رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وداعاً محمد خان.. المصرى "الهوى" و"الهوية"

المخرج محمد خان
المخرج محمد خان

شيعت اليوم من المسجد الكويتى بالمعادى جنازة المخرج الكبير محمد خان الذى توفى فجر اليوم عن عمر يناهز الـ73 عاما بعد أزمة صحية سريعة، حيث دفن بمقابر الأسرة فى المعادى.

محمد خان المبدع العملاق المصرى حتى النخاع والذى استطاع الغوص داخل أعماق المجتمع المصرى وشخصياته وإظهار ما بداخلها من مشاعر وأحاسيس، مسخرا كاميرته لتكون بالمرصاد لكافة المتغيرات والتحولات التى طرأت عليه محيطًا إياها بالكثير من التفاصيل الصغيرة التى ساهمت فى إبراز الجوانب النفسية والأخلاقية فيها، والتى كشفت أيضًا عن جوانب هامة وخطيرة فى تركيبة الإنسان المصرى.. محمد خان البريطانى الجنسية حتى عام مضى؛ المولود لأب باكستانى وأم مصرية، العارف بمصر وأراضها وتفاصيلها أكثر مما يعرفها بعض أبنائها، الذى حلم حياته الحصول على الجنسية والتى حصل عليها بعد تجاوزه السبعين بأعوام.. كون محمد خان مع بشير الديك وسعيد شيمى ونادية شكرى وعاطف الطيب وخيرى بشارة وداوود عبدالسيد جماعة سينمائية أطلق عليها (جماعة أفلام الصحبة)، جمعتها رابطة الصداقة ومجمل القضايا والهموم الفنية والثقافية بشكل عام. وكان الهدف من إنشاء هذه الجماعة هو إنتاج أفلام ذات مستوى جيد وتقدم جديد، والفيلم الوحيد الذى قامت الجماعة بإنتاجه هو «الحريف».

 من آخر أفلامه  «قبل زحمة الصيف» عرض 2015 فى مهرجان دبى السينمائى الدولى. الفيلم بطولة هنا شيحة وماجد الكدوانى وإخراج محمد خان وتم تصنيفه كفيلم للكبار فقط.. وسبقه فيلم «فتاة المصنع» بطولة هانى عادل، وياسمين رئيس، وسلوى خطاب، بدأ عرضه فى دور العرض المصرية والإماراتية يوم 19 مارس 2014م.

الفيلم أُنتج بدعم من 7 جهات منها صندوق إنجاز التابع لـمهرجان دبى السينمائى الدولي، وحصل على جائزة أفضل ممثلة فى مهرجان دبى السينمائى الدولى للبطلة ياسمين رئيس.. وتدور أحداث فتاة المصنع، حول هيام، وهى فتاة عمرها 21 سنة، تعمل مثل بنات حيها الفقير فى مصنع ملابس، تعيش تجربة حب أمام تعنت المجتمع أمام هذه المشاعر. ومن أهم أعماله التى خرج بها من المدينة إلى الريف على عكس المتبع فى السينما المصرية فيلم «خرج ولم يعد» بطولة يحيى الفخرانى وليلى علوى وفريد شوقى وعايدة عبدالعزيز وتوفيق الدقن. للسيناريست عاصم توفيق الذى استوحى الفكرة من رواية «براعم الربيع» للكاتب بيتش. يدور الفيلم عن رحلة هذا الشاب عطية يحيى الفخرانى فى بحثه عن أسلوب جديد للحياة، بعد أن ظلمته المدينة. ورغم أنه موظف بسيط فى أرشيف إحدى الوزارات، يحلم بأن يصبح مديرها العام حتى لو اقتضى ذلك عشرين عاما من الانتظار. فهو يسكن منزلاً آيلاً للسقوط فى إحدى حوارى القاهرة الفقيرة، وبسبب أزمة الإسكان، نراه يؤجل زواجه من خطيبته لمدة سبع سنوات. ولكنه إزاء تهديد والدة خطيبته بفسخ الخطوبة، ويقرر الذهاب إلى الريف ليبيع قطعة أرض يملكها هناك كحل لأزمة الشقة هناك فى الريف. إنما لظروف طارئة، يمكث فترة ليست بالقصيرة، يتعرف خلالها على كمال بيك فريد شوقى وابنته خيرية ليلى علوى اللذين يوقظان فى داخله حب الجمال والطبيعة، ويغريانه بالمكوث معهما فى الريف، هنا يجد نفسه فى صراع داخلى بين العودة إلى المدينة التى اعتاد على الحياة فيها رغم قسوتها، وبـين الاستقرار فى القرية التى جذبته ببساطتها وطبيعتها الساحرة والخلابة. فى النهاية يحسم هذا الصراع لصالح الريف الذى وجد نفسه فيه بجانب خيرية التى أحبها.. وفى فيلمه «عودة مواطن» الذى قدمه عام 1986 تناول ظاهرة اجتماعية تعتبر من الظواهر الهامة التى شهدها المجتمع المصرى خلال وهى السفر للعمل فى الخارج. والتى أحدثت تدميراً للمجتمع المصرى على المستوى الاجتماعى والمستوى الأخلاقى أيضاً، وذلك لبروز المزيد من التطلعات لتحقيق المزيد من الأمان الاقتصادى. مقدماً مأساة الطبقة المتوسطة ومثقفيها وتحولاتها من خلال عائلة يحيى الفخرانى فى الفيلم. وقال محمد خان عن عودة مواطن (لو نظرنا لهذا الفيلم بعمق اكثر سنجد انه فيلم موجه إلى الطبقة المتوسطة بلوم وعتاب. يقدم الفيلم شخصيات جميعها سلبية ما عدا الشاب الجامعى الذى يلجأ إلى طريق لا يدرى مدى صحته، لكن ربما أوصله إلى الحل.. لكن لمـاذا يـزدحم الفيلم بالشخصيات السلبية؟ من أجل أن يكون المتفرج إيجابياً، هدفه كان تحريك المتفرج من الطبقة المتوسطة خاصة، وإدانة سلبيته وعدم فعاليته، يقول له يجب أن تكون فاعلاً ولا تكتفِ بالفرجة من داخل البيت.. هذه هى قيمة الفيلم!

وفى «أحلام هند وكاميليا» قدم لنا محمد خان فى هذا الفيلم وكما عودنا دائمًا عالم الشخصيات العادية التى تعيش بيننا ونتعامل معها يوميًا لكننا لا نعرفها جيدًا ولا نلاحظ فيها ما قدمه هو خلال فيلمه هذا. فهو هنا ولأول مرة فى السينما المصرية يتناول عالم الخادمات، بما يحتويه من تفاصيل وإيحاءات عميقة صادقة، تختلط فيها المرارة بالبراءة.. وحشية الفقر وقسوة العيش بعفوية الكدح اليومى وبراءة الكادحين وطيبتهم الصادقة. يبدأ محمد خان فيلمه بمشاهد ولقطات سريعة وذكية وخالية من أية ثرثرة حوارية، ليقدم بها شخصياته الرئيسية الثلاث، ويحدد هوية كل منها للمتفرج منذ الدقائق الأولى من الفيلم. فى فيلم «أحلام هند وكاميليا»، يقدم لنا محمد خان مجتمع القاهرة الحقيقى من خلال خادمتين ولص ظريف.. القاهرة التى تحتل موقعًا هامًا وبارزًا من أحداث الفيلم، وتتحكم فى مصائر الشخصيات.. القاهرة بشوارعها وأزقتها وبكل ضجيجها وفوضويتها.

وقدم محمد خان فى فيلم «الحريف» عملاً أكثر من رائع يتناول قصة زوجين انفصلوا وكل منهم يحب الآخر ولكنه لا يعرف كيف يظهر ذلك وهو يعبر عن الطبقة المصرية العادية التى تبحث عن لقمة العيش فى بورسعيد الفيلم يتعرض للعديد من الشخصيات وكيف تغيرت بهم الأحوال بمرور السنين وتغير الظروف التى أجبرتهم على التخلى عن أحلامهم.

وفى «شقة مصر الجديدة» نجد الرومانسية التى افتقدناها وجمال وسحر السينما الذى لم نعرفه نحن الشباب وخبرة وروعة الكاميرا السينمائية وحلاوة الأداء وروعة المونتاج وسحر الموسيقى وجمال الغناء عندما تجد سيناريو طالما حلمت به من تأليف فنانة واعدة هى وسام سليمان لفتاة تحلم دائمًا بالحب ترفض رغم ضعف شخصيتها الظاهر وارتباكها أن تكون مثل هؤلاء الذين يتزوجون لمجرد الزواج رغم هذا الارتباك نجد قوة فى الشخصية وإصراراً عجيباً قدمته لنا غادة عادل فى أهم أدوارها على شاشة السينما منذ بدايتها ولك أن تعلم الفرق بين أن تمثل تحت قيادة مخرج عادى وتحت قيادة خان.

فى عام 1987، قدم محمد خان فيلمه الهام «زوجة رجل مهم»، وتكمن أهمية هذا الفيلم فى ذلك السيناريو الجيد الذى كتبه السيناريست رؤوف توفيق، حيث يتناول موضوعًا هامًا وجريئًا، ألا وهو مفهوم السلطة وعلاقتها بالفرد. والأفلام التى تناولت هذا الموضوع قليلة جدًا، بل هى نادرة فى السينما المصرية، وذلك لحساسية هذا الموضوع بالنسبة للرقابة والنظام بشكل خاص. وحتى الأفلام القليلة التى فعلت ذلك تناولت السلطة من الناحية السياسية المباشرة، وأغفلت النواحى الاجتماعية والنفسية، بعكس ما فعل المخرج محمد خان فى فيلمه هذا، لذلك ففيلم زوجة رجل مهم يتميز بأنه أبرز هذه النوعية من الأفلام، بل أهمها، وذلك

لابتعاده عن المباشرة فى الطرح، وعدم لجوئه إلى الرمز فى نفس الوقت.

 وفى «بنات وسط البلد» يقدم محمد خان منطقة «وسط البلد» التى تعد من أكثر المناطق حيوية فى العاصمة القاهرة، حيث تختلط آمال البشر وأحلامهم بسحر المبانى الأثرية، وزحام السيارات، ورائحة الشوارع! وهذه المنطقة الأثيرة لدى المخرج محمد خان هى البيئة الحاضنة لهذا الفيلم الاجتماعى الذى حُقّق فى العام 2005، والذى يسلط خان من خلاله الضوء على علاقة «جومانة» و«ياسمين»، الفتاتين البسيطتين، فى كفاحهما اليومى وسط البلد من أجل إثبات وجودهما، والشعور بالاكتفاء الذاتى فى ظل ظروفهما المادية والاجتماعية الصعبة.

وعن رائعته «موعد على العشاء» يقول الناقد محمود عبدالشكور: «اشتغل محمد خان على تعبيرات الوجوه وحركات الجسد، هناك أقل قدر من الحوار كالمعتاد، يبنى خان المشهد من أشياء صغيرة، كل تفاصيل المشهد الرومانسى استخدمت فى مشهد النهاية من الشموع إلى القبلات ولكن لكى تقود إلى الموت، سر قوة أعماله فى البناء الجيد للشخصيات، اختار هنا أن يقدم رثاء الرومانسية بإسناد البطولة لاثنين من أشهر أبطال وثنائيات السينما الرومانسية المصرية، فجاءت الصدمة مضاعفة. و«موعد على العشاء» فيلم هام ودال جدا على بداية زمن آخر، يقول عزت «غلبتينى يا نوال؟» فترد: «إنت إلى غلبتنى»، انتحر روميو وجوليت بسبب الحب، وفقد عزت ونوال حياتهما بسبب موت الحب، رومانتيكية معكوسة ومقلوبة فى مجتمع انقلبت أحواله، تماما مثل صورة العروسين (عزت ونوال) التى نراها مقلوبة فى الكاميرا فى أول مشاهد الفيلم».

وعن كتاب البحث عن الذات وكتاب سيدة من مصر، يكتب أحمد بهجت سيناريو وحوار فيلم أيام السادات ويقوم محمد خان بإخراجه ليجسد أحمد زكى شخصية السادات فى أحد أصعب أدواره السينمائية على حد قوله، خاصة لأن الفيلم ليس سياسيًا بالدرجة الأولى بقدر ما يسلط الضوء على حياة شخصية عامة، متتبعا مشوار حياة السادات من البداية وحتى وصوله لسدة الحكم فى مصر، وذلك على مدار أربعين عامًا حافلة، ويعتبر الفيلم من قبل بعض نقاد السينما إحدى العلامات فى تاريخ السينما المصرية الحديثة. وقامت كل من منى زكى وميرفت أمين بأداء شخصية جيهان السادات. الجدير بالذكر أن الفيلم استمر تصويره لمدة 11 أسبوعاً، وتعدت تكلفته 6 ملايين جنيه مصرى.

أما فيلم (ضربة شمس - 1978)، فهو أولى تجارب المخرج محمد خان الروائية، والذى أعجب به نور الشريف عند قراءته للسيناريو، لدرجة أنه قرر أن ينتجه. وقد حاول محمد خان فى هذا الفيلم إثبات قدراته كمخرج جديد، يمتلك أسلوبًا خاصًا يميزه عن بقية المخرجين المصريين، إلا أنه فى نفس الوقت لم ينس الجمهور الذى سيشاهد فيلمه، وكان حريصًا على لفت انتباهه إلى الجديد الذى يقدمه له. إنه يقدم له فيلمًا بوليسيًا، يقدم له سرقة وقتلا ومطاردات. وفى «يوم حار جدًا»، واصل خان كما يرى الناقد «حسن الحداد» بحثه عن شكل جديد، إلا أنه فى هذا الفيلم يخفق أحيانًا فى الوصول إلى حتى إلى ما وصل إليه سابقًا. وهذا بالطبع ليس عيبًا لدى أى فنان، نقصد بذلك بأن الفنان فى محاولاته للبحث عن الجيد قد ينجح وقد يخفق، وهذا الفيلم هو أحد إخفاقات محمد خان. فقد بدا واضحًا من أن السيناريو كان متسرعًا فى رسمه لبعض الأحداث، إضافة إلى ذلك القصور فى بناء الشخصيات. فقد بدت بعض الشخصيات غير مكتملة، وخصوصًا شخصية هدى التى كان ينقصها العمق والبحث أكثر عن حيثيات تبرر تصرفات الشخصية نفسها. كذلك شخصية غريب، حيث إن تلك المبررات التى طرحها السيناريو لتبرير قبوله للانخراط فى تلك المغامرة كانت ضعيفة وغير مقنعة بالشكل الكافي. أما بالنسبة للمشهد الأخير فى الفيلم، والذى يظهر الزوجة هدى وهى تقف لغريب ليركب معها ويرحلا سويًا، ليكون ختامًا للفيلم. قد أضر كثيرًا بمضمون الفيلم بشكل عام، خصوصًا إذا كان المقصود منه هو بداية حياة جديدة للاثنين. فليس منطقيًا أن نقبل ذلك لمجرد أن غريب قد ساهم فى إنقاذ هدى من القتل. فالظروف الموضوعية والنفسية التى عاشتها هدى لا تسمح بتاتًا بحدوث ذلك. أما بالنسبة للإخراج، ونجح محمد خان فى الحفاظ على إيقاع الفيلم الساخن والسريع. وذلك بتقديمه لحركة سريعة ومحفزة للكاميرا، ونجاحه فى اختيار زوايا تصوير موفقة ساهمت فى خلق التعبير الدرامى للصورة. هذا إضافة إلى توفيقه فى إدارة من معه من فنانين وفنيين.

محمد خان ظل لآخر دقيقة فى عمره متفاعلاً مع الفن المصرى ومتابعاً لكل ما فيه؛ ومستغرقاً فى البحث عن التفاصيل فى المجتمع والتطورات التى فيه ؛ وكان سعيداً بإحساسه أنه أخيرا منحت له بطاقة الهوية المصرية التى كانت تعنى له الكثير.