رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«مستشفى إمبابة».. قلعة الإهمال والمحسوبية

بوابة الوفد الإلكترونية

30 عامًا هى مدة حكم الرئيس السابق حسنى مبارك، ظل خلالها المصريون يعانون من قهر الفساد، الذى بات كالوباء متفشيًا في عدد كبير من مؤسسات الدولة، وهو ما دفعهم للقيام بثورتين كان هدفهما تحقيق العدالة الاجتماعية، وتقديم خدمة وحياة أفضل للمواطنين، خصوصًا محدودى الدخل، وراود الملايين حلم العيش فى مستقبل أفضل، ولكن سرعان ما تبدلت الأمور لكوابيس مزمنة، فمازال الإهمال يسيطر على المؤسسات الحكومية، خصوصًا المستشفيات.

وفى جولة ميدانية لـ«الوفد» على مستشفى إمبابة العام، بمحافظة الجيزة، للوقوف على أوضاع المرضى ومستوى الخدمة والمعاملة المقدمة لهم، رصدت «الوفد» العديد من المهازل.

«بدلة يا بيه، تى شيرت يا هانم، أى حاجة بـ5 جنيه»، هكذا كانت أصوات بعض الباعة الجائلين أمام بوابة المستشفى الرئيسية، وعلى بعد أمتار قليلة من شباك صرف الأدوية، يتراصون بشكل عشوائى وحولهم العشرات من المارة، فضلاً عن الأصوات العالية التى أثارت غضب المرضى الذين يطول انتظارهم لصرف العلاج.

هذه المشاهد لم تكن بعيدة عن أعين أفراد الأمن بل كانوا يقفون بجوار الباعة وبمثابة الحارس الأمين لهم من غضب المرضى عليهم، دخل محرر «الوفد» المستشفى ليطلب توقيع الكشف الطبى عليه، وبعد دخوله بوابة المستشفى وجد عالماً آخر من المرضى المهمشين، والذين تعالت أصواتهم بالصراخ من المعاناة اليومية التى يواجهونها.

عشرات المرضى افترشوا الأرض وغيرهم يتبادلون الوقوف أمام عيادات الأطباء، وبجوارهم الأتربة والقمامة الملقاة على جانبى المدخل، وغيرها من صور الإهمال الذى يكمن فى الروائح الكريهة التى تنبعث بسبب عدم نظافة المكان منذ فترة طويلة.

وانزوت سيدة خمسينية فى أحد أركان مدخل الاستقبال الخاص بالمستشفى، واضعة رأسها بين يديها، وعيناها تملأهما الحيرة واليأس، بين الحين والآخر تترقب خروج المرضى من عيادة الكشف الخاص بطبيب الباطنة.

فرحة عارمة انتابت العجوز فور النداء عليها للدخول إلى الطبيب، وهرعت مسرعة للحاق به، دقائق معدودة وخرجت العجوز مرة أخرى وعلى وجهها علامات الغضب، وبسؤالها عن استيائها قالت: حسبنا الله ونعم الوكيل يعنى الواحد لازم يكون معاه فلوس علشان يكشف بره، والبيه الدكتور بقوله عيانة وعندى سخونة مكلفش نفسه يرفع عليا سماعة علشان يعرف السبب، وكتب لى علاج وحتى مقاليش العلاج ده أخده كام مرة، وقال اللي بعدها».

وأضافت: الناس هنا مش بيرحموا حد وفاكرين المرضى دول بيئة المجتمع، والحكومة مش راضية تتحرك وتشوف المهازل دى، إحنا خلاص هنموت وفاضل لينا أيام والمشكلة فى العيال اللى لسة قدامهم الحياة طويلة، هنا الدكاترة مش بيراعوا ضميرهم في عملهم، ولا المرضى بيلاقوا الكشف المحترم ليهم واللى من خلاله يعرفوا سبب مرضهم.

بخطى بطيئة بدأت العجوز السير للخروج من صالة انتظار المرضى للعيادات قاصدة شباك صرف التذاكر، لترى حشوداً من المرضى يتراصون بشكل عشوائى، وكانت الفوضى هى السمة الغالبة عليهم بين الحين والآخر تنشب صراعات بين المرضى تارة على أولوية الدخول للشباك وبين المرضى أنفسهم، والعامل الخاص بالمستشفى المختص بتنظيم الصفوف وبين المريض والباعة لخفض أصواتهم العالية والتى باتت مصدر إزعاج شديد لهم.

سالت دموع العجوز، وبحزن شديد قالت: أنا عايشة لوحدى وعيالى متجوزين بره، ولو مت مش هلاقى اللى ينجدنى وعلشان أكشف مش بالاقى رعاية، ولو كشفت مش بعرف أجيب علاجى علشان الضرب والخناقات اللى بتحصل.

بادر أحد الشباب بمعاونتها فى صرف علاجها من الشباك، لكن ما لبث أن وقعت مشادة بينه وبين أحد المنتظرين فى صفوف شباك صرف العلاج على أولوية الدخول، كما نشبت مشادة أخرى بين أحد المنتظرين لصرف العلاج، وبين عامل المستشفى الذى يقوم بتنظيم الصفوف لتصل الاشتباكات بالأيدى والألفاظ النابية.

وتابع محرر «الوفد» جولته الميدانية داخل المستشفى لاستكمال يومه، ليجد عشرات آخرين ينتظرون دخول دورة المياه فى ظل الروائح الكريهة، مما كان سبباً فى تعرض عدد من المرضى للقىء الشديد، فالبعض تحمل الروائح لحين قضاء حاجته فى حين نفر آخرون مسرعين للخارج للهرب من هذه الروائح والتى تشير لعدم تنظيف المكان لعدة أسابيع طوال.

ومن داخل دورة المياه تجد صوراً للإهمال يتجسد فى تصدع الجدران، وتعطل الصنابير، ويخرج المرضى من الحمام مسرعين واضعين أيديهم على أنوفهم لمقاومة الروائح الكريهة وحتى لا يتعرضوا  للقىء الشديد.

وعادت مرة أخرى أصوات المرضى أمام شباك صرف الأدوية مرة أخرى، إذا كانت مشاحنات بين المرضى، وبين العاملين بالمستشفى لعدم توافر عدد كبير من الأدوية، منها الخاص بأمراض الباطنة والأعصاب والعظام.

«مش عارف إيه فايدة إننا نيجى نكشف هنا.. ده لا فيه علاج ولا ضمير فى الكشف».. حالة

من الغضب الشديد انتابت فايز عبدالعال، أحد المرضى أمام شباك صرف تذاكر العلاج، مشيراً إلى أنه من أبناء منطقة إمبابة، وظل خلال السنوات الأربع الماضية يتردد على العيادات للكشف بأسعار رمزية بخلاف العيادات الخارجية، ولكن دون جدوى.

وأضاف: يا بيه الدولة باظت، وخلاص ربنا يعوض على الناس الغلابة اللى مش لاقية تاكل، يعنى إحنا بنجيب أكل عيشنا بالعافية، ويا دوب ملاحقين نأكل عيالنا، نروح إزاى عيادات خاصة علشان نكشف، والحكومة مش راضية تراعينا وتدينا العلاج اللى مش موجود أصلاً، وكلما نتحدث إلى الموظفين يقولون لك اشترى من برة مفيش علاج، وكان آخرها دواء السخونة الأسبوع اللى فات مكنتش لاقيه هنا.

هذا الأمر ليس حال فايز فقط، بل مثله العشرات من المرضى، والذين عجزوا عن التنفيس والتعبير عن غضبهم بسبب المرض الشديد الذى أصابهم، فيما خرج جلال عصمت، أحد المرضى عن صمته، وقال: دى حكومة فاشلة وعاوزة تموت المواطنين، يعنى إيه أنا أجى أكتر من 10 مرات هنا وأنا سنى 50 سنة ومش بالاقى الدكتور، وإما لقيته معدوم الضمير والكشف ماعداش وقته أكتر من دقيقة، وكتب ليا روشتة، ولما جيت أصرفها برة، الموظف قالى نصف العلاج غير موجود».

وأضاف: النظام هنا بالأقوى والكوسة سواء فى الدخول للعيادات، أو فى صرف العلاج من الشباك، ويا بخت اللى عارف موظف هنا يبقى ربنا كرمه، الدكتور يهتم بيه فى الكشف وكمان العلاج بيتصرف له بسرعة بره، وطبعاً البيه المريض رجل على رجل وغيره مش قادرين يقفوا ويعانوا من الإهمال.

ويقول سمير عبدالعال أحد المرضى: «هو فين وزير الصحة.. نفسى أشوفه علشان أقوله على كل اللى بيحصل هنا من مهازل يومية للمرضى.. الفوضى والغوغائية هى إحدى سمات العمل داخل المستشفى، والاهتمام بالمرضى بات بالواسطة والمحسوبية.

وأضاف: كل المشاكل علشان أسبقية الدخول للعيادات.. والواسطة بتدخل الأقارب والاتباع والغلبان ينتظر عشرات الساعات الطوال، مع العلم بأنه غير قادر على السير لمرضه الشديد.. وإحنا سلمنا أمرنا لله عز وجل هو المنتقم الجبار من كل ظالم.

وقال: يا بيه العلاج معدوم فى المستشفى وأغلبه بنشتريه من برة، ومحدش قادر يقول آه علشان عارفين مفيش فايدة، الحل الوحيد ثورة للمرضى يعبرون فيها عن مدى استيائهم الشديد للأوضاع الداخلية للمستشفيات الحكومية، واللى بقت زى المنفى».

أحد العاملين فى شباك صرف التذاكر، رفض ذكر اسمه، خوفاً من المساءلة القانونية، من قبل إدارة المستشفى واكتفى بالرمز لاسمه بـ«ع. ك» وقال: «فعلاً العلاج أغلبه مش موجود والمرضى دول أهالينا استحالة نيجى على حد فيهم أو بنشيل العلاج منهم، وبحذر شديد يلتفت الموظف بعينيه يميناً ويساراً للتأكد من عدم مراقبة أحد الموظفين له أثناء حديثه وتابع قوله بصوت منخفض: والله فيه أيام أنا وفى الشغل بابكى على الناس العيانة ومش لاقية علاج وغيرهم واللى أصلاً مش قادرين يصرفوا العلاج إن وجد علشان الطوابير، وإحنا كموظفين مفيش في إيدينا غير العمل وخلاص علشان نعرف ناكل عيش».