رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عيال في الكوشة

بوابة الوفد الإلكترونية

انتشرت ظاهرة زواج الأطفال بمحافظة الدقهلية فى الآونة الأخيرة، وهى جريمة مكتملة الأركان، كونها تنتهك براءة الأطفال، وتعبث بحقوقهم فى الاختيار.

ولا يمكن الوقوف على سبب واحد للظاهرة وإن كانت جميعها حصاد تقاليد بالية وأفكار عفى عليها الزمن، كما أن بعضها يدخل فى باب الدعابة أو الرغبة فى ستر البنت وبعضها الرغبة فى تدعيم شراكة تجارية بين الأسرتين والحفاظ على بقاء الثروة بحوزتهما.

ومؤخراً شهدت قرية المعصرة مركز بلقاس حفل زواج طفلين، ليكون هو الأول من نوعه فى الزواج المبكر، العريس «فارس» يبلغ من العمر 11 عاماً بالصف الأول الإعدادى، وعروسته «نانسى» 10 أعوام بالصف الخامس الابتدائى، دعا أهل العروسين الصغيرين أهالى القرية وأصدقائهم من القرى المجاورة، وأقاموا خيمة ومسرحاً كبيراً بالشارع، ونظموا الاحتفال بمشاركة فرقة موسيقية وراقصات ومطربين شعبيين واستمرت الحفلة حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى .

وارتدت العروسة فستان «بمبى» وليس باللون الأبيض كالمعتاد، نوعاً من الخداع حتى يعتقد من يراهما أنه حفل خطوبة وليس زواجاً، وحتى لا يتقدم أحد بشكوى ضد أسرتيهما، ويتم الزواج دون أى مشاكل.

والد العريس، والذى لا يتعدى عمره 35 عاماً، أحضر عدداً من الراقصات والمطربين الشعبيين ودعا له كل أصدقائه، حتى يجمع أكبر قدر من النقوط فى هذه الليلة، مؤكداً أنه حفل خطوبة وبعد وصولهما سن البلوغ سيتم عقد قرانهما.

مؤكداً للمعازيم أن كل شىء تم بشكل عرفى وأوراق عرفية وليس رسمية حتى لا يتعرض أي من أولياء الأمور للمساءلة القانونية، ويظل الزوج والزوجة فى شقتهما بشكل طبيعى حتى يأتى السن القانونية للزواج.

أحد المقربين لأهل العريس أكد أن هذا الحفل كان زواجاً وليس خطوبة كما يدعى الأهل، فقد تم إعداد شقة للعريس مساحتها نحو 200 متر، والعروس ليست من القرية وإنما من قرية مجاورة، ومن تقاليد الزواج فى المنطقة أن يتم إقامة حفل الزواج أمام منزل العريس بخلاف الخطوبة التى تتم أمام منزل العروسة، وأن والد العريس كان يردد «جوزت ابنى وهو صغير علشان أطمن عليه ويبقى راجل من صغره».

ورغم ما أثير من جدل حول هذا الحفل لزواج الطفلين، إلا أن الموضوع يحتاج إلى دراسة، فالظاهرة ليست وليدة اليوم بل تكررت فى عدة مراكز أخرى بالدقهلية منها: شربين والسنبلاوينن

فقد شهدت مدينة السنبلاوين عام 2013 حفل خطوبة «ش م ش» 13 سنة الطالب فى الصف الأول الإعدادى بمدرسة السنبلاوين الإعدادية و«إيمان» 10 سنوات فى الصف الرابع الابتدائى فى حضور أهالى المدينة فى احتفالية كبيرة.

وقال والد العروس إيمان مبرراً فعلته آنذاك: «أنا راجل محترم ويريد أن يستر ابنته ومش لاقى مشكلة من أن يخطبها وهى صغيرة عشان متطلعش تبص بره زى باقى البنات اليومين دول، وقال أبو العريس الطفل «شوقى» إنه كان طالب يد «إيمان» من زمان من والدى الله يرحمه، وأنا ووالد العروس شركاء فى التجارة، وأنا مأمنه على فلوسى وتجارتى إزاى مش هآمنه على بنتى»، حيث كانت أم العروس سعيدة بخطبتها، وهى من وجهة نظرهم فرصة للفرح وجمع شمل ناس يعرفون بعضهم وهم شركاء فى تجارة والزواج تأمين لها.

وفى العام الماضى طفت على السطح جريمة أخرى لزواج الأطفال شهدتها «عزبة الجزار» التابعة لمركز شربين بمحافظة الدقهلية، عندما قررت عائلة بالقرية أن تجنى على طفلين لا يتجاوز عمرهما 10 سنوات، وتعلن مراسم خطوبتهما وسط احتفالات جمعت الأهل والأقارب. الأمر الذى أثار استياء غضب رواد مواقع التواصل الاجتماعى بعد انتشار هذه الجريمة بشكل واسع، وأكد متداولو الفيديو أن العريس يدعى محمود حسن أبو عطية، 9 سنوات، والعروس ابنة عمه الطفلة نبيلة عبدالسلام أبو عطية، 8 سنوات.

و«شير» ناشرو الفيديو أن الخطوبة جاءت بناء على وصية الأهل، ويظهر بالفيديو قيام منظم الحفل «النبطشى» بدعوة العريس والعروس للرقص قائلاً: «ربنا يتمم على خير.. عقبال الليلة الكبيرة»، كما نشرت صفحة الكوافير الذى قام بتزيين العروس عبر صفحته على «فيس بوك» والتى استقبلت الطفلة نبيلة، وتبنت إعدادها وتزيينها لخطبتها صوراً للطفلة بعد الانتهاء من تزيينها قائلة: «أصغر عروسة جاتلى كانت خطوبتها النهاردة.. قمر يا نبيلة».

وبرر الأعمام القصة بوفاة شقيقهما «عبدالسلام عطية» 27 عاماً، بعد معاناة مع المرض تاركاً أربعة أطفال، ولدين وبنتين، ومنهم الطفلة «نبيلة» 6 سنوات والتى تحمل مسئوليتهم أخوات الأب المتوفى، ومنهم حسن عطية والد الطفل «أحمد» عريس القنوات الفضائية، وإنهم أرادوا إدخال الفرحة على أطفال المتوفى ووالدتهم الأرملة والأم المسنة والدة المتوفى، وجاءت لهم فكرة إقامة حفل عيد ميلاد على الطريقة الشعبية المعتادة فى الأماكن الريفية وعمل (صوان) كبير ودعوة للأصدقاء والأقارب وبحضور فرقة راقصة وكان الهدف من ذلك جمع أموال المجاملات (النقوط) لأخيهم المتوفى دعماً لأسرته وللحفاظ على حق أسرة أخيهم على حد

قول والد الطفل أحمد وعم الطفلة «نبيلة»، وبرروا سبب ظهور العروسة ترتدى الحلى «ذهب»  والتى قيل إنها (شبكة)، ما هو إلا ذهب بنت أخونا تركه لها أبوها وأردنا أن نرفع من شأنها أمام الناس على حد قوله.

ومن الناحية القانونية؛ فقد أدان مدير مركز المرآة للإرشاد والتوعية القانونية المحامى رضا الدنبوقى، زواج القاصرات من كبار السن، وزواج الأطفال من بعضهم البعض، باعتبارها جريمة يعاقب عليها القانون، وانتهاك لكامل حقوق الطفل، مؤكداً أن الزواج المبكر له أضرار سلبية كبيرة على الطفلين، بجانب الحرمان من التعليم والتطور والنمو.  

وأكد أن الفتاة التى تتزوج قبل الـ18 سنة هى طفلة، لم تعط فرصة كافية لتنضج من الناحية العاطفية والاجتماعية والجسدية والعقلية، ولم يتح لها المجال لتطوير مهاراتها، وتنمية إمكاناتها المعرفية واكتشاف ذاتها، ومعرفة مدى قدرتها على تحمل المسئوليات العامة والأسرية، وتصبح أسيرة وضع لم تتنبأ به، وتصبح مشاركتها فى المجال العام شبه مستحيلة.

مشيراً إلى أن فى دراسة أجراها المركز على 12 ألف أسرة فى 15 قرية بمحافظة الدقهلية، اتضح ارتفاع حالات زواج الأطفال بين الفتيات بتلك القرى لتصل إلى 77%، 48% منهن من سن 12 إلى 14 عاماً، و43% من سن 15 إلى 17 عاماً، فى حين أن 9% فقط من زيجات الأطفال ترتفع أعمارها لتبدأ من 17 إلى 19 عاماً.

كما أكدت الدراسة أن 55% من المأذونين بقرى «بلقاس، نبروه، طلخا، دكرنس، شربين، الستامونى، وجمصة، وأجا» يقومون بتزويج الفتيات، وتختلف أنواع تلك الزيجات، حيث تبلغ نسبة الزواج من الأقارب 38%، و42% من المعارف داخل القرى، بينما تصل نسبة الزواج من مسنين مصريين 13%، فى حين أن 7% يتزوجن من جنسيات أخرى خاصة العرب. وتختلف أسباب ودوافع تلك الزيجات من حالة إلى أخرى، حيث أفادت 41% من الأسر بأنهم يقومون بتزويج فتياتهم القاصرات بسبب الخوف من العنوسة، و29% بسبب كثرة عدد البنات داخل الأسرة، فى حين أكدت 15% من الأسر أن السبب هو فقر الأسرة، بالإضافة إلى 15% بسبب ارتفاع المهور.

مؤكداً أنه بالنسبة لنوع الزواج، فيتضح أن 90% من الحالات كانت زواجاً شرعياً على يد مأذون، وذلك على الرغم من وجود قوانين تعاقب المأذونين فى حالة تزويجهم فتيات تحت السن القانونية، 7% تزوجن زواجاً عرفياً، و3% زواج متعة.

وأوصت الدراسة بضرورة التنسيق مع وزارة العدل لمراجعة أعمال المأذونين، خاصة بمركز «بلقاس وأجا» لارتفاع نسبة زواج الأطفال بهما، كذلك عقد جلسات توعية بالتنسيق مع الجمعيات الأهلية لتوعية الأهالى فيما يتعلق بخطورة زواج الفتيات الأطفال.

وشدد على ضرورة محاكمة أهالى الأطفال لتعريض حياتهم للخطر، حيث تصل عقوبة جريمة استغلال الطفولة لـ5 سنوات، وهى شكل من أشكال الاتجار بالبشر والطفولة، وتصل للسجن المشدد فى حالة الحصول على منفعة مادية، كما فى هذه الزيجة فتصبح اتجاراً بالطفلين، وتصل عقوبتها للسجن المشدد 15 سنة». مطالباً بأهمية سن وتشريع قانون للعنف الأسرى.

المؤكد أن الدقهلية ليست المحافظة الوحيدة التى ترتكب هذه الجرائم فى قراها، فكثير من قرى مصر فى الدلتا والصعيد تشهد حوادث مماثلة، والأمر يحتاج تدخلاً عاجلاً من الدولة، ودوراً أكبر للمجتمع المدنى.