رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عادل درويش يكتب : الصحافة بين التوازن والحياد

عادل درويش
عادل درويش

 

تذكرت شكوى عرب من «تحيز» إعلام غربي في تحليلي لتغطية «بي بي سي» وبعض

الشبكات البريطانية في الأسابيع السابقة للاستفتاء على البقاء في الاتحاد

الأوروبي الخميس 23 يونيو (حزيران).

خرجت بانطباع أن التغطية التي تقودها «بي بي سي» تبث إشارات للاشعور

الجماعي البريطاني بالتصويت للبقاء في الاتحاد، رغم أن الغالبية الساحقة من

قراء الصحف مع الخروج من الاتحاد. ما هي الدلائل خاصة واستطلاعات الرأي

تشير إلى تقدم معسكر الخروج بخمس أو ست نقاط؟

قراء الصحف المطبوعة هم معيار أكثر دقة للرأي العام في بريطانيا من

التلفزيون بين المستهلكين لسلعة الإعلام. قارئ الصحيفة ينفق نقدا لشرائها،

ويبذل جهدا جسيما للحصول عليها، و95 في المائة منهم يشتري صحيفة تتفق

ورؤيته للعالم ومواقفه، بينما التلفزيون يشاهد مجانا بلا مجهود يذكر بريموت

كنترول في البيت كوسيلة ترفيه أساسا. ولأن الصحافة البريطانية هي مؤسسات

تجارية تعتمد على التوزيع، فشبه مستحيل أن تغضب القراء، وتتخذ موقفا مخالفا

لموقف أغلبيتهم. إحدى عشرة صحيفة يومية قومية ثلاث فقط (مجموع قرائها دون

المليون) تدعم البقاء في الاتحاد الأوروبي، وثماني صحف يزيد قراؤها على 13

مليونا يعكسون موقف أغلبية القراء (أي أكثر من الثلثين) مع الخروج من

الاتحاد الأوروبي.

لن أتهم «بي بي سي» بدعم الاتحاد الأوروبي، بل التفكير الجماعي. فمثلا نظرة

العاملين في قطاع السماكة للبحر تختلف عن نظرة المصطافين، وعن نظرة بحارة

الأسطول الحربي مثلا وكل مجموعة لها تفكير جماعي.

ولأن صحافيي «بي بي سي» من أبناء الطبقة المتوسطة يفكرون بطريقة افتتاحيات

صحيفة «الغارديان» (مثلا «بي بي سي» تعلن عن وظائفها الشاغرة طوال نصف قرن،

في موقع واحد الملحق الصحافي لـ«الغارديان»)، فالمألوف لديهم البقاء في

الاتحاد الأوروبي والغريزة الالتصاق بالمألوف، كما أنهم في مأمن من

السلبيات التي تتعرض لها الطبقات الفقيرة من تأثير الهجرة والاحتكارات الكبرى.

تغريدة «تويتر» انتقدت فقرة إذاعية تضمنت لقاءات بسبعة من الاقتصاديين،

أشاد خمسة «بفضائل» الاتحاد الأوروبي، بينما حذر اثنان من خسائر البقاء. رد

محرر البرنامج أن الوقت قسم بالتساوي بين البقائيين والخروجيين حسب

الإرشادات التحريرية للهيئة.

التوازن وعدم التحيز ضمن الإرشادات التي لا تذكر الحياد، فقرة 7 دقائق

تكونت من 120 ثانية مداخلات المذيع و150 ثانية متوازنة للبقائيين ومثلها

للخروجيين؛ لكن هل الفقرة محايدة؟

صوتان للخروج وخمسة أصوات للبقاء. توازن 150 ثانية لكل طرف لكن «الأغلبية»

حسب انطباع المستمع للبقائيين.

إرشادات التحرير طوق نجاة من غرق المحرر في تهمة التحيز.

وهناك الانتقائية، بترك معلومات ضرورية ليحدد المستمع أو المتفرج موقفه؛ أو

بانتقاء «الأفوكاتو» The advocate الذي يمثل وجهة النظر، التي يتعمد

البرنامج تقويتها أو إضعافها حسب انطباع المشاهد أو المتفرج بالموقف المسبق له.

الخروجيون والبقائيون ينتمون لجميع الأطياف السياسية. مجموعة «التصويت

للخروج» تضم ممثلي سبعة أحزاب ويشارك زعامتها بوريس جونسون عمدة لندن

السابق والنائبة العمالية جيزيلا ستيوارت، وتحمل جنسية مزدوجة ألمانية

وبريطانية، وضمن المجموعة ممثلو اتحادات عمالية (متشككة من العمالة غير

الماهرة من أوروبا الشرقية، حيث تخفض أجور أفقر طبقات المجتمع). المعلومة

ذكرتها 10 في المائة فقط من فقرات «بي بي سي» في أسبوعين بينما 85 في

المائة منها، استضافت الخصمين من داخل حزب المحافظين (45 في المائة منها

كانت بين وزراء محافظين فمجلس الوزراء منقسم). الانطباع لدى الجمهور ترسيخ

خرافة أن معركة الاتحاد الأوروبي، هي صراع داخلي في حزب المحافظين وليس

أخطر قضية قومية تواجه الأمة.

أما ترك الحقائق المهمة فمثل شكوى رئيس لجنة الشؤون الأوروبية في مجلس

العموم السير ويليام كاش لرئيس البرلمان من رفض رئيس الوزراء ديفيد كاميرون

الإجابة عن سؤال بعثته اللجنة كتابة قبل ستة أسابيع لتفسير ادعائه بأن

«بريطانيا حصلت على تنازلات من بروكسل، وفي استطاعتها استخدام الفيتو لمنع

توقيع معاهدات مستقبلية كانضمام تركيا». قانونيا لا يمكن قبول صحة الادعاء

إلا بتعديل الفقرة الأولى من معاهدة لشبونة، التي تلزم الدول الـ28 الموقعة

بالمضي نحو وحدة متكاملة. رئيس اللجنة كاش لا يزال ينتظر دستوريا أن يشرح

رئيس الحكومة للبرلمان كيف يؤمن هذا التعديل، قبل استفتاء يوم الخميس

المقبل. «بي بي سي» لا تذكر هذه المعلومة الأساسية للمتفرج والمستمع رغم أن

المرسوم الملكي لتأسيس الهيئة حدد مهمتها (كمبرر لتمويلها برخصة إجبارية

تحصل من كل البيوت) «تثقيف، وتقديم المعلومات، إلى جانب الترفيه» وبلا هذه

المعلومة سيصدق الناس بروباغندا حكومة كاميرون ومعسكر البقائيين، من دون

تفسير كيفية تطبيق الوعود. رد المسؤولون في «بي بي سي» بأن «ويليام كاش ذكر

المعلومة عند مقابلته في البرنامج الصباحي».. حق يراد به باطل، فقد قدمه

البرنامج على أنه يمثل الخروجيين.

وهناك حيلة تقديم الفقرة «متوازنة» لكن من زاوية تلصق السلبية بطرف دون

الآخر. أولويات أغلبية الناخبين بالنسبة للاستفتاء. السيادة الوطنية

والقرار الديمقراطي بتداول السلطة في الانتخابات (لا توجد آليات لتغيير

المفوضية الأوروبية التي تصدر القوانين بالانتخابات)، يليها الاقتصاد،

فالهجرة المرتبطة بتخفيض الأجور وتأثيرها على الخدمات. منطقيا يجادل ممثلو

الحركة النقابية العمالية الخروجيين في قضية تتعلق بتخفيض الأجور. لكن «بي

بي سي» تتعمد أن يمثلها زعيم حزب الاستقلال الذي تصوره على أنه عنصري معاد

للأجانب (رغم أن الحزب يريد فتح أبواب الهجرة من الكومنولث، وأغلب سكانها

من غير البيض، حيث يوجد الأطباء والتكنوقراط بثقافة بريطانية، لكن عضوية

الاتحاد تفتح الباب لهجرة من أوروبا الشرقية لعمالة رخيصة غير مؤهلة على

حساب الكومنولث)؛ والرسالة في العقل الباطن أن الخروجيين عنصريون.

الحيلة الأخرى تحويل دفة المناقشة في كل مناظرة من موضوع يجيده الخروجيون،

إلى موضوع نجح البقائيون في ترهيب الرأي العام به، في حالة الخروج،

كالهجرة، بتصوير الخروجيين كعنصرين، أو الاقتصاد بالتحذير من أخطار وهمية

تفلس الخزانة وفق تقارير (كلها تخمينية) روجها تحالف البنوك والاحتكارات

الكبرى (وهل يصدق أحد مثلا أن بنوكا عملاقة واحتكارات متعددة الجنسية يكون

«قلبها على المواطن الفقير»؟) كما حدث في مواجهة رئيس الوزراء مع جمهور في

استوديو تلفزيون.

وبلا فهم، كيف يوظف معدو البرامج ظاهر إرشادات التحرير ليحققوا عكس أغراض

جوهرها، سيصعب إثبات تهمة التحيز عند الشكوى لمجلس الصحافة، مثلما اكتشفت

مكاتب صحافية عربية قبل عامين.

 نقلا عن صجيفة الشرق الأوسط