف المستورد والمصرى بحثاً عن الزيادة فى الربح الوفير الذى يلبى متطلبات احتياجات أسرته المكونة من 7 أفراد.. لكن بكل أسف، كما يقول، حالة الركود تسيطر على كل المهن والأنشطة.

وقال «الحاج على»، صاحب محل، إنه اضطر إلى تغيير النشاط لأن «الحال نائم».. مشيراً إلى أن المهنة الجديدة، التى رفض إعلانها، متواكبة مع احتياجات السوق الجديد وبأسعار متناسبة بعض الشىء مع الجمهور.. وأحيانا تتوافر السلع البديلة بأسعار مخفضة.. لكنها ستكون أقل فى الجودة والخامات المصنعة.. وفى الغالب المشترى يبحث عن هذا المنتج.. وأضاف أنه غير راضٍ عن تغيير مهنة الأجداد لكنهم مضطرون نظراً للظروف الصعبة التى يمرون بها من ارتفاع فى أسعار كل شىء.. مما دفع الغالبية العظمى من أصحاب المهن والمحال إلى تغيير النشاط.

وقال أحمد، بائع، إن الصناعة اندثرت وأصبح العمل فى المنتج المستورد الصينى والتركى جاهز الصنع.. مشيراً إلى أن هذا أدى إلى إغلاق الورش المحلية.. وعزوف العاملين من الصنايعية عن العمل فى الورش، والهروب إلى الأعمال الـ«تيك اواى» ومنهم من يفضل الجلوس على المقاهى والكافيهات بعيداً عن متاعب التصنيع.. لكن هذا لا يمنع وجود «مقاتلين» فى المهنة الذين مهما تغيرت بهم الظروف ومرت بهم صعاب لا يتركون الورش ولا التصنيع ولا البيع لمنتجاتهم الأساسية أو الإضافية الكمالية من مهنتهم التى يعلمونها لأبنائهم وأحفادهم الصغار حتى لا تنقرض الصناعات اليدوية الأصيلة بدرب البرابرة.

وبعد أن استمعنا لعينات عشوائية لمعاناة وصرخات وآلام حال درب البرابرة أو درب سعادة كما أطلق عليه البعض والذى تحول إلى درب الأحزان.. التقينا الخبير الاقتصادى الدكتور سعيد عبدالخالق وكيل أول وزارة التجارة، الذى قال إن الوضع الاقتصادى فى غاية الصعوبة، ودائماً ننادى بتشجيع المنتج المحلى، وتأمين الواردات من الخارج..

وأشار إلى أن تشجيع المنتج المحلى هدف رئيسى لإيجاد فرص عمل، وتوفير الاحتياج من العملات الأجنبية، وتشغيل موارد محلية وغير ذلك الكثير.

وأوضح أن المنتج المحلى أحياناً ما يكون دون المستوى.. لكن لا بد من الاعتماد على المنتج الحالى. وطالب «سعيد» بتطبيق نظم الجودة، وتدريب العاملين فى هذا المجال وإعطائهم بعض الامتيازات.

وشدد الخبير الاقتصادى على ضرورة التركيز على المنتج المحلى بالنظر لوجود عجز فى الموازنة، وميزان المدفوعات، والميزان التجارى، مؤكداً أن هذه المشاكل لن تحل إلا بمزيد من التوسع فى الاعتماد على الإنتاج المحلى، ولا يوجد حل آخر غير ذلك.

ولفت سعيد إلى أن دور الحكومة يجب أن يتمثل فى دمج هذه المشروعات أو دعمها بالقروض أو بعملية التسويق، وأيضاً دعم لعمليات تدريب العمال.

وأكد عبدالخالق أن حالة الركود التى يمر بها «درب البرابرة» تعد طبيعية جداً نظراً للارتفاع الكبير فى الأسعار.

ونفى وجود حل نهائى للركود الذى يعم على كافة الأسواق إلا بمعالجة حالة التضخم، والتوسع فى عملية الإنتاج والاستثمار..

وأكد «سعيد» أن الاعتماد على القطاع الخاص وحده لا يكفى فى الظروف التى تمر بها مصر.. لذا يجب على الحكومة التدخل فوراً وتصبح منتجاً لتحريك السوق وإيجاد فرص عمل.

وطالب «سعيد» الحكومة بالتركيز على الإنفاق الحكومى الاستثنائى فى هذه المرحلة، وإعادة مشروعات «الأسر المنتجة»، والتركيز على المشروعات الصغيرة بشكل أكبر، لأن التركيز حالياً يصب على المشروعات الكبرى.