رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وداعاً.. "قلعة البيروقراطية "

بوابة الوفد الإلكترونية

بعد 65 عامًا من تعذيب المواطنين فى 1356 غرفة يضمها مجمع التحرير بوسط القاهرة، أخيرًا قررت محافظة القاهرة إخلاء المبنى بعد 12 عامًا من صدور قرار بإخلائه، ذلك المبنى الذى كان شاهدًا على عذاب المواطنين مع الروتين والبيروقراطية، الذى وصفته صحيفة «الديلى تلجراف» البريطانية بأنه قلب البيروقراطية وقدس أقداسها فى مصر، تقرر إخلاؤه دون أن تحدد المحافظة رؤية معينة لاستغلاله بعد الإخلاء، ولهذا المبنى تاريخ وذكريات أليمة مع المصريين فقد كان خير نموذج للبيروقراطية والروتين حتى إن الكاتب وحيد حامد فى فيلمه «الإرهاب والكباب» جعله سببًا فى ثورة المواطنين وتحالفهم مع الإرهاب ضد الدولة، كما شهد المبنى العتيق أحداثًا عظيمة طوال الأعوام الماضية واستغل الثوار واجهته كشاشة لعرض «ليزر» لفعاليات ثورة 30 يونية دونوا عليها فرحتهم بنجاح الثورتين، وكانت حوائطه ملاذًا لهم من لهيب الشمس الحارقة.

ويؤكد خبراء التقتهم «الوفد» أن المبنى ليس مجرد جدران وحوائط، ولكنه تاريخ يجب الحفاظ عليه ولا بد من إعادة توظيفه بما يضمن بناؤه شامخًا وسط ميدان الحرية بدلًا من أن يتحول إلى مرتع للبوم والحشرات، ورغم إخلاء المبنى يتمنى المصريون ألا يتكرر ما لاقوه من عذاب بداخله فى المواقع الجديدة التى انتقلت إليها الإدارات الحالية، ويطالبون بألا تكون فى الوزارات غرف أخرى لتعذيب المواطنين ووضع حد لدوختهم من أجل إنجاز معاملة لهم فى الاسكان أو الجوازات أو المعاشات أو غيرها من الإدارات.

فى عام 1950 أنشأت مصلحة المبانى التابعة لوزارة الشئون البلدية مجمع التحرير ليكون أول مبنى إدارى فى مصر وأفريقيا والشرق الأوسط، على مساحة 4944 متراً تقريبا، وبارتفاع 55 متراً، حيث يتكون المبنى من 1356 حجرة، وقام بتصميمه المهندس المصرى محمد كمال إسماعيل، تشغلها عدة جهات حكومية أهمها وزارة الداخلية حيث مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية، والتى يتوافد عليها المواطنون من كل محافظات مصر لإنهاء شهادات التحركات التى لا تستخرج إلا من الإدارة الرئيسية، بالإضافة إلى مباحث الأموال العامة والتهرب الضريبى والآداب وتشغل هذه الإدارات 380 غرفة بالمبنى، فى حين تشغل وزارة العدل 299 غرفة للنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة ومفوضيها، كما تشغل وزارة التضامن الاجتماعى 199 غرفة، و17 للتعليم العالى و4 للبنك الأهلى و2 للشركة المصرية للاتصالات واستوديو تصوير بالإضافة إلى 390 غرفة تابعة لمحافظة القاهرة، ومن يدخل مجمع التحرير يشعر بظلمات البيروقراطية والروتين تحيط بكل شىء، حتى الحوائط تطل منها كآبة غريبة، الوجوم هو عنوان المكان والعاملين به، ومع ذلك فقرار الإخلاء انعكس على الجميع، فرغم أن القرار صادر منذ عام 2004 وتبعه قرار آخر فى 2009 إلا أن هذه القرارات لم تخرج لحيز التنفيذ إلا خلال الأيام الماضية لتكتب نهاية لرمز من رموز البيروقراطية والروتين، وبداية لحياة جديدة له.

وعلى الرغم من ترحيب الكثيرين بنقل الإدارات من المجمع، فإن عبدالمنعم محمد عيسوى موظف بمحافظة القاهرة ارتبط عمله بالمجمع لمدة عشرين عاماً يخشى من نقل المجمع بعيداً حيث يقع المبنى فى وسط ميدان التحرير، وبالقرب من محطة المترو لذلك، فالوصول إليه سهل، ومع ذلك فنحن ملتزمون بقرار الإخلاء، أما ممدوح جاد، موظف أمن المجمع التابع لإحدى شركات الأمن الخاصة، فيرى أن النقل سيسبب مشكلة لكثير من الناس المتعاملين مع الإدارات الموجودة به، أما بالنسبة له فقال أنا أعمل هنا منذ 9 سنوات، ولكنى مرتبط بالشركة التى أعمل فيها فقد أعمل فى مكان آخر، ولكنى سأظل مرتبطاً بهذا المكان الذى شهد كل أحداث الثورتين.

أما جمال ياسين، أحد المواطنين المتعاملين مع المجمع، فيرى أن إخلاء المبنى أصبح ضرورة لأن وسط القاهرة مزدحم دائماً، لكن نتمنى أن يتم نقل المصالح خاصة الجوازات إلى مكان قريب من المواصلات أو توفير وسائل مواصلات مريحة كالمترو إلى الأماكن التى سيتم النقل إليها.

وكانت وزارة التضامن الاجتماعى قد أخلت 121 غرفة خلال الأيام الماضية وفقاً لما أكده أسامة عبد العال، المدير التنفيذى للمجمع، مشيرًا إلى أن عملية الإخلاء ستتم خلال عام بدءاً من أول يوليو الجارى، وحتى 30 يونيو 2017، ولكنه أشار إلى أنه حتى الآن لا توجد خطة محددة لكيفية استغلال المبنى بعد إخلائه، ولكن المعلوم جيداً هو سبب الإخلاء لتقليل الكثافة المرورية بوسط القاهرة.

 

البيروقراطية باقية

ورغم قرار الإخلاء، فإن خبير الإدارة الدكتور صلاح الدسوقى، مدير المركز العربى للدراسات الإنمائية أكد أن القضاء على البيروقراطية والروتين لا يتم بإخلاء مبنى، ولكن يتم من خلال حزمة من الإجراءات تتضمن تغيير نظام العمل وتبسيط الإجراءات، واختصار عدد التوقيعات التى يحصل عليها المواطن على المستند الواحد، بالإضافة إلى تفويض السلطات بمعنى أن يقوم المحافظ أو المسئول بتفويض سلطة الموافقة لعدد من الموظفين ولكن هذا يستلزم إيجاد رقابة فعالة حتى لا يساء استخدام السلطة وزيادة الفساد، لذلك يجب أن يكون هناك علاج حازم وحاسم للفساد بتغليظ العقوبات وتطوير نظم العمل، مع تعديل الأجور وإعادة هيكلة الجهاز الحكومى، وتعديل القوانين التى تنظم العمل فى مصر والتى تساعد على البيروقراطية.

يشار هنا إلى أن القوانين وطرق استخراج الأوراق والمستندات تعد من

أهم المشكلات التى تواجه المصريين، ويكفى أن نذكر أن القانون يلزم مواليد عام 1941 بتقديم شهادة أداء الخدمة العسكرية عند استخراج جواز سفر، رغم بلوغه حوالى 75 عاماً، وهو ما يعانى المرور على أكثر من جهة حكومية لاستخراج شهادة عمرها أكثر من 50 عاماً، كما أن نقل طالب من مدرسة لأخرى يستلزم عشرات التوقيعات من موظفين يعملون فى الإدارات التعليمية المختلفة، بالإضافة لصعوبة إجراءات التعيين والمعاشات واستخراج أى شهادة من جهة حكومية، وهو ما يضع المواطن تحت طائلة عبارة «فوت علينا بكرة»، وما يتبعها من ضياع للوقت والجهد والمال.

 

مصير المبنى

الغريب هنا أن مصير المبنى لم يحدد بعد وفقاً لما قاله اللواء محمد أيمن عبد التواب، نائب محافظ القاهرة، والذى أشار إلى أن عملية الإخلاء ستستغرق عاماً، ولكنه استبعد فكرة تحويله إلى فندق، كما أشيع من قبل، وأضاف: قد نطرحه فى مسابقة لتوظيفه بشكل جيد بما لا يشكل عبئاً مرورياً على وسط القاهرة، ولكن حتى الآن لا توجد رؤية لهذا التوظيف، فنحن فى انتظار الإخلاء أولاً بعدها سيتم طرحه للاستغلال، بشرط عدم الاقتراب من شكل المبنى الذى يعد أحد معالم القاهرة.

ولكن المهندس حسين جمعة، رئيس جمعية المحافظة على التراث العقارى، عاب هذه الطريقة فى التفكير، واعتبرها عملاً بدون استراتيجية واضحة، مشيراً إلى أن المحافظة كانت لا بد أن تسير فى خطين متوازيين، فإخلاء المجمع يجب أن يتم ضمن خطة إخلاء العاصمة من المصالح الحكومية الموجودة بها، وهذا يجب أن يتزامن مع التفكير فى كيفية استغلال هذه المبانى الاستغلال الأمثل، فالمحافظة يجب ألا تنتظر الانتهاء من عملية الإخلاء لتفكر فى كيفية استغلال المبنى، إنما يجب أن يتم طرح المبنى فى مناقصة محلية بين المكاتب الاستشارية لوضع الأفكار لاستغلال المبنى، بحيث فور الانتهاء من الإخلاء يبدأ العمل فى المشروع الجديد بدلاً من إغلاق المبنى لمدة قد تطول أو تقصر، واقترح المهندس حسين أن يستغل المبنى كمقر إدارى يؤجر للشركات والبنوك الخاصة، أو انشاء وحدات فندقية مع عمل بعض التعديلات على الدور الأرضى لتأجيره للمطاعم العالمية، وهذه الأفكار يجب أن تتم من خلال دراسة جدوى تجريها المكاتب حتى تستقر المحافظة على الاستغلال الأمثل للمبنى.

 وأشار إلى أن هذا المبنى يعد ثروة قومية يجب استغلاله والاستفادة منه بما لا يؤثر على الحركة المرورية بوسط العاصمة، ويمكن أن يصاحب ذلك تطوير مترو الأنفاق وعمل عربات مميزة لرجال الأعمال بسعر أعلى لتشجيعهم على استقلال المترو للتوجه لمقار أعمالهم بالمجمع.

وتتفق الدكتورة سهير حواس، أستاذ العمارة بكلية الهندسة جامعة القاهرة ومدير الإدارة المركزية للدراسات والبحوث بجهاز التنسيق الحضارى مع هذه الرؤية، مشيرة إلى أن مبنى المجمع جزء من ذاكرة القاهرة، وهو مسجل كمبنى ذى قيمة معمارية وفقاً للقانون 44 لسنة 2006، ولذلك يجب استغلاله والاستفادة منه بما يتناسب وقيمته فى وسط القاهرة الخديوية، على أن تكون إعادة التوظيف فى إطار الحفاظ على شكل المبنى الذى يعد من أشهر مبانى القاهرة الإدارية، لذلك يجب أن يتم هذا من خلال مسابقة بين المكاتب الاستشارية لإعادة توظيف المبنى بما يتناسب مع طبيعته وشكله وموقعه فى الميدان، وأضافت أن هذا المبنى له قيمة تاريخية وعمرانية ورمزية، حيث تم إنشاؤه مكان قصر الخديو اسماعيل، ويجب على أى مشروع أن يحافظ على قيمة هذا المبنى وشكله ورمزيته.