رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مؤهلات عليا فى «بيارات الصرف الصحى»

بوابة الوفد الإلكترونية

 شباب التجربة: العمل فى المجارى أفضل من البطالة

 «ميشو»: نفسنا فى تأمين صحى.. ومركز لتعليم الغطس

 محمود: نعيش الرعب لحظة خروج زملائنا من غرف الموت

 

اعتدنا مشاهدة عامل يقوم بتسليك البالوعات مستخدماً أسياخاً حديدية لكى يستطيع الوصول إلى أعماق بالوعة المجارى، ولكن قامت مؤخراً شركة مياه الشرب والصرف الصحى فى محافظة الجيزة بتأسيس قسم خاص للغواصين يعمل فيه الآن 3 أشخاص مدربين على استخدام أجهزة التنفس تحت الأعماق وداخل البالوعات.

غواصون فى مجارى الصرف، مهنة مستحدثة فى المجتمع المصرى ستنهى مع الأيام الشكل التقليدى لعامل «المجارى»، والجديد فيها أن كل العاملين بها شباب من حملة المؤهلات العليا، هدفهم خدمة بلدهم فى أى مجال وكما قالوا: «العمل أفضل من البقاء عاطلاً».. يتركز عملهم على تنفيذ إصلاحات وعمليات وتنظيف منافذ الأنابيب العميقة منعاً لحدوث أى مشاكل اقتصادية وصحية واجتماعية.

«الوفد» قضت يوماً كاملاً مع هؤلاء العمال وتعرفت على طبيعة عملهم، والمخاطر التى يواجهونها، والتى قد تودى بحياتهم فى بعض الأحيان».

محمد عبدالوهاب الشهير بـ«ميشو» 33 عاماً، حاصل على ليسانس حقوق أول عامل التحق بشركة الصرف الصحى منذ عام 2009، فى مجال الغواص، لم يخجل من عمله أبداً، دائماً يتحدث بفخر عن نفسه، وأنه فضَّل العمل فى مهنة شريفة يأكل منها عيشاً، عن البقاء عاطلاً دون عمل.

يبدأ «ميشو» يومه فى موقع عمله الساعة الـ 8 صباحاً، يربط أحد الأحبال السميكة حول وسطه، بعد ارتدائه بدلة الغطس، ثم يضع النظارة بعناية على عينيه وجهاز التنفس على أنفه متصل بمجموعة من الخراطيم موصلة بالكومبريسور توضح للآخرين فوق ظهر الأرض إذا ما كان لا يزال على قيد الحياة أم فقدت حياته.

وأكد «ميشو» أنه اعتاد على الغوص على عمق 12 متراً فى قلب المجارى، ويستطيع السباحة فى المياه القذرة بطول 100 متر. مشيراً إلى أن نسبة خطر الموت والتعرض للأمراض مرتفعة جداً فى عملهم، ورغم ذلك لا يخشى الموت»، وأنه مصمم على مواصلة عمله بعد أن ضاقت فى وجهه الوظائف وأغلقت أمامه كل الأبواب للحصول على مصدر رزق شريف، مشدداً على أنه لم يجد أمامه إلا المخاطرة بروحه فى هذه المهنة.

وشدد أن مهنته لا يعمل فيها إلا 7 أشخاص، لذا يعتبر نفسه عملة نادرة فى مهنة يتأفف منها الجميع، ويخشى الكثيرون الاقتراب منها خوفاً من الأمراض التى قد تصيبه من جراء العمل بها.

وحدثنا «ميشو» عن طبيعة عمله، قائلاً: «الغواص يسبح فى مواسير الصرف الصحى بعكس اتجاه المياه، محصن بأجهزة وخراطيم هواء وحبل أمان، ولو احتاج إلى مساعدة نقوم بعملية شد له من الخارج».

وتابع: «رغم إجراءات الحماية التى قمنا باتخاذها للحفاظ على أرواح العاملين، إلا أنها لم تمنع من غرق اثنين من عمال الصرف الصحى فى بالوعة أثناء تسليكها»، مشيراً إلى أن مئات الحوادث تقع سنوياً لعمال الصرف الصحى فى مختلف المحافظات المصرية، والتى تكشف عن نقص الاهتمام بتطبيق معايير السلامة المهنية والمعرفة الصحيحة بالإسعافات الأولية؛ ما يعرض حياة هؤلاء العمال للخطر.

ولفت إلى أن مشاكل عمال الغطس فى المجارى ليست فى الرواتب، لكن المشكلة الرئيسية فى توفير تأمين صحى شامل عليهم، لأن غواص المجارى معرض فى أى وقت للإصابة أو المرض، نتيجة تعامله مع كافة المواد الموجودة داخل البالوعات، وأوضح أن العديد من القرى بمحافظات مصر بها مشاكل فى مواسير الصرف، حيث تم تأسيسها منذ زمن بعيد، ولا تتحمل الضغط السكانى الحالى، بينما المناطق الراقية والقديمة فى مصر، تم تأسيس الصرف فيها بصورة تستوعب عدداً كبيراً من السكان، قائلاً: «كان هناك تخطيط جيد، لكن الشبكات اللى نفذت من سنوات قليلة مفيش فيها تخطيط سليم».

وأعرب ميشو: «أن أمنيته الوحيدة، إنشاء مركز لتدريب العمال على الغوص فى المجارى، وإعطائهم خبرات من جميع الدول على سبل الحماية وعمليات الإنقاذ، مشيراً إلى أن هذا المركز إذا تم تشدينه، سيستفيد منه العديد من العاملين بهيئة الصرف الصحى، كما يعد مشروعاً جيداً لنقل الخبرات من العاملين القدامى للجدد مع وجود تواصل بينهم.

محمود على شاب فى العشرينات من عمره، بكالوريوس كلية تربية رياضية تقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وحالياً فى مرحلة تمهيدى ماجستير. لم يخجل من مهنته كغواص فى مياه الصرف، بالعكس يتحدث بفخر عندما يروى لنا كواليس هذه المهنة الشاقة، معتبراً أن «أى وظيفة ستخدم البلد.. سيعمل بها على الفور». أحياناً تقيدنى البدلة المخصصة للنزول إلى المصارف، وتعيق حركتى، كما أنها تشعرنى بالحر وخاصة مع ارتفاع درجة الحرارة فى البئر، بهذه العبارة بدأ «محمود» حديثه إلينا، مشيراً إلى أنه رغم معاناته الشديدة بسبب مكوثه فترة طويلة فى المياه القذرة، ولكنه اعتاد على وظيفته.

وافق «محمود» على هذه الوظيفة فى شركة الصرف الصحى، بمرتب زهيد للغاية لا يتجاوز 35 جنيهاً فى اليوم الواحد، تطبيقاً للمثل الشعبى الدارج: «لو فاتك الميرى.. إتمرغ فى ترابه»، أى أنه اختار العمل فى الحكومة بهذا الأجر الزهيد الذى لا يكاد يكفى نفقاته الشخصية؛ (تعشماً) فى الحصول على معاش وتأمين صحى».

وقال محمود: «نعيش لحظات من الرعب أثناء ترقب خروج زملائنا من البيارات، وخاصة أن مجراة الصرف يصل عمقها أحياناً إلى حوالى 25 قدماً تحت الأرض، وقطرها فى بعض المناطق حوالى 4 أمتار، ومع تكرار حوادث الغرق أصبحت أعرف سبب قلة وجود عمال صرف صحى وصلوا إلى سن المعاش، لأن مصيرهم بين التقاعد المبكر أو الموت». 

وأعرب «محمود» عن انزعاجه الشديد من النظرة السلبية لعمال الصرف الصحى والمعاملة السيئة التى يتلقونها من بعض المواطنين.

تتلخص آمال محمود فى الحصول على خدمة علاجية جيدة خاصةً أن الأمراض تحاصرهم طوال الوقت، مشيراً إلى «أنه مع المعاش المبكر لإنقاذ حياتى من المخاطر التى تواجهنى، وخاصة مع تكرار حوادث الغرق لزملائى فى محافظة الجيزة، خاصةً بعدما تعرض صديق لى لحادث ولم تتم معاملته على أنه شهيد ولم تحصل أسرته على تعويض يكفيهم شر السؤال؛ لذلك أخشى من مواجهة نفس المصير». 

أما «مصطفى أحمد» 27 عاماً، عامل فى شركة الصرف منذ عامين تقريباً يعمل باليومية، لم يحصل أى تدريب للسلامة المهنية طيلة فترة عمله، مشيراً إلى أن حصول العمال الأصغر سناً على التدريب غير مهم للمشرف، ويضيف أن الشركة تصرف معدات وملابس للعاملين وتدربهم على استخدامها لكنهم يفضلون استخدام الوسائل التقليدية.

ولا ينكر «مصطفى» حصوله على المال من الأهالى مقابل إصلاح بعض الأعطال، قائلاً: «أحياناً بلاغات الأعطال تكون داخل المنازل رغم أن عملنا يفرض علينا إصلاح الأعطال العمومية فى الشوارع فقط، ولا يوجد ما يمنع من الحصول على مبالغ بسيطة تعوض الأجر الهزيل الذى أحصل عليه، خاصة أننى أعمل فى أيام العطلات والأعياد ودون عملى لن يتمكن الناس من الوصول إلى منازلهم أو أصحاب المحال التجارية من العمل».

ويروى مصطفى أخطر حادث تعرض له فى عمله على مدار الأعوام الماضية، أثناء إصلاح إحدى البيارات بمنطقة برك الخيام بالجيزة، حيث كانت البئر ممتلئة بمياه الصرف لعمق كبير، وكانت البالوعة مسدودة بصورة سيئة، وأثناء محاولته إصلاحها، انقطع الحبل المربوط به وفقد جهاز التنفس، حتى سار داخل البالوعة لأكثر من 35 متراً، انتقل بعدها إلى بئر أخرى وفقد الوعى.

وأضاف «لولا ستر ربنا»، وقدرة أحد العاملين على إنقاذى، كان زمانى من الأموات».

وعن المناطق التى يعمل بها «مصطفى»، قال: «المناطق فى مصر مش مختلفة عن بعضها، بنطلّع ملابس داخلية وجزم وطوب من داخل البالوعات، سلة الزبالة اللى الناس بتستعملها بتكون موجودة فى المجارى، كل حاجة تتخيلها ممكن تلاقيها جوه المجارى».

وانتقد «مصطفى» سلوكيات المواطنين وإهمالهم الشديد، قائلاً: «المواطنون تعاملهم وحش للغاية، ولا يحافظون على نظافة البالوعات، علاوةً على إزالتهم أغطية البالوعات فى بعض الأحيان.

وأكد العميد عمرو الشيخ، رئيس قطاع الصرف الصحى فى محطة الصرف الصحى فى محافظة الجيزة: أن الغواصين الشباب لديهم قدرة على تجنب كوارث حقيقية قد تتسبب فيها عمليات سد المواسير الرئيسية للمجارى من خلال تراكم المواد الثقيلة داخل الآبار العميقة، والمساعدة على إصلاح أو تطهير المجارى العميقة، ودون ذلك قد تصبح الشوارع عائمة فى بحيرات من الصرف الصحى».

وأشار إلى أنهم يستعينون أحياناً بغواصين من خارج المحطة فى حالة تعرض غواص المحطة لحالة مرضية، كما أننا نسمح له بالعمل خارج المحطة، حيث يتهافت عليه المقاولون فى القطاع الخاص لحاجتهم إليه لوضع (طبب) للمواسير الكبيرة أو فكها»

 

مخاطر صحية تهدد حياتهم

عن المخاطر التى تواجه غوّاصى الصرف الصحى أثناء عملهم، قال مجدى صليب، مدير مركز الأمن الصناعى سابقًا: «إن العمال معرضون للعديد من المخاطر، أبرزها حالة الاختناق، إما بسبب ابتلاع المياه القذرة أو دخولها داخل جوف العامل، أو بالغازات خاصة أن البلاعات تحتوى على غازات سامة وهى أول أكسيد الكربون والميثان وكبريتيد الهيدروجين أول أكسيد الكبريت وتندفع هذه الغازات بقوة بمجرد فتح البلاعة، لذلك لا بد من التهوية عدة ساعات ثم قياس نسبة الغازات قبل نزول العامل».

وأضاف «صليب»: رغم أن القانون يوفر الحماية اللازمة للعاملين فى مجال الصرف الصحى، فالمادة 219 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 والمادة 77 من قانون التأمينات، تلزم شركات الصرف الصحى بتوفير التدريب والمعدات والملابس اللازمة للعمال، ولكن للأسف لا يتم الالتزام بتطبيق القانون».

وفى السياق ذاته، قال دكتور أحمد مصطفى هيبة، خبير السلامة المهنية: «غالبية الحوادث تتم بسبب غياب استخدام الأقنعة وأجهزة قياس الغازات، لذلك لا بد من توفير أقنعة واقية من الغازات الخطرة لعمال الصرف الصحى قبل النزول إلى البيارات أو العمل فى المحطات، وذلك للوقاية من استنشاق غازات أول أكسيد الكربون والميثان وكبريتيد الهيدروجين.

وشدد «هيبة» على ضرورة توفير وسائل الإنقاذ للعاملين من الأقنعة والملابس والقفازات، مشيرًا إلى وجود قصور فى توفير هذه الوسائل وتدريب العمال المستمر على استخدامها، علاوة على غياب المتابعة الصحية الدورية.

عن الإسعافات الأولية اللازمة لإنقاذ عمال الصرف الصحى فى حالة تعرضهم للاختناق أو الغرق، يوضح «هيبة» أن الإسعافات لا تختلف فى حالة الغرق أو الاختناق، لذلك لا بد أن نجلس فى مكان به هواء طلق ونبعد الناس من حوله ونسمح له بالتنفس، فك الحزام وربطات العنق ونضعه فى وضع النصف جالس ويتم ضم رجله نحوه حتى تأتى سيارة الإسعاف ويجب أن يتم الإسعاف من خلال شخص متخصص وإعطائه أكسجين من خلال أنبوبة أكسجين من خلال شخص متخصص يعرف كيفية استخدامها.

 

مصيرهم بين التقاعد المبكر أو الموت

رغم قيام مجموعة من عمال بشركة الصرف الصحى بالجيزة باستحداث قسم للغواص فى البالوعات، من أجل التقليل من المخاطر الصحية التى يتعرض لها العامل أثناء تسليكه البيارة، ولكن لا يزال مئات العمال التقليديين بلا وسائل أو أدوات تحميهم من الأمراض الناجمة عن تعرضهم المباشر للقاذورات والغازات السامة.

سلطت «الوفد» الضوء على حياة واحد من العاملين فى الصرف الصحى، وعاشت معه معاناته.

عم «محمد إبراهيم» 45 عاماً، عامل بالأجرة، وأب لثلاثة أبناء، يعيش فى منزل بسيط مكون من غرفتين بمنطقة برك الخيام بمحافظة الجيزة، مهنته تسليك البالوعات تعلمها من أجداده، وأصبح يحترفها ولا يجيد غيرها.

يستيقظ «إبراهيم» فى الـ 7 صباحاً وينتظر حتى غروب الشمس أن يطلب منه أحد تسليك «غرفة الطفتيش» بحسب ما يطلق عليها سكان قرية برك الخيام، ثم يسرع بحمل أدواته المكونة من فأس يستخدمه لحفر طبقات الأتربة الموجودة فوق «البالوعة»، وسيخ حديدى يستخدم لتسليك البيارة، بعدها يلف جسده بجنزير وحبال، وبالأعلى يمسك زميلان له بأطرافها، وبواسطة يديه يبدأ العامل فى تجميع الرواسب، وغالباً ما تكون عبارة عن حجارة صغيرة زلط وجذور الأشجار وبعض المتعلقات التى تنزلق عن طريق الخطأ إلى البالوعات الفرعية.. يجمعها فى جردل صغير، وبعد امتلائه يسحبه لتفريغه، وهكذا إلى أن يتم تنظيف البير، يخرج بعدها العامل بملابس مبتلة ملوثة ليواصل تنظيف بير جديد.

يقول «إبراهيم»: «إنه يعانى بسبب طبيعة مهنته، ولكن ليس لديه حيلة إلا الصبر من أجل أولاده، مشيراً إلى أن يوميته تقدر بحوالى 30 جنيهاً، يستطيع بالكاد أن يوفر بها قوت أولاده.