رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«لويس جريس»: «جاهين» أصيب بصدمة بعد خداعه في أوهام «عبدالناصر»

صلاح جاهين
صلاح جاهين

الحديث عن «صلاح جاهين» لا يمكن أن يعطيه بعضاً من حقه.. هكذا قال «لويس جريس» عن «صلاح جاهين»، الذى وصفه بأنه كان متعدد المواهب بالفطرة، على رغم أنه لم يكمل دراسته الجامعية، حيث كان والده يريده أن يصبح مستشاراً مثله، فألحقه بكلية الحقوق، ولكنه كان يهوى رسم الكاريكاتير والصحافة، ويحب التبكيت والتنكيت في كتاباته ورسوماته، ولهذا استعجل الحياة العملية وترك كلية الحقوق، على خلاف رغبة أبيه، وعمل فى العديد من الصحف فى السعودية، وأصبح شخصية صحفية معروفة، وكثيراً ما كان يفاجئهم بما لم يكونوا يتوقعونه، سواء من خلال كتاباته الساخرة أو رسوماته المبدعة أو أشعاره الرائعة، و«صلاح جاهين» عرفه بعض الناس من خلال رسوماته الكاريكاتيرية، والبعض عرفه من خلال كتاباته للرباعيات، والآخرون عرفوه من خلال كتاباته الرائعة للأغانى الوطنية التى تفيض حماسة، وغيرهم عرفوه من خلال تمثيله فى بعض الأفلام، حيث كانت تستهويه فكرة التمثيل.

ويقول «لويس جريس» يعتبر «صلاح جاهين» أول رسام كاريكاتير يرأس تحرير مجلة مصرية، وهى «صباح الخير».. وكانت تجربة فريدة وممتعة وجريئة، قام بها «أحمد بهاء الدين» صاحب قرار تعين «صلاح جاهين» رئيس تحرير.

ودائماً كان «صلاح» يقدم ما لا يتوقعه القارئ، ذلك لأنه عندما كان ينظر إلى أى عمل، فكانت نظرته تختلف فيه عن غيره، سواء كان هذا العمل قصيدة، أو قصة، أو رواية، أو خبراً صحفياً، أو رسمة كاريكاتيرية، لأنه كان ينظر إليها بعين المدقق الذى يفحص ما بين يديه ويستجلى أمره، بل يغوص فى تفاصيله، حيث كان يخوض فى بحور كثيرة، قد يغرق هو فيها بنفسه، لأنه كان من الذين يهتمون بالتفاصيل، وكان يتقن البحث والتدقيق حتى يدرك قيمة ما بين يديه.

ولهذا تميز «جاهين» فى «صباح الخير»، وكان يكتب صباح الخير يا (....) ثم يضيف إليها من يريد أن يتحدث عنهم مثلاً: صباح الخير يا (رجال الأمن، أو يا رؤساء الجامعات، أو يا نظار المدارس) وهكذا.

و«صلاح جاهين» كان من الشخصيات الذين يستقبلون الشباب ويحسنون إبراز مواهبهم، خاصة الذين يكتبون الشعر أو يجيدون الرسم، ومن يجد فيه بارقة أمل كان يقدمه بشكل جيد، وقد لا يعرف الكثيرون أنه هو الذى قدم «عبدالرحمن الأبنودى» و«عبدالرحيم منصور» و«سيد حجاب» فى شكل جميل مع أشعارهم من خلال «صباح الخير»، لأنه كان يستطيع بعين الناقد أن يلتقط الموهبة، من بين الآلاف خاصة ممن يكتبون الشعر أو يرسمون الكاريكاتير، ليحتضنهم ويشيد بهم ويحسن تقديمهم لجمهور القراء.

وعن تولى «صلاح جاهين» رئاسة تحرير «صباح الخير» يقول صاحب الذكريات: في هذه الفترة كان الأستاذ «هيكل» يرأس مؤسستى «الأهرام» و«الأخبار»، والأستاذ «أحمد بهاء الدين» يرأس «روزاليوسف» و«دار الهلال» وكان التنافس بينهما شديداً، وقد نجح «هيكل» فى إغراء «إحسان عبدالقدوس» الذى كان يعمل مع «بهاء الدين» فى «دار الهلال» وأقنعه أن يترك «بهاء» ويأتى للعمل معه فى «أخبار اليوم» بل يتولى رئاسة تحرير «الأخبار»، فرد عليه «أحمد بهاء الدين» بأنه نجح أيضاً فى إقناع «صلاح جاهين» بالعمل معه، بل خطفه من «الأهرام» وعينه رئيس تحرير مجلة «صباح الخير»، وبمجرد وضع اسم «صلاح جاهين» على «صباح الخير»، ارتفع التوزيع.

وكان «لويس جريس» مدير تحرير «صباح الخير» فى هذه الفترة، وكان حريصاً على أن يجعل المؤسسة الصحفية تهتم بالموضوع أكثر من اهتمامها بالمحرر كاتب الموضوع، ولهذا كان يبرز عنوان الموضوع أكثر من إبرازه للكاتب، وكان الباعة فى تلك الفترة، ينادون على اسم الصحفى فى الشارع، بدلاً عن أن ينادوا على الخبر أو التحقيق أو الحوار.

وكانوا ينادون: اقرأ لـ«فكرى أباظة» أو «موسى صبرى» أو «هيكل»، ولكن لاهتمام «لويس جريس» بالموضوع الصحفى، وجعله النجم وليس الكاتب، فأصبح الباعة ينادون: اقرأ فى «صباح الخير (كذا وكذا)، ويقولون اسم الموضوع.

ويقول «لويس»: ربما هذه هى الإضافة الوحيدة التى يمكن له أن ينسبها لنفسه فى تلك الفترة.

وجاء «صلاح جاهين» وعمل على الاعتماد على أبناء المؤسستين «روزاليوسف» و«دار الهلال» في النهوض بهما، وحاول قدر الإمكان أن يجعلهم نجوماً فى العمل الصحفى، فقد كان إنساناً بمعنى الكلمة، وأراد أن يجعل «صباح الخير» عبارة عن كاريكاتير، ومقالات قليلة وقصيرة لا تتعدى عموداً صحفياً، وباقى الصفحات كاريكاتير.

فقال لويس: يا «صلاح» هذا لن ينفع، لأن لدينا أكثر من عشرين محرراً، و10 رسامين كاريكاتير فقط، فماذا سنفعل بالمحررين؟

صلاح: طب قول لى هنعمل إيه يا «لويس» أنا عاوز أطبق الفكرة ديه؟

لويس: نترك المواضيع كما هى، والرسامين يُخدمون عليها، وعلى الرسام أن يقرأ الموضوع ثم يضيف إليه رسماً يعبر به عن الموضوع الصحفى، (وهكذا تم حل الأزمة).

ويقول «لويس»: كان بينه وبين «صلاح جاهين» سنة أو سنتين فرق في العمر، وكان يوجد توافق كبير بينهما، فى العمل، وخارج العمل، ومع هذا يعتبر «صلاح جاهين» نقطة فارقة فى تاريخ «صباح الخير»، لأنه استطاع أن يبرز دور العملية الصحفية فى نجاح المؤسسات الصحفية، التى بها كُتاب ورسامون متفوقون، وعليها أن تقف على قدميها، ولهذا أثبت «صلاح جاهين» أنه أنقذ «صباح الخير» فى مراحل حرجة بل كان لحظة فارقة فى «دار الهلال» و«روزاليوسف» و«الجمهورية».

وفى صباح 6 يونية.. يقول كاتبنا الكبير: بعد التأكد من الهزيمة القاسية، وضياع سيناء بالكامل، واكتشاف حقيقة ما كان يجرى من كوارث، والظلم الفادح الذى وقع على الجندى والضابط المصرى، وعلى القوات المسلحة بالكامل لأنها لم تعط الفرصة للقتال والدفاع عن سيناء، وضياع المسئولية بين الرئيس «عبدالناصر» وبين المشير «عامر».. وبناء على هذه النتائج «صلاح جاهين» اتصل به تليفونياً وأيقظه من نومه، وأخبره لن يعود إلى العمل فى «صباح الخير»، وأنه ترك له رسالة فى درج مكتبه اليمين، وعليه أن يقرأها ويستوعبها، وعندما ذهب «لويس» وأخذ الرسالة ونظر فيها، وجد بها رسماً بيانياً لصعود وهبوط «روزاليوسف» و«صباح الخير»، وجملة تقول: تمنياتى لك بالتوفيق، بالنهوض بمجلة «صباح الخير» و«روزاليوسف»، وترك «صلاح جاهين» مؤسسة «روزاليوسف» نهائياً ولم يعمل فى «صباح الخير».

وحينها كانت «روزاليوسف» توزع 165 ألف نسخة، و«صباح الخير» توزع 155 ألف نسخة، وتدهور الحال صباح يوم الاثنين 5 يونية 1967 وانهار التوزيع وتدهور، واستمر فى التدهور إلى أن أصبحت «روزاليوسف» توزع 8 آلاف، و«صباح الخير» توزع 18 ألف نسخة، ذلك بسبب طغيان العمل الإعلانى، وإدارة المطابع، وعزوف القارئ عن المطبوعات بسبب فقدانه الثقة فى كل ما كان يكتب وينشر.

ثم بعد ذلك أصيب «صلاح جاهين» بالاكتئاب، وفرض على نفسه عزلة شديدة، بعدما كان يروج لـ«عبدالناصر» وللخطط التى كان يتحدث عنها «عبدالناصر»، والأحلام التي كان يحلم بها «عبدالناصر»، لأنه

كان مؤمناً بـ«عبدالناصر»، وبأحلامه وأهدافه، ولهذا كان يروج لها من خلال كتاباته وأشعاره، وكان يعتقد أنها حقيقية وسوف تتحقق، ولم يكن يشك لحظة أنها أكاذيب وأوهام، وعندما انهار كل شىء فى 5 يونية، فاق «صلاح جاهين»، وتأكد أنه كان يروج لأكاذيب ولأحلام كاذبة.

ويقول صاحب الذكريات: ومن هنا «صلاح جاهين» لام نفسه على هذه المشاركة المضللة لوعى الشعب المصرى، التى زيفت الحقائق، وغيبت وعيه، فأضاعت أمله وأفاق على كابوس مرعب ومذل، التى لو كان مدركاً لها ما كان شارك فيها، لأن «صلاح جاهين» كان واضحاً مع نفسه، ولم يكن يفعل ما لا يقتنع به، ولهذ رأى أن ممارسته الصحفية غير نقية، لأنها كانت مبنية على أحلام وأوهام كاذبة، كان يحلم بها «عبدالناصر» وانساق وراءها «صلاح جاهين»، ورغم أنه عاد إلى «الأهرام» من خلال رسوماته الكاريكاتيرية، إلا أن زملائه وأصدقائه شعروا فجأة أنه لا يريد الاستمرار، وبدأ يتمرد، لأنهم كانوا يرسلون له بعض المحررين ليسألوه عن رأيه فى بعض الأمور السياسية، أو الأدبية، أو الثقافية، من خلال الحوارات الصحفية، لأنه كان قامة كبيرة وشهيرة، لا يمكن إغفالها في الصحافة، ولأنه لم يتأخر في لحظة من اللحظات عن الإشارة بكل ما كان يعتقد أنه صحيح، واعتقاده عن صحة الشىء من عدمه كان ينبع من إيمانه به وبأهميته، وأنه يعكس مصلحة الناس والوطن، لأن هذا ما كان يهمه ويشغله قبل أى شىء آخر، ولكنه انزوى بعيداً وانطوى على نفسه مكتئباً حزيناً، غير راغب فى المشاركة بأى جهد، فى أى أمر كان.

إلى أن حدثت المعجزة.. كما يقول لويس جريس: بانتصار حرب أكتوبر وعبور قناة السويس، واقتحام قواتنا المسلحة خط «بارليف»، فبدأ «صلاح جاهين» يخرج من هذا الاكتئاب، وكانت «سعاد حسنى» بدأت تصوير فيلم «خلى بالك من زوزو»، وذهبت إليه ليكتب أغانى الفيلم، ووافق «صلاح جاهين»، ومن هنا بدأت «سعاد» تخرجه من عزلته، بالأغانى التى كتبها للفيلم وحققت نجاحاً باهراً، ولهذا أحب «جاهين» الفنانة «سعاد حسنى» لكنه كان حباً من طرفه هو، ويوضح قائلاً: كل من رأى «سعاد» أحبها.

ولكن فى تلك الفترة «منى قطان» زوجته الثانية فاجأت الجميع بنشر كتاب من الكتب التى يطلق عليها بالأدب المكشوف، معتبرة أن هذا الأدب يمكن أن يصل بها إلى الشهرة السريعة، وتحدثت فيه عن أمور خاصة وفى منتهى الحساسية، وتخص «صلاح جاهين» كالعلاقات الجنسية بين زوج وزوجته، وهذه الأمور أهانت «صلاح جاهين» وجرحته جرحاً كبيراً فأصيب بالاكتئاب الشديد مرة أخرى، فأخذه «بهاء» ابنه وعاش معه.

وعن علاقة «صلاح جاهين» بـ «عبدالحليم حافظ»، يصفها لويس بأنها كانت علاقة قوية جداً، وقدما من خلالها أفضل الأغانى الوطنية حتى يومنا هذا، ويذكر كاتبنا الكبير: عندما كانا يعملان فى «روزاليوسف» بالمبنى القديم بشارع «حجازى» الذى يطل على شارع مجلس الوزراء، وحينها كان الرئيس «عبدالناصر» سيخطب فى مجلس الوزراء، وبدأت الجماهير تحضر حول مبنى مجلس الوزراء لمشاهدته والاستماع إلى الخطاب.

فقال صلاح: يا «لويس» إيه رأيك تعالى نقف وسط الناس، ونستمع إلى خطاب الرئيس معهم، وبالفعل نزلا ووقفا وسط الناس، ثم خرج عليهم «عبدالناصر» وخطب وانتهى من الخطاب، ثم صعدا «صلاح ولويس» إلى «روزاليوسف» ودخل كل منهما إلى مكتبه، وبعد مرور 10 دقائق، خرج «صلاح جاهين» إلى لويس جريس» ليقرأ عليه أغنية «إحنا الشعب، إحنا الشعب، اختارناك من وسط الشعب».

ثم تحدث «صلاح جاهين» مع «عبدالحليم حافظ» و«كمال الطويل» وقال لكل واحد منهما إنه كتب أغنية «إحنا الشعب»، واتفق معهما على تلحينها وغنائها، ولهذا يؤكد «لويس»: أن «صلاح جاهين» كان لديه ثقافة موسيقية، لأنه وهو يؤلف الأغنية، يستطيع أن يدندن موسيقاها، ومرات عديدة كان يوحى للملحن بطريقة التلحين.

فقد كان «صلاح جاهين» فنان حساس وذو حس مرهف، والكلمات لديه لها معنى ومغزى، ولم تكن مجرد كلمات، ولكنها كانت تخرج فى شكل أغنية يريد أن يوصلها إلى الناس، لأنه كان قيمة وقامة كبيرة سوف تتذكره الأجيال القادمة بكل الخير.

ويضحك «لويس» قائلاً: رغم أن كل إنسان يتمنى أن يخلد اسمه أو اسم أحد من أقاربه، بإطلاقه على اسم شارع أو ميدان، إلا أن «جاهين» كان مستاء جداً من إطلاق اسم جده لأمه «أحمد حلمى» على ميدان موقف أتوبيسات تتجه إلى قبلى وبحرى، وهذا لم يسره أبداً، وكان يتحدث عنه بمرارة شديدة.