رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قرية مصرية تصدر 50٪ من الياسمين للعالم

بوابة الوفد الإلكترونية

قرية الياسمين - المنتج الأول عالميا فى إنتاج الياسمين- هى قطعة من الجنة على الأرض.. ألوان زاهية وزهور حمراء وصفراء وبيضاء نادرة ولا تقدر قيمتها بمال.. روائح زكية وعطرية  تحاصرك وتحيط بك فى كل مكان،  تلك هى  بعض مواصفات قرية «شبرا بلولة» التابعة لمركز قطور بمحافظة الغربية أو قرية الياسمين، كما تشتهر، فكل سكان القرية يعملون منذ نعومة أظافرهم فى مهنة زراعة الياسمين التى ورثوها عن أجدادهم وتحولت إلى«لعنة» على حد وصفهم جراء عمل كافة أهالى القرية  لدى حفنة من محتكرى الصناعة بنظام  يشبه السخرة  فى العصور الماضية.

ورغم الروائح العطرية والمنظر الخلاب، فإن حالة من الحزن الشديد تسيطر على  أهالى القرية البيضاء، بسبب ما آلت إليه زراعة الياسمين بسبب تحكم أصحاب المصانع في أسعار زهرة الياسمين، ورفضهم تسعير الكيلو جرام منها إلا بعد الحصاد والبيع إلى مختلف دول العالم، وتسعيره بمبالغ زهيدة لا تتناسب مع حجم التعب والمصاريف الذى يتكبدها المزارع، وهو ما دفعهم للدخول فى إضراب عن جمع المحصول هذا العام لمدة شهر كامل، ما خسر الدولة آلاف الدولارات التى كانت تعود عليها من تصدير الياسمين إلى الخارج.

«ارموا محصولكم فى الترعة لو مش عاجبكم».. بهذه العبارة يتحكم أصحاب المصانع  فى المزارعين، فزهرة الياسمين تذبل بعد ساعتين من جمعها ولا يكون لها فائدة على عكس كافة المحاصيل الأخرى التى يزرعها الفلاحون  كالأرز والبطاطس، والتى من الممكن ان يتحايل الفلاح على التاجر بتخزينها، لذا فلا مجال امام مزارع  الياسمين سوى وضع رقبته تحت سيف المحتكرين.

القرية التى لا ينام أهلها 6 شهور متواصلة هى مدة حصاد زهرة الياسمين، نظرا لأنه  لا يتم جمعه سوى فى الليل وحتى الساعات الأولى من الصباح، باتت فى حالة كراهية شديدة لمحصول الياسمين الذى لا يعرفون زراعة غيره منذ فتحوا أعينهم على الدنيا، فجميع المزارعين غرقى فى الديون وعليهم ايصالات أمانة لأصحاب المصانع  تجعلهم يقبلون بيع محصولهم بثمن بخس، خوفا من السجن، كما أن أغلبهم أصابهم مرض الربو وشتى أنواع الحساسية فى الجلد والعين والصدر، ليتحول محصول تتهافت عليه دول الغرب إلى وباء على الناس.

وتعد قرى مركز قطور هى الأكبر بمحافظة الغربية على مستوى الجمهورية فى زراعة النباتات الطبية والعطرية العالمية، خاصة زهور الياسمين، التى تشتهر بها كل من قرية شبرا بلولة، وسعدون، وصرد، والشين بمركز قطور، وقريتي «أبوحمر، وكتامة» بمركز بسيون ويصدران نحو 50% من احتياجات العالم من الزيوت العطرية، خاصة عجينة وزيت الياسمين التى تستوردها دول فرنسا وأمريكا وسويسرا.

«الياسمين ضيعنا وهيضيع  ولادنا».. عبارة صرخت بها إحدى السيدات التى تعمل فى جمع  الياسمين مضيفة «أنا اهلى طلعونى من التعليم لأعمل فى جمع الياسمين وانا ولادى اضطريت اطلعهم من المدارس بعد فشلهم لأنهم يسهرون طوال الليل حتى فترة الامتحانات، وهذا حال أغلب أبناء القرية التى تعانى من انتشار نسبة الأمية بها، وكلنا بنعانى من أمراض مختلفة وياريت كل التعب بفائدة  وإنما بملاليم.

وتابعت السيدة وهى تشير بأصابعها التى تعرضت لمرض جلدى نادر من عملها فى جمع الياسمين قائلة: «لو الحكومة لم تساندنا العام القادم هنرمى محصولنا بجد فى الترعة ونترك الشجر يذبل ويموت أحسن من الذل والسخرية وخراب البيوت اللى احنا فيه».

ويشتكى إبراهيم فتحى، أحد مزارعى الياسمين، من قرية «صرد» من سوء أحوالهم المعيشية قائلا: «نعمل ليل نهار والقيراط يخرج من 2-3 كيلو زهرة ياسمين فى اليوم أى بحوالى 60 جنيها فى اليوم هى أجرة أسرة بكاملها تقضى طوال الليل فى جمع  المحصول، نظرا لارتفاع سعر العمالة وضعف ثمن المحصول، مشيرا إلى أن الياسمين المصرى مثل القطن طويل التيلة لا يوجد منافس له وهى ميزة إلهية ونتفوق بهذه الميزة على كل الدول التى تزرع الياسمين مثل الصين والهند وتونس.

يستغيث إبراهيم  بالرئيس عبدالفتاح  السيسى وبمحافظ الغربية

اللواء أحمد ضيف صقر  قائلا: «الياسمين قيمته أغلى من الذهب وحفنة من رجال الأعمال هما اللى بيستفيدوا، فى حين أن البلد فى حاجة لكل دولار، وطالب الدولة بالتدخل لإنشاء مصنع كبير داخل مدينة قطور، يتولى تجميع الياسمين وتصديره للعالم كمصدر هام للدخل القومى.

ويلتقط مزارع آخر منه طرف الحديث، مؤكدا أن طن الزهرة يستخرج منه نحو 3 كيلو جرامات عجينة عطر الياسمين، سعر الكيلو جرام يتخطى الـ3 آلاف دولار، مؤكدا أن هذه الثمرة تدر دخلا إلى مصر شهريًا قرابة المليون دولار.

على غرار أفلام الأبيض والأسود القديمة التى قدمت قصصا تدمى القلوب عن ظلم الفلاحين واستغلالهم لحين خروج شاب من القرية ليتصدى لظلمهم، قام  عمرو الشيخ، أحد شباب القرية بالتصدى لجشع أصحاب المصانع والعاملين فى المجمعات التى تنقل الزهور الى المصانع ورفع سعر كيلو زهر الياسمين من 14 جنيها إلي 28 جنيها.

تجربة عمرو الذى لا يزال فى العقد الثالث من عمره تبرهن على مدى قدرة الشباب على تغيير الواقع، فبدأ منذ سنتين فى تأسيس جمعية باسم قريته «شبرا بلولة» للنهوض بها بالجهود الذاتية، وحقق كثيرا من الإنجازات هو وشباب القرية، لكنها لم تكن كافية وهم يرون ذويهم أذلاء كل يوم من اجل  بيع محصولهم».

دخل عمرو فى مفاوضات كثيرة مع أصحاب المصانع لكنها باءت بالفشل فى ظل تعنت أصحاب المصانع على أخذ المحصول بهذا السعر الزهيد، وهنا فكر فى أن يجمع المحصول من المزارعين بأعلى سعر ويبحث عن مصنع آخر بعيدا عن المصانع  الخمسة التى تتحكم فى أرزاق الناس، وبالفعل وجد مصنعا صغيرا وبدأ فى أخذ محصول الياسمين من الفلاحين مشترطا عليهم عدم وضع ماء مثلما كانوا يفعلون مع المصانع الأخرى لزيادة الحجم، ليخرج أفضل عجينة ياسمين تهافت عليها كافة المستثمرين  من الخارج.

ويؤكد «عمرو» انه تعرض لكثير من التهديدات والضغوط ليتخلى عن الفلاحين لكنه رفض ووقف بجانبه اللواء أحمد عزت، رئيس المدينة  ومجلس المدينة  بأكمله  الذى يرفض الظلم الواقع  على  المزارعين، مطالبا بسعر عادل للفلاح، يتم تحديده قبل فترة الحصاد، بالإضافة إلى دعم الحكومة للمزارعين فى إنشاء شركة مساهمة لإنتاج وتخليص عطر الياسمين من الزهرة.

وأوضح «عمرو» المتحدث باسم مزارعى الياسمين أن المساحة المنزرعة من هذه النباتات في مركزي قطور وبسيون  تبلغ حوالي ألفين و180 فدانا، ويوجد نحو 13 مصنعًا لتعبئة العطور، منها 9 في قطور و6 في بسيون، وتبلغ إنتاجية محصول الفدان من 4 إلى 5 أطنان سنويا، يستخرج المصنع 2 كيلو زيوت من كل طن زهور.