عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شارع المعز: الأضواء والألوان في العمارة الإسلامية

شارع المعز
شارع المعز

فى أطروحته الهامة لنيل درجة الدكتوراه عام 1999 والمعنونة «عن العمارة الإسلامية» يسافر الدكتور والباحث العراقى «على الثوينى» والذى يقيم حالياً بالسويد فى رحلة روحية عبر الألوان ودلالاتها الفلسفية فى العمارة الإسلامية والتى جعلت من المنشآت الإسلامية من مساجد وبيوت وعمائر غاية فى الروعة والجمال والسكينة الروحية حيث يرى:

ان اللون ارتبط بمصدرين جوهريين فى فن العمارة الإسلامية أولهما النور القادم من السماء المقترن بالخالق الأعلى فهو (نور الله) سبحانه أو (نور القلوب) بما يعنيه الإيمان المنّور لدواخل النفس المظلمة. وثمَةَ تداخل لغوى ذو دلالات بين كلمتى «ظلمة» و"ظلم" المقترن بقبح الظلم والطغيان المنافى لجمال العدل. وهكذا احتسب كل انحراف واختلال قبح، لأنه ابتعاد عن الجمال الواجب اقترانه بإرادة الله سبحانه وتعالى.

ويشير الدكتور «على الثوينى» إلى ان بذلك المفهوم فان اللون وجماله يقترن مع وجود الضياء ثم يتداخل فى المفهوم مع العدل والقسطاس الإلهى. وأصبح الأسود المظلم لون الحزن والألوان المشعة دالة على الحبور فى الأعراف الشعبية .

وثانى الحوافز المرتبطة باللون هى العين كأداة جاسة لذلك النور واللون والعين ذكرها الله فى مجمل نعمه على الناس. ناهيك عن اعتبار اختلاف الألوان فى ناموس الطبيعة والخلق بحد ذاته معجزة ربانية تدعو للانتباه وان تكريسها لم يكن يوما ما عبثا، لقد وردت كلمة اللون ومشتقاته تسع مرات فى سبع آيات كريمة. ووردت فى القرآن ألوان الأخضر والأصفر والأبيض والأزرق والأسود والأحمر. وقد ورد اللون الأسود فى أربع آيات قرآنية وصفت فيها المجرمين والكفار والمنافقين أما الرابعة فجاءت تصف توقيت بدء الإمساك عن الطعام فى رمضان. أما اللون الأبيض فتكرر ذكره فى تسع آيات كريمة ودل على الهداية والنقاء والصفاء والحب والخير والحق والمشاعر الإنسانية، وتداخل مع القدسية ورمز لصفة الخالق ونجدها فى العرف الشعبى بمقولة «راية الله بيضاء»، ثم جاء فى لون الكفن ولباس الإحرام خلال شعائر الحَج، ولا غرابة أن حاكى ذلك عقائد سابقة للإسلام.

وورد اللون الأزرق مرة واحدة يدل على زرقة السماء المنعكسة على صفحة ماء البحر. وورد اللون الأحمر مرة واحدة فى وصف الجبال. أما الأصفر فيرد ثلاث مرات دالا على مرحلة نضج الثمار مرة ووصف لمشهد يوم القيامة والرياح الحانقة فى أخرى أو للتعبير عن البهجة كما فى قوله تعالى (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِين) (سورة الفرقان الآية (45). واللون الأخضر يتكرر فى ثماني آيات ويرمز فيها الى سر الروح والنضارة والجمال والشجر والنبات والثمر والطير والفراش والبساط والثوب. وهو أكثر الألوان متعة فى الذكر الحكيم.

وبين بارد وساخن الألوان يكمن اللونان الأبيض والأسود، حيث يمثلان الحالة الحيادية لتصنيف الألوان، وبذلك يتحكمان جوهرياً فى قيمة اللون. ويمكن الحصول عليهما فى العمارة من لعبة النور والظلال التى تكتنف تركيب العناصر المعمارية فى الخارج فى حركة القباب والقبوات والبواكي، ثم تفصيليا فى هيئة الطنوف والمشربيات وتدرج أجزاء البناء التكعيبية والأفاريز والحنايا وطرز الخط العربى أو فى السطوح الداخلية المنحوتة الناتئة ذات البعدين أو حتى من خلال لعبة التناوب فى محطات.

 (المقرنصات). وفى حركة الظل هذه تكمن إحدى خبايا الجمال المعمارى والفنى فى إبداع المسلمين. حيث يصنف الفن الإسلامى من الفنون التى استثمرت لعبة المعتم والمضىء هذه مثلما كان الفن المصرى

القديم معتمدا على تمييز القيم اللونية عن بعضها، لتكون الألوان غير متدرجة ومسطحة وللطبيعة المحيطة وصورة الكون حضُورُهما فى المدى الفلسفى للألوان، فالأزرق يلقى الحظوة لارتباطه بالسماء، ولون الماء الذى هو جوهر الحياة (وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ). وبذلك جاءت الحظوة متداخلة مع روح الإسلام القادم من الصحراء وتماشيا مع الحس البارد المنعكس من طبيعة اللون الأزرق المحبب لأهل هذه البيئة الحارة. وقد انتقلت هذه الحظوة حتى على الشعوب التى تقطن البيئات الأكثر اعتدالا أو الباردة مثلما حدث لفنون (آسيا الوسطى) و(القوقاز) و(تركيا) و(البلقان) و(التتار) فى روسيا وبولونيا .وخير الأمثلة للعمائر الزرقاء نجدها فى مجموعة مساجد تبريز وقونية وبورصة واسطنبول وسميت بالجامع الأزرق بسبب ما غشيت به من القيشانى الأزرق. ومن أبرز ما يميز المناظرَ فى العمران الإسلامى هى ألوانها الفاتحة، ويعزو البعض من منظرى الفن الإسلامى الى أن ذلك يرجع إلى الفطرة البدوية التى جُبل عليها فى بيئته الصحراوية المضيئة الساطعة.

ويعتبر الأخضر حسبما يقول الدكتور «على الثوينى» فى المنظور الإسلاميِ، اللون المهيمن دائما على الألوانِ الأصلية الثلاثة، وهى الأزرق والأخضر والأحمر، المتواجدة فى لون الطّبيعة، أما امتزاج الأصفر والأزرق فينتج عنه اللون الأخضر، الذى يرمز بالأملُ، والخصوبة والخلود المرتبطة أساسا مع بعدى اللونين المكونين له وهما (الأزرق) الدال على الماضى و(الأصفر) الدال على المستقبل، وما يعاكسُهما فى ذلك والذى يمثل الزمن الحاضر فيبدو أحمرَ اللون. ويجدر بنا أن نلاحظ أنّ اللّونَ، الأخضر، يمهد الطريق لحلول الألوان الفيروزِى والنيلى (ومن ذلك جاء وصفهم للسماء بالقبة الخضراء).

وأثبت «أوين جونس» الذى بحث فى أواسط القرن التاسع عشر خصوصيات الفنون والألوان فى قصر الحمراء فى غرناطة وشارك فى ترميمها واصفا إياه (إذا استثنينا المينا (الزليج أو القيشانى) الذى يغطى أسفل الجدران: يمنحك اللون فى قصور الحمراء انطباعا بأنه لا يحمل وظيفة فنية قائمة على عنصر الزخرفة فحسب، بل إن له بعدا فلسفيا أيضا. فاللون له علاقة بالضوء. إنه أحد مكونات الطيف الشمسى، فالضوء فى الفلسفة الإسلامية رمز للنورانية. وهذا يؤكد أن حضور اللون هو بمثابة تعبير عن الوجود الإلهى، لأن اللون لا وجود له بدون الضوء.