رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

جشع التجار.. يدفع ثمنه الفقراء

فقراء
فقراء

«ايه اللى حصل فى الدنيا. وايه الجشع ده. ما فيش رحمة. هنموت من الجوع».. كلمات قالتها أم مصطفى كأنما تشتكى حالها إلى الله بعد أن اتخذت من أحد أرصفة السوق مقعداً تلقى عليه جسدها المتهالك بعد عذاب ساعتين من اللف والدوران أمام الباعة الذين عرضوا بضائعهم بأسعار «تجنن» على حد وصفها.

فى الوقت الذى كادت دموع عم موسى تغرق وجهه، وهو يراجع مصروف الشهر، ويحسب ما بقى من راتبه الذى لا يتجاوز الـ700 جنيه، كان أبناؤه ينتظرون فى البيت لسداد مصروفات المدرسة وإلا حرموا من دخولها.

أما الحاج يوسف فهو شاب على المعاش!! صحيح تجاوز الستين لكن مازال فى رقبته أربعة أبناء أكبرهم لم يحصل على شهادة الدبلوم بعد، فيما انهار دخله إلى أقل من النصف!

والست «فاطمة» تجاوزت آلام قلبها الذى يحتاج الى جراحة تعينه على الصمود بعد أن تجاوزته آلام جوع صغارها فخرجت تبحث عن رزقها، ولكن الغلاء كان عليها أشرس من المرض.

أما حكاية الأسطى فتحى فهى الأكثر بؤساً بعد أن أجبره «الحمل الثقيل» على «مد الأيد» لينضم الى صفوف المتسولين الجدد..

حكايات وحكايات من دفتر أوجاع المصريين فى زمن الغلاء الفاحش والجشع المسعور وضياع المسئولية عن وصول الحال إلى ما آلت اليه أحوال الفقراء بعد أن زادت أعدادهم وازدادوا فقراً ومرضاً وجوعاً.

هم دائماً الضحايا وهم دائماً ما يدفعون الثمن. هم من يسددون فاتورة الفساد والاحتكار ودعاوى الاصلاح الاقتصادى. على فقراء مصر أن يظلوا دائما «الحيطة المايلة» التى تقع عليها كل مصائب الحكومات المتعاقبة على اختلاف الانظمة وتوالى الثورات «بتواريخ مختلفة».

وبعيدا عن الاحصاءات والأرقام الرسمية وغير الرسمية التى تؤكد ارتفاع أعداد من يصرخون تحت خط الفقر وانضمام فقراء جدد الى الفقراء التقليديين الذين علمناهم فى العشوائيات والقبور فإن حكايات اصحاب القضية وتفاصيل معاناتهم الحياتية فى تدبير احتياجاتهم الأساسية يومياً تظل دائماً هى بطل القضية المزمنة فى قلب هذا الوطن والتى توحشت فى الشهور القليلة الماضية مع تنامى «سعار الأسعار» وقد تلخص قصة بسيطة فى مضمونها عميقة فى أثرها مثل قصة «أم مصطفى» كل أبعاد هذا الملف، فهى أم مصرية مثل ملايين الأمهات نزلت إلى سوق الخضار بإمبابة حيث تسكن فى أرض الجمعية هى وأبناؤها وزوجها البائع المتجول «يعنى على الله» كما تقول أعطاها الزوج الشقيان مائة جنيه حصيلة ما جناه فى يومين كاملين من اللف فى الشوارع وبمجرد أن دخلت السوق صدمتها الأسعار فكيلو الفراخ البيضاء بـ18 جنيهاً والبلدى 32 فقررت أن تشترى هياكل الفراخ لتصنع مرقة تطبخ بها خضراوات لكن كل الأصناف بـ7 جنيهات على الأقل وكيلو البصل بـ6جنيهات أما الزيت فـ12 جنيهاً من النوع الرديء والأرز السايب المكسر بـ9 جنيهات، قالت فاطمة الـ100 جنيه ما يجيبوش حق طبخة والبيت مافيهوش «حباية سكر»  بيقولوا وصل 12 جنيه، وإن فيه ناس كبار مخبية السكر علشان ترفع سعره ربنا ينتقم منهم مرَّروا عيشتنا والحياة بقت مُرة.

على باب الوداع

أكثر حكايات الفقر ألماً تسمعها فى جوف العشوائيات المختبئة رغماً عن أصحابها هؤلاء غير مرئيين ولا يسمع شكواهم أحد، ذهبنا ننصت الى أوجاعهم عسى أن تصل للمسئولين. فى قلب منطقة القلعة تسمى باب الوداع. يكتمون صرخات ينضح بها حالهم فتفضحه وجوه النساء الكسيرات والأطفال المذبوحين على أعتاب الفقر.. جلست حميدة متكومة فى ركن من عشة صنعها زوجها من حجارة وطين فى مسكن غير آدمى تحتضن طفلها على باب دورة مياه هى فى واقع الأمر حفرة فى جوف الأرض عليها ستارة من قطعة قماش باليه، قالت الأم التى ما زالت فى العقد الثالث من عمرها «احنا منسيين وما حدش يعرف عننا حاجة عايشين فى بيوت ما تنفعش للحيوانات وراضين وعيالنا هيموتوا من الجوع والمرض وما حدش بيساعدنا».

 ثم بكت وأردفت قائلة: «مش مهم اسمى هتعملوا ايه بالاسم؟ انا واحدة عايشة بالعافية وجوزى كان «ميكانيكى» وسوقه واقف بعد ما انكسرت يده ودخنا على معاش مافيش لأن أصلاً ما كانش متأمن عليه ومعايا 3 عيال فى ابتدائى و«عيلة» بترضع هتموت علشان مش عارفة أرضعها وكيلو اللبن بـ9 جنيهات نظرت إليها جارتها فى حجرة مصنوعة بجوارها بلا تنظيم قالت اسمى انتصار.. وأنا أعمل ايه. أنا غضبانة من جوزى عند أمى وجوزى مش سائل فينا. كان بيبيع شوية هدوم على عربية وكل شوية البلدية تاخدها ومابقاش قادر يصرف علينا وقاللى «طلعى» العيال من المدرسة مش قادرين ندفع لهم المصاريف والعيل اللى ما بياخدش درس الأبلة تضطهدوا لغاية ما يطفش قلت اسيبه واقعد عند أمى اشتغل وأربى العيال لكن جاتلى جلطة من الزعل وقلة الحيلة حتى العلاج مش لاقيينه المستشفيات زحمة والدواء غال الدكتور كتب لى علاج ما قدرتش أجيبه ومن شهرين أغمى عليا والجيران نقلونى المستشفى وعرفت بعدها أنهم داخوا بيا علشان عايزة رعاية مركزة وما فيش فى أى مستشفى سرير فاضى لغاية واحد ابن حلال صعبت عليه أخذنى مستشفى خاص قعدت اسبوع ودفعلى هو وأمه ست طيبة حساب المستشفى لو ما كانش كده كنت مت والعيال «تيمت».

أما مريم فتعيش فى حجرة بعفشة ميه بعد أن عجز زوجها عن دفع ايجار شقة فى عزبة خير الله قالت الكهربا جاتلنا آخر شهر 500 جنيه والايجار اتكوم علينا كذا شهر لما وصل 2000 جنيه صاحب البيت طردنا والعيشة غالية واللقمة بنجيبها بالعافية وبطاقتنا ضاعت وبتاع التموين قال هاتوا 200 جنيه واعملها ما عرفناش وبنشترى العيش بربع جنيه يعنى ولا بخمسة جنيه يكفونا وبتاع الفول لا يرضى يدينا بجنيه بنشترى بتلاته جنيه ونحط عليه نص كيلو قوطة ونص بصل علشان نشبع ومن غير زيت، ما نقدرش على تمنه. وكل ده مش مهم نفسى أعيش فى بيت مقفول عليا انا والعيال. نفسى أعيش عيشة نضيفة ونخرج من الفقر ده انا والعيال.

الحاجة ملكة لا يعنيها أن يصل كيلو السكر الى 12 جنيهاً أو أن يختفى نهائيا من السوق لأن بصراحة عندها السكر بزيادة وتحقن نفسها يوميا بالانسولين لخفض نسبته فى الدم. لكنها ورغم ذلك «شايله هم العيال وأولادهم لأن الحياة صعبة وغالية وما حدش لاقى شغل. وتقول العجوز التى تجاوزت السابعة والسبعين من عمرها: عمرنا ما شفنا غلا بالشكل ده العيال ما بتدوقش اللحمة الا فى العيد واللى بيتعلم واهله بيستلفوا علشان المصاريف والدروس بيخرج يقعد على الرصيف. يعنى التعليم ما عدش بيجيب لا وظيفة ولا فلوس.

عندما تحدث عم يوسف عن معاناته لم أصدق أنه موظف على المعاش فهو مازال شاباً لكن تكسو ملامحه الهموم وهو ليس من ضحايا المعاش المبكر فقد

كان موظفاً بسيطاً فى وزارة التربية والتعليم ولضيق الحال تزوج متأخراً بعد الأربعين حتى استطاع أن يكون أسرة وأنجب متأخراً أربعة أبناء والنتيجة انه خرج من الخدمة وابنه الاكبر لم يحصل على الدبلوم الصناعى بعد وباقى ابنائه فى المرحلة الابتدائية والاعدادية وبعد انتهاء خدمته لا يتجاوز معاشه 850 جنيهاً، قال: لم ادخر شيئا للزمن وراتبى كان يكفينى بالكاد مع السلفيات والجمعيات.. بحثت عن عمل وتعلمت «السواقة» لأعمل على سيارة نصف نقل ولكن دون جدوى وما زال ابنائى فى حاجة الى عمر تانى كى يتربوا وأنفق على تعليمهم لكن فى ظل غلاء المعيشة وارتفاع أسعار كل شيء أصبح مجرد إطعامهم مشكلة لا أعرف كيف اتغلب عليها.

أم عادل، شايلة الهم وأصبحت همومها تلالاً تعجز عن حملها فقد رضيت بالعيشة فى عشش عين الصيرة بمصر القديمة هى وزوجها عامل دوكو ويئست من المطالبة بسكن آدمى يسترها ويستر اولادها لكن اكثر شكواها الان من الغلاء وارتفاع أسعار الطعام والزيت والسكر والأرز تقول فى يأس شديد: جوزى عنده إنيميا من قلة الأكل وبيوفر للعيال وما بقاش قادر على  الشغل كان صنايعى دوكو وصدره تعبه عندى بنتين فى سن الجواز مش عارفه أجهزهم كل حاجة غالية نار وكل اما أسال الملايات أو الحلل والأطباق الاقيها غليت اسال ليه يقولوا الدولار فى الطالع والجنيه فى الأرض، طيب أنا بشترى مستورد؟ أنا عاوزة حاجة صناعة بلدنا...

البنات تعبت من العيشة والحمام مشترك على خمس عائلات يعنى 30 نفر حاجة توجع القلب وسمعنا كتير عن شقق الغلابة والمقدمات 9 آلاف جنيه؟؟ نجيبها منين؟؟ أنا لو معايا المبلغ ده مش هعيش هنا.

الحياة «خنقة»

 بهذه الجملة بدأ موسى السيد كلامه عن همومه التى أبكته بمجرد أن تذكر أبناءه الذين ينتظرونه فى البيت لدفع مصروفات الكتب وشراء الكتب الخارجية لزوم الدروس الخصوصية التى فرضها نظام تعليمى فاشل وفشل معه كل وزراء التعليم مع توالى الحكومات وتغيير الانظمة فى التصدى لها.. موسى راتبه كعامل نظافة منذ أكثر من 15 عاماً لا يتجاوز 900 جنيه بالحوافز والبدلات اشترى دواء لابنه المريض بـ100 جنيه واشترى كيلو لحم بلدى كعادته كل شهر بـ85 جنيهاً حيث لا يتذوق هو وأولاده سوى لحمة الجزار، وبقى من المرتب حوالى 700 جنيه من المفترض أن يدفع منها ايجار الشقة 450 جنيهاً وكهرباء وانبوبة البوتاجاز ومصروفات الدراسة للاربعة أولاد ويعمل حساب 200 جنيه لكل منهم على الأقل دروس خصوصية وهنا علمنا لماذا بكى الرجل المسكين؟؟

رحلة فقير فى سوبر ماركت كبير

الناس دى بتجيب الفلوس منين؟؟؟!!

كمال عبدالرحيم موظف بإحدى الوزارات الخدمية اتصلت به زوجته على الموبايل تخبره أن المنطقة كلها فى احد أحياء مدينة 6 أكتوبر مافيهاش كيس سكر وانها اجرت اتصالات بكل معارفها فى شبرا والجيزة وامبابة والدقى جميعهم اخبروها «ان مافيش سكر. لكنها سمعت أحد سلاسل المحلات التجارية الكبرى فى الشيخ زايد يبيع كيلو السكر بـ12 جنيهاً، وأمرته ألا يعود الى البيت الا ومعه ما استطاع حمله من السكر - إن شاء الله - يكون بعشرين جنيه..

ادخل المواطن المسكين كارت راتبه فى أول ماكينة سحب نقدى ليحصل على 100 جنيه كان قد تركها لـ«وقت زنقة». وهرع كالمجنون الى السوبر ماركت الضخم.. وهناك فوجئ ان المكان ليس به موضع لقدم وان الزحام شديد ليس على السكر وانما على كل شيء، بدءاً من العصائر واكل الكلاب والقطط والملابس والاحذية والادوات المنزلية مروراً بكافة انواع الالبان والحلويات والزيت والأرز والمكرونة ووصولاً الى الطيور بكافة انواعها واللحوم الفاخرة التى وصلت انواع منها لـ130 جنيهاً..

تاه الرجل فى الزحام وخارت قواه من التجول فى كل أرجاء المكان حتى المخصصة للأثاث والمفروشات.. اشترى زجاجة مياه معدنية واتجه الى مكان الدفع لم يبحث أصلاً عما جاء إليه، فوجئ الرجل بمشهد وصفه لى بالمدهش العجيب.

إيه يا أستاذ كمال؟

الطوابير طويلة على أكتر من 20 «كاشيير» وكل واحد بيجر أمامه عربيتين «متلتلين» اكل وشرب وكافة شيء. والغريب أن فيهم ناس شكلهم عادى موظفين زينا وفيهم ناس شكلهم هاى قوى وفيهم فنانين كمان ومن دافع الفضول وليس الحسد والقر وقفت أتابع المبالغ التى تدفع فوجدت فواتير ب2000 و3000 وفيه بيدفعوا بالفيزا وكله جبنه وعصير ولحمة وأكل قطط وكبيات وحلل، سألت نفسى سؤال، هو الغلا ده علينا إحنا بس ولا أيه؟ والناس دى بتجيب الفلوس منين؟