«الخالدون مئة أعظمهم محمد» بين الترجمة المغلوطة والنص الأصلي
على رغم مرور أكثر من ثلاثين عاماً على صدور كتاب «الخالدون مئة أعظمهم محمد» لعالم الرياضيات والفيزياء اليهودى الأمريكى «مايكل هارت»، وتحديداً عام 1978 وترجمته الى اللغة العربية على يد الكاتب الكبير «أنيس منصور»، إلا أن الكتاب يثير الجدل حتى الآن بين مؤيد له يجد ان وضع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على رأس قائمة مئة شخصية هى الأكثر تأثيراً فى التاريخ الإنسانى هو إنصاف من رجل علم غربى انحاز بشجاعة للحقيقة، وبين معارض يرى ان المترجم وهو هنا الكاتب الكبير أنيس منصور حرّف كثيراً فى النص الأصلى للكتاب وابتعد عن المنهج الذى على اساسه اختار المؤلف «مايكل هارت» قائمته وهو ابعد ما يكون عن الانصاف لنبينا الكريم بقدر ما هو منهج علمى بحت عن مدى تأثير شخصيات تاريخية على مسار الاحداث وهنا يتخذ المعارضون والمنتقدون لهذا الكتاب مثالاً واضحاً وهو اختيار المؤلف للزعيم النازى «هتلر» والزعيم السوفيتى «ستالين» من بين الشخصيات الأكثر تأثيراً على الرغم من تاريخهما الدموى.
البداية فى العنوان الحقيقى للكتاب بعد ترجمة نصه بالانجليزية الى العربية: (المئة: ترتيب أكثر الشخصيات تأثيراً فى التاريخ) حيث يقر المؤلف بأنه جمع أفضل 100 شخصية أثرت فى مسار التاريخ.. ومحمد (عليه الصلاة والسلام) هو أعظم هذه الشخصيات على الاطلاق وقد ذكر لنا فى هذا الكتاب أكثر مائة رجل تأثيرا على البشرية وذكر منهم: (آزوس – أرسطو – بوذا – كونفوشيوس – هتلر - أفلاطون – زرادشت - وغيرهم،) واعتمد فى تقييمه على درجة التأثير،ويصفهم بترتيب تفوقهم فى هذا التأثير من رقم واحد وحتى رقم مائة، ووضع النبى محمد فى المرتبة الأولى ووضع المسيح عيسى فى المرتبة الثالثة و موسى فى المرتبة السادسة عشر.
يقول مايكل هارت (والحديث لأنيس منصور فى مقدمة الكتاب) ويقول: انه عندما كان الفيلسوف الفرنسى «فولتير» فى بريطانيا أن اشترك فى مناقشة موضوعها: من هو الأعظم: الامبراطور الرومانى يوليوس قيصر أو القائد الاغريقى الاسكندر الأكبر أو القائد المغولى العملاق تيمور لينك أو الزعيم البريطانى كرومل؟
وكان الرد على السؤال أن قال احد المتناقشين: بل أعظم الجميع: العالم الرياضى البريطانى اسحاق نيوتن
وكان رد فولتير: فعلا نيوتن اعظم لأنه يحكم عقولنا بالمنطق والصدق وهؤلاء يستعبدون عقولنا بالعنف ولذلك فهو يستحق عظيم الاحترام.
ولكن أسباب العظمة والتأثير عند «مايكل هارت» مؤلف الكتاب مختلفة عن قياس الفيلسوف الفرنسى الشهير «فولتير» فهو يختار سيدنا «محمد عليه افضل الصلاة والسلام» على رأس المئة شخصية لاسباب اخرى معللا: إن اختيارى لمحمد (صلى الله عليه وسلم) ليأتى فى المرتبة الأولى من قائمة أكثر أشخاص العالم تأثيرا فى البشرية قد يدهش بعض القراء وقد يعترض عليه البعض ولكنه كان الرجل الوحيد فى التاريخ الذى حقق نجاحا بارزا على كل من المستوى الدينى والدنيوى.
اتبع «مايكل هارت» مؤلف الكتاب أسساً محددة فى ترتيب الشخصيات ووضع شروط لاختياره منها: أن تكون الشخصية حقيقية عاشت فعلاً، وأن تكون الشخصية غير مجهولة، فهناك مجهولون عباقرة مثل أول من اخترع الكتابة لكنه مجهول، وأن يكون الشخص عميق الأثر وأن يكون له تأثير عالمى وليس إقليميا فقط، بالإضافة إلى أنه استبعد كل من كان قيد الحياة.
يقول «مايكل هارت» عن رسولنا الكريم « محمد صلى الله عليه وسلم: (أن أكثر من اخترتهم فى كتابى هذا ولدوا فى شعوب متحضره سياسيا وفكريا الا هو - صلى الله عليه وسلم - ولد عام 570 ميلاديا فى منطقه مكة المكرمة فى جنوب شبه الجزيرة العربية والتى تعتبر منطقة متخلفة من العالم القديم بعيده عن الحضارة والثقافة والفن)
ايضاً يقص «مايكل هارت» قصة الرسول عليه السلام ابتدأ من نشأته يتيما حيث ولد يتيم الأب وماتت أمه وهو فى سن السادسة ، وفى سن 25 تزوج السيدة «خديجة « رضى الله عنها -أما عن أهل مكة فقد كانو
فالكاتب حسبما تقول الباحثة الاسلامية «ريم أبو الفضل» يرى أن قيمة الإنسان وخلوده تنبع من عظمة الأثر الذى تركه خلفه، ولذلك فهو يرى أن العظماء والساسة أهم من رجال الفن والأدب والعلم، ومن هنا يرى «مايكل» أن «محمدا» يستحق أن يكون على قائمة الخالدين للأسباب التالية:
أن «محمدًا» له تأثير فى التاريخ، فهو القوة الدافعة وراء الفتوحات العربية، ويمكن تصنيفه كأشد الناس تأثيرا فى التاريخ.
أن «محمدًا» لم يكن قائدًا دينيًا فحسب (مثل عيسى)، بل كان أيضًا قائدًا فى شئون الدنيا.
اعتبر «محمدا» من أشد القادة السياسيين تأثيرًا فى التاريخ، فالفتوحات العربية فى القرن السابع لا زالت تلعب دورًا فعّالًا ومؤثرًا فى التاريخ البشرى، إلى يومنا هذا.
أن الجمع بين التأثير الدينى والتأثير الدنيوى هو الذى جعله يشعر أن «محمدًا» يستحق أن يُعتبر أعظم الأفراد تأثيرًا فى التاريخ.
ايضاً لايوجد بين صفحات الكتاب والمائة شخصية التى حددها «مايكل هارت» من المسلمين والعرب سوى سيدنا عمر بن الخطاب يحتل المركز الواحد والخمسون فرغم قلة خبرة الكاتب بالثقافة العربية (على حد اعترافه) إلا أنه صنف عمر بن الخطاب ضمن العظماء المائة واستند فى دفاعه عن قراره الى فترة حكمه التى تمتد الى 10 سنوات والفتوحات العظيمة التى تمت فى عهده وما تبعها من انتشار للاسلام, ولقيم الخير والعدل التى ساهم فى نشرها كما استند الى قوة شخصيته وذكائه وأخلاقه الرفيعة وعدله فهو الفاروق رضى الله عنه وأرضاه.