رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الوفد» تقتحم مملكة «الناضورجية»

«الوفد» تقتحم مملكة
«الوفد» تقتحم مملكة «الناضورجية»

الناضورجى.. شخصية مهمة جداً فى عالم المخدرات.. يتمتع بقدرات خارقة ويخضع لاختبارات قاسية، ويشرف على تدريبه كبار تجار الممنوع.. ورغم كونه مجهول الشخصية بالنسبة لكثير من العاملين فى المجال.. إلا أنه صمام الأمان لأباطرة الصنف، وحياتهم مرهونة بكلمة واحدة تخرج من فمه.

وشراء الناضورجى يعنى ببساطة نهاية إمبراطورية تاجر مخدرات ربما أرهق رجال المباحث سنوات دون القبض عليه، باختصار يستطيع تاجر المخدرات أن يصنع أكثر من «ناضورجى»، ولكن يستطيع ناضورجى واحد أن يطيح بعشرات من التجار إذا باح بأسرارهم.

ويتميز «الناضورجى» بعدة مواصفات أهمها الأمانة، سرعة البديهة، الذكاء، إنها مواصفات خاصة لابد من توفرها فى «الناضورجى»، الذى لا يعلم الكثير منا عن طبيعة عمله وكيفية تأديتها شيئاً، كما يتلقى تدريبات خاصة من كبار التجار على كيفية الكشف عن رجال المباحث، وتمثل إجادته لطبيعة عمله 90% من نجاح صفقات المواد المخدرة، ليكون العين الساهرة لحراسة وتأمين عالم الإجرام.

يلجأ «الناضورجية» لأساليب متطورة بين الحين والآخر فى عملهم ويتم تغيير أماكن خدمتهم داخل مملكتهم من حين لآخر أمام الأزقة والشوارع، مستخدمين حيلاً مبتكرة لمراوغة حملات رجال المباحث، متنكرين فى صورة بائعين أو أى نشاط آخر أمام الشارع المراد تأمينه لإبعاد الشبهات عنهم، فضلاً عن كونهم من أهل المنطقة ما يسهل عليهم الكثير فى ممارسة عملهم اليومى.

وبالرغم من ارتفاع قيمة أجرهم اليومى من 100 جنيه لـ1000 جنيه، إلا أنه فى نهاية اليوم لا يجدون قوت يومهم، لأنهم ينفقون ما يحصلون عليه لشراء المواد المخدرة من التجار التابعين لهم، ليكونوا على مدار حياتهم عبيداً لهم ولا يستطيعون الابتعاد عنهم.

«الوفد» اقتحمت مملكة «الناضورجية»، وكشفت ملامح عالمهم الخاص، ورصدت روايات أشهرهم فى أكبر مناطق تجارة المخدرات فى القاهرة، حيث كشفوا فيها عن المراحل الحياتية لهم منذ أن كانوا متعاطين حتى باتوا «ناضورجية» لأكبر تجار المخدرات.

البداية كانت مع وجه بائس، تركت سنوات عمره السبعين أثرها على بشرته المليئة بالتجاعيد، عيون بين الحين والآخر تدمع على سنوات طوال ضاعت فى طريق الإدمان، ورغم نحافة جسده، إلا أنه يتمتع بصحة جيدة.

منصور ياسين محمد سعيد، الملقب بأشهر «ناضورجى» فى المحروسة، من أب مصرى، وأم أردنية، جاء إلى القاهرة عام 1964، وبدأت أسرته ممارسة حرفتهم المعروفة فى محل تفصيل فى حى الجمالية، بجوار الباطنية، حتى وقع فريسة فى دوامة الإدمان عن طريق أصدقاء السوء.

تمادى «منصور» فى تعاطى المواد المخدرة، وعندما علم والده بذلك طرده من المنزل خوفاً على مستقبل باقى أشقائه الـ7، وبعد أن وجد نفسه فى طى الضياع لجأ إلى أحضان تجار المخدرات ليحتمى بهم من ضنك الحياة والشعور بالجوع بعدما أصبح دون عائل مادى.

«ناضورجى».. هكذا كانت أولى وظائف عم «منصور» مع تجار المخدرات، خاصة بعدما علموا أنه على قدر كافٍ من معرفة عدد كبير من ضابط المباحث، وقال: «قالوا لى تعالى اشتغل معانا ناضورجى، وإحنا نحميك ونضمن لك المستقبل، وفعلاً روحت لهم علشان أعرف أصرف على نفسى وتركت المدرسة وكنت أيامها لسه مخلص المرحلة الابتدائية».

«أمين، لماح، سريع البديهة، ذكى».. هكذا أبرز صفات «الناضورجى»، بحسب ما قاله «منصور» خلال اللقاء، مشيراً إلى أن مستقبل تاجر المخدرات فى يد «الناضورجى»، ولهذا لابد أن يكون أميناً على حياته، واختيار الناضورجى لابد أن يكون من أهل المنطقة وليس من الخارج.

«يااااااااه ده أنا قعدت مع كل فئات المجتمع من فنانين وضباط ورجال أعمال».. يتذكر صاحب الـ70 عاماً ذكريات شبابه مع تجارة المخدرات فى الباطنية، مؤكداً أن عدداً كبيراً من نجوم المجتمع مدمنو مخدرات، وكان من أبرزهم: سعيد صالح، حاتم ذو الفقار، محمد عباس، جمال عبدالعظيم، فاروق الفيشاوى، مجدى وهبة.

ويشير «الناضورجى» إلى أن اللواء أحمد رشدى الملقب بـ«قاهر المخدرات» قضى على أسطورة الباطنية، وكانت جملته الشهيرة بداية توليه وزارة الداخلية: «لو لقيت مخدرات آخر العام فى مصر يبقى أنا اللى مدخلها»، وأدخلت الخوف فى قلوب تجار المخدرات، وبالفعل مع نهاية العام كان قد قضى اللواء «رشدى» على أسطورة الباطنية.

وبعد إحكام اللواء أحمد رشدى سيطرته والقضاء على أسطورة الباطنية، توجه «منصور» إلى مثلث الرعب فى محافظة القليوبية ليستعيد نشاطه من جديد مع دولة أخرى لتجارة المخدرات، وبعد سنوات توجه إلى «الجيارة».

وأشار إلى قسوة قلوب تجار المخدرات قائلاً: «التجار دول كانوا بيتاجروا بشرف زوجاتهم، هيخافوا إزاى على صحة شباب ولادنا».. موضحاً أن تجار المخدرات كانوا يرهنون زوجاتهم مقابل شحنات كبيرة.

القراءة والكتابة.. من ضمن هوايات عم «منصور»، قائلاً: «من زمان بحب أقرأ الجرائد، والكتب، وأيام طفولتى كنت بحب أقرأ صفحة الحوادث، ويمكن ده اللى أفادنى فى نشاطى كـ«ناضورجى» ومن خلالها عرفت أسماء تجار المخدرات الكبار، والأماكن وغيرها من التفاصيل الخاصة بتجارة البودرة»، مضيفاً: «كان حلم عمرى أكون صحفى وأكتب عن الناس الغلابة اللى مش لاقيين ياكلو».

وفى نهاية حديثه، صمت صاحب الـ70 عاماً للحظات قليلة وعاد دامعاً: «أنا ما فوقتش من غيبوبة المخدرات إلا لما كبرت فى العمر، ولقيت نفسى فى الشارع لا زوجة تخاف عليا ولا ابن يشيل اسمى، وخايف فعلاً أموت وحيد».

ولفت إلى أشهر الأماكن التى يلعب فيه «الناضورجى» دوراً كبيراً فى حماية تجار المخدرات «عزبة أبوقرن» فى مصر القديمة، و«عزبة جرجس» فى

شبرا مصر، حيث يعتمد تجار المخدرات على عدد من الشباب المتعاطين من أهل المنطقة ليكونوا أعينهم أمام أزقة الشوارع لرصد التحركات غير المألوفة ويبلغون بها تجارهم.

«ج. د» أحد ناضورجية منطقة عزبة أبوقرن- رفض الإفصاح عن اسمه- موضحاً أن أسلوب تعامل «الناضورجى» اختلف عبر العصور، فقديماً كان التعامل عبر الصافرات والإشارات بالأعلام، فحين يرى «الناضورجى» أمام المنطقة أحد المخبرين أو أفراد الشرطة يطلق صافرته، أو يرفع علماً يدل على إشارة حضورهم، ليلتقطها أفراد على أسطح منازل داخل الحارة، ويرسلونها لتجار المخدرات من أسفلهم داخل الشارع ليختبئوا.

وتابع: مع ظهور الموبايلات بات عمل الناضورجى سهلاً جداً وعدد المخاطر التى يتعرض لها قليل جداً، فبدلاً من إطلاق صافرات أو رفع أعلام لغيره من أفراد تجار المخدرات فى الداخل، يقوم بالاتصال عليهم هاتفياً أو يقوم بإرسال رسالة خاصة مكونة من عدة حروف لا يعلمها سواهم، وهذه الرسالة مكونة من أكواد مختلفة لكل منها معنى مختلف سواء إذا كان بقدوم فرد غريب عن المكان، أو مخبر، أو ضابط، أو حملة كبيرة».

«الموبايل سهل علينا حاجات كتير».. يشير «ح. ج» أحد «ناضورجية» منطقة عزبة جرجس بشبرا مصر، إلى أنه مع ظهور الهاتف المحمول باتت مهمة «الناضورجى» سهلة، ومدى تعرضه للمخاطر أقل كثيرًا من الأعوام الماضية.

وقال إن عدداً كبيراً من المناطق المعروفة بتجارة المخدرات غيرت كثيراً من أساليب عملهم عبر السنوات الماضية، فضلاً عن اختيارهم «الناضورجى»، الذى يجب أن يكون شاباً معتاداً على وجوه ضباط المباحث حتى لا يكون محل شك لهم أثناء وجوده أمام الشوارع لرصد تحركاتهم.

وتابع: «الناضورجى لو اتقبض عليه، التاجر التابع له يصرف على أسرته من الألف للياء، من أموال ومصاريف المنزل وخلافه، فبرغم أنهم تجار مخدرات، إلا أنهم فعلاً فى الجوانب الاجتماعية لديهم شعور إنسانى كبير تجاه التابعين لهم.

يشير صاحب الثلاثين عاماً إلى أن عالم تجار المخدرات أشبه بالدولة، يتم فيها بين الفترة والأخرى ما يشبه بالتعديل الوزارى من خلال تبديل «الناضورجية» سواء فى المناطق أو تغييرهم بشكل جذري، وذلك من منطلق الدواعى الأمنية لهم، وحتى لا تكون وجوههم معروفة لدى ضباط المباحث.

واستطرد: «الناضورجى استحالة يستغنوا عنه مهما طال الزمن، ولكن أسلوب تعامله هو الذى يختلف».. وعن قيمة أجرة الناضورجى فى اليوم، قال: «الناضورجى زمان كانت أجرته 100 جنيه فى اليوم، بس الصبح تاجر المخدرات بيديه الاصطباحة، ودى ببلاش علشان يبدأ يومه، وفى آخر النهار بيديه الـ 100 جنيه، وطبعاً ساعتها بيكون الناضورجى محتاج للمخدرات وبيدفعهم تانى للتاجر علشان يشترى بيهم، ومنها بيكون عبد ليه ما يقدرش يستغنى عنهم».

وأردف: «أجرة الناضورجى دلوقتى أغلى مع غلاء أسعار المخدرات، ففى اليوم بيتحصل على 1000 جنيه، ودى أسعار موحدة على كل المناطق المعروفة بتجارة المخدرات سواء فى الباطنية أو مثلث الرعب، أو الجيارة، وبرغم ارتفاع قيمة أجرته، إلا أنه يتعاطى بما يملك مخدرات من التاجر التابع له.

يصمت «ناضورجى» عزبة جرجس، ويلتفت يميناً ويساراً خشية من أن يكون هناك من يقوم بمراقبته، وعاود حديثه بصوت منخفض، وقال: «يا بيه المعلومات اللى بديهالك دى زى الأسرار العسكرية بالظبط مش أى حد يعرفها ولا أى حد يقدر يوصلها، فإحنا كـ«ناضورجية» كل فترة بناخد تدريب على يد تاجر المخدرات، إزاى إحنا نراقب الشارع كويس ونكشف ألاعيب بتوع المباحث، وده طبعاً علشان بتوع الداخلية كل شوية بيحدثوا أساليب تعاملهم مع تجار المخدرات وإحنا برضو بنحدث أساليب تعاملنا معاهم».