رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

دمشق.. من الموت إلى الحياة

سوق الحميدية
سوق الحميدية

السوريون يهزمون دوى القذائف فى «سوق الحميدية» و«المسجد الأموى» و«قلعة صلاح الدين»

العاصمة العريقة تقاوم الدمار والدم بالأمل فى المستقبل

 

< المجىء="" إلى="" سوريا="" فى="" هذه="" الظروف="" لم="" يكن="" ضد="" القرار="" الصعب="" لكن="" الأصعب="" هو="" حجم="" التخويف="" والترويع="" والفزع="" أحياناً="" الذى="" كنت="" أراه="" فى="" عيون="" كل="" المحيطين="" عندما="" علموا="" بقرارى="" الذى="" تأخر="" شهراً="" كاملاً..="" واجتمعت="" رغبتى="" فى="" المغامرة="" وتغيير="" جلدى="" الصحفى="" مع="" تشجيع="" رئيس="" التحرير="" الأستاذ="" سيد="" عبدالعاطى="" وبدعم="" معنوى="" من="" صديقى="" نقيب="" السينمائيين="" المخرج="" مسعد="" فودة="" ورئيس="" اتحاد="" النقابات="" الفنية="" المخرج="" عمر="" عبدالعزير="" لخبرتهما="" الكبيرة="" فى="" سوريا="" وتحفيز="" كبير="" من="" صديقى="" الصحفى="" محمد="" مهاود="" وجدت="" نفسى="" مدفوعاً="" لشغف="" التجربة="" الاستثنائية="" فى="" هذه="" الظروف="" الاستثنائية..="" وتم="" الترتيب="" حتى="" وجدت="" نفسى="" على="" باب="" طائرة="" المؤسسة="" السورية="" للطيران،="" وبعد="" ساعة="" والنصف="" وجدت="" نفسى="" وزميلى="" المصور="" محمد="" فوزى="" فى="" قلب="" مطار="">

وفى هذه الظروف التى تمر بها سوريا على مدار «6 سنوات» من الحرب والتصدى لمؤامرات التقسيم وقف المد للربيع العربى الذى طال دولا عربية كثيرة، من الطبيعى أن تجد ظروفا معوقة أدت لتأخر الطائرة نحو «40 دقيقة»، ووصلنا لمطار دمشق، وكانت الشمس قد فارقت النهار، وذهب الدفء، ووجدنا أنفسنا فى جو وصلت درجة حرارته إلى درجتين فوق الصفر.. لكن دفء مشاعر الترحاب وحفاوة الاستقبال كانت هى الإحساس الأكبر.. قطعنا المسافة من مطار دمشق إلى فندق الشام، ذلك الفندق الكلاسيكى العريق بوسط العاصمة دمشق فى أقل من نصف الساعة.

كان الضوء الخافت والحواجز الأمنية بين كل أقل من «400 متر» هى العنوان الرئيسى للمشهد الأول فى عاصمة التاريخ «دمشق» أو المدينة السابعة فوق الأرض كما يطلقون عليها.

وصلنا فندق الشام فى ضيافة وفد من وزارة الإعلام وراجعنا برنامج الزيارة على مدار أسبوع كامل، انقسم بين دمشق وحلب وبعد ذلك تناولنا العشاء وظللت أبحث عن شىء أفعله يرضى فضولى الصحفى وآثرت ألا يمضى يومى الأول دون أن أحقق إنجازا صحفيا يخفف ضغوط البرنامج والزيارة حتى التقيت  المهندس باسل خراط المسئول السياسى.

وأجريت معه حواراً بوصفه مسئولا شابا فى جهة مهمة واتفقنا سوياً على وضع خطة التحرك فى حلب لاحقاً.

وعلى غير عادتى، قررت الاستيقاظ مبكراً وبعد تناول الفطور، اصطحبنا مسئول من وزارة الإعلام السورية ومعه كل تصاريح التصوير ويحمل فى رأسه الكثير عن تاريخ العاصمة دمشق وبدأناها من أمام الفندق الذى يقع فى وسط العاصمة وفى قلب المربع الأمنى حتى وصلنا إلى سور قلعة صلاح الدين وما بين الفندق والقلعة مسافة أكثر من «2 كيلو متر» عبرنا خلالها أهم شوارع دمشق والأسواق التجارية مثل سوق الموبايلات وساحة «المرجة» الشهيرة ووجدنا حراك الناس فى الشارع يتحدى الخوف ولسان حالهم يؤكد أن دمشق آمنة وتمت السيطرة على المداخل والمخارج بالحواجز الأمنية التى يديرها الجيش السورى فى أحياء دمشق وتسمى المربع الأمنى بعمق «8 كيلو مترات مربعة» تضم كل الوزارات والمؤسسات السيادية والفنادق والأسواق والأحياء الراقية والتى تتخللها أحياء أقل رقياً، سألنا من قابلنا عن سر الضوء الخافت الذى يقترب من الظلمة ليلاً وعرفنا أنه نوع من التقشف لمواجهة أحمال الكهرباء التى تعرضت معظم محطاتها للضرب بالقذائف التى ظلت تلاحق دمشق وتسقط بشكل عشوائى فى كل مكان قبل إحكام السيطرة عليها وهناك أيضاً تقشف مائى بعد تعرض محطات المياه للضرب أيضاً لكن بعد التعزيز الأمنى أصبح الوضع أكثر أمناً مع استمرار التقشف الكهربائى والمائي.

وبعض من التقينا بهم فى الأسواق والمواطنين فى الشارع منهم من تنتابه مشاعر حائرة يريد الاستقرار سريعاً ورضى بالبقاء على الأرض، ومنهم من لمح لحالة الركود وارتفاع الأسعار مقابل الدولار، وكل أسعار الغذاء والنفقات الحياتية تضاعفت مع زيادة الدولار الذى كان سعره قبل الحرب «50 ليرة» للدولار ثم قفز إلى «150 ليرة» والآن سعره يصل إلى «500 ليرة» وهو ما ضاعف أعباء الحياة، لكن جميعهم يرون أن الأمن والاستقرار له ضريبة، كل شىء موجود ومتاح لكن أسعاره تضاعفت وحركة البيع والشراء تناقصت رغم نزوح عشرات آلاف فى المدن والقرى التى سيطرت عليها «داعش وجبهة النصرة» لدمشق بحثاً عن الأمان وهذا ضاعف أسعار العقارات وأعباء الحياة.

قبل أن نصل إلى قلعة صلاح الدين الملاصقة لأشهر أسواق سوريا ودمشق والأسواق العربية على الإطلاق سوق الحميدية، مررنا بساحة المرجة الشهيرة وهى مركز العاصمة ويتوسطه «عمود صاري» أعلاه مجسم صغير لقصر، وشيد هذا العمود كما هو واضح من لوحته السلطان الغازى «عبدالحميد خان ثانى» وخلف الصارى مسجد مشيد على الطراز الإسلامى اسمه مسجد سيف الدين يلبغا وهو حاكم قديم للمنطقة ويمر فى الميدان فرعان لنهر «بردى» الشهير، يمر فوقهما كوبرى من الخشب ويجلس فيه الشباب والأطفال وساحة صغيرة «لحمام أستيتيه» وهو قريب الشبه من «حمام الحما» حول المسجد الحرام بمكة وفى واجهة الساحة تقع محطة سكة حديد دمشق وخارج عربة قطار بخارى قديمة وكانت هذه المحطة تصل للحجاز والساحة محاطة بالفنادق والشركات والمكاتب والمحلات التجارية.

فى نهاية شارع ساحة المرجة يظهر سور قلعة صلاح الدين الشهيرة وأسفله تمثال مجسم للقائد

صلاح الدين وهو يمتطى حصانه وحوله بعض رجاله، بُنى 1982م وآثار التفجيرات التى طالت دمشق تركت بصمتها على التمثال ويمتد سور القلعة حتى باب سوق الحميدية وحتى المسجد الأموى الشهير وبداخلها مسرح كبير وبعض القاعات التى تلقى فيها الدروس الثقافية ويمر عبر سورها الشمالى «فرعا نهر بردى».

< وفى="" سوق="" الحميدية="" الذى="" يبدأ="" بطول="" يصل="" إلى="" كيلو="" والنصف="" الكيلو="" متر،="" ويبدأ="" من="" الجهة="" الغربية="" بملاصقة="" سور="" قلعة="" صلاح="" الدين="" وينتهى="" بمدخل="" المسجد="" الأموى="" الشهير="" وساحته="" العريقة،="" تجد="" نفسك="" وسط="" الحياة="" بكل="" تناقضاتها:="" بشر="" ومعروضات="" من="" كل="" الطبقات="" وجميع="" أنواع="" البضائع="" والمنتجات="" السورية="" الشهيرة="" من="" ملابس="" ومنسوجات="" ومنتجات="" جلدية="" واكسسوارات="" ومعروضات="" فساتين="" زفاف="" تشتهر="" بها="" سوريا="" حتى="" أفخر="" أنواع="" الشيشة،="" ومحلات="" الملابس="" بكل="" درجاتها="" وأنواعها="" ومحلات="" الذهب="" والفضة="" والإكسسوارات="" ووسط="" الشارع="" تجد="" «الباعة="" السريحة»="" من="" يبيع="" «الورد»="" و«البالون»="" والملابس="" الرخيصة="" والهدايا،="" الشارع="" مزدحم="" والحركة="" دائبة="" لكن="" الفرجة="" هى="" المشهد="" الأكثر="" وضوحاً="" لارتفاع="" الأسعار="" التى="" ضاعفها="" ارتفاع="" الدولار="" والركود="" الاقتصادى="" بسبب="" الحرب،="" ومع="" ذلك="" هناك="" حالة="" رضا="" عند="" البعض="" عندما="" سألناهم="" عن="" الوضع="" التجارى="" لأشهر="" سوق="" عندهم="" فى="" ظل="" الحرب،="" قالوا:="" نعانى="" من="" الركود="" والأسعار="" مرتفعة="" والنشاط="" محدود،="" لكن="" نحمد="" الله="" أننا="" نعيش="" وننتظر="" الأمل="" بعودة="" سوريا="" لسابق="" عهدها="" والسوق="" من="" بدايته="" حتى="" الوصول="" لساحة="" المسجد="" الأموى="" يتخلله="" بعض="" النقاط="" الأمنية="" والحواجز="" التى="" يقف="" عليها="" الجيش،="" وتصل="" للتفتيش="" قبل="" الدخول="" للمسجد="">

يظل المسجد الأموى هو الحالة الفريدة التى تتميز بها دمشق مع «الحميدية» و«ضريح رقية» وقبر صلاح الدين والقلعة.. فى ساحة المسجد على يمينه ساحة الحمام فى مشهد مهم وحوله الشباب والفتيات، وعلى سور باب المسجد تجد الأسر تتحسس دفء الشمس، دخلنا المسجد ووجدت عبقرية البناء تجسدت فى هذا الفن المعمارى والزخارف الإسلامية الفريدة فى الساحة وكل الأعمدة والنافورة وحتى بداخل قاعات الصلاة التى يصلى بها الرجال والنساء وبينهما حبل حاجز فقط وليس ساترا وداخل قاعة الصلاة هناك قبر سيدنا يحيى الذى كان موجوداً فى كنيسة وتمت إزالتها وبناء هذا المسجد الفريد.

وفى قاعة الوضوء قال لنا أحد المسئولين فى المسجد وأشار على حجر فى الحائط إن هذا الحجر عمره أكثر من «10» آلاف سنة. صلينا العصر بالمسجد وسرنا داخل دمشق القديمة بحواريها العريقة وحماماتها التجارية ومحلات الحلوى الشامية المتميزة. الحارات تشبه  حارات خان الخليلى والحسين والجمالية فى مصر بمشربياتها وحجارة مبانيها التى تمتد لمئات السنوات حتى وصلنا لمقام السيدة رقية بنت الإمام الحسين مروراً بقبر القائد العظيم صلاح الدين الأيوبى خلف المسجد الأموى ودفن معه الشيخ «محمد سعيد البوطى» الذى يسمى شهيد العلم وقال من رافقنا إنه استشهد وهو يلقى دروس التفسير مع العشرات من تلاميذه فى مسجد يسمى الإيمان بقذيفة داعشية.

كانت جولتنا بين ربوع التاريخ فى دمشق التى يقول أهلها إنها ستعيش مرحلة الصمود وهم يرون أن الحرب الدائرة ليس لها علاقة بالعرقية أو الطائفية الدينية، مؤكدين أنهم عاشوا عشرات السنوات متجانسين، المسلم السنى بجوار الشيعى والدرزي والمسيحى فى منزل واحد، لم يعرفوا اختلافاً واتفقوا على حب الأرض والسلام.

ويضيف بعض أهالى دمشق: من يقاتلوننا على أرضنا يريدون أن نعيش فى ديمقراطية لكنهم استخدموا تجار الدين قبل «الدواعش» و«جبهة النصرة» ليقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ ويتلقوا رواتب وأسلحة من دول أخرى بهدف تدمير سوريا وشعبها وتاريخها وحضارتها.