عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

النقل النهري.. الكنز المنسي

بوابة الوفد الإلكترونية

كانت الملاحة النهرية عصب النقل أثناء الحضارة الفرعونية التى نشأت على ضفاف النيل، حيث كانت تقطع الأحجار المستخدمة فى إنشاء أهرامات الجيزة والمعابد من جبال الجرانيت الموجودة فى صعيد مصر، وهو ما يمنح نهر النيل اسم شريان الحياة، فمصر تتمتع بأكبر شريان مائى فى أفريقيا بطول 3126 كيلو مترًا داخل حدودها، تنقسم خطوط النيل الملاحية إلى ثلاث فئات، الأولى طرق ملاحية من الدرجة الأولى وطولها 2192 كيلومترًا، ولها أربعة محاور وتمتد من أسوان إلى القاهرة والرياح البحيرى عبر قناة النوبارية إلى الإسكندرية، الدرجة الثانية وطولها 121 كيلومترًا، وأخيرا طرق ملاحية من الدرجة الثالثة وطولها 813 كيلومترًا.

ولو أمعنا النظر لاكتشفنا أن نهر النيل، هو مفتاح السر فى حل مشاكل النقل على الطرق وتقليل تكاليفه، والحد من الحوادث وخفض التلوث، والأكثر أهمية خفض أسعار السلع، فطبقا للدراسات التى أعدت مسبقا على يد خبراء يابانيون أكدت ان العائد الاقتصادى لتطوير النقل النهرى يزيد على 20% سنويا.

استحوذ النقل البرى على نشاط نقل البضائع بالكامل واصبح هو المتحكم الوحيد بين الموانى، ازدادت أعداد المقطورات «التريلات» فارتفعت اعداد حوادث الطرق، وتحطم الاسفلت، وأصبحت الازمة المرورية والطاقة مصدر صداع يوميا للحكومة، لذلك بات الحل هو عودة الاعتماد على النقل النهرى لرفع العبء عن الموازنة العامة.

فرع رشيد ثروة هائلة يمر عبر محافظة البحيرة بعدة مدن إيتاى البارود وشبراخيت والرحمانية والمحمودية ورشيد تربطهما مسافة 150 كيلو، تتزاحم على طرقاتها سيارات النقل الثقيل، تتم أعمال الرصف والصيانة لهذه الطرق سنويا بتكلفة تتجاوز عشرات الملايين من الجنيهات، ولم تكلف الدولة وسعها الى تنفيذ مشروع للنقل النهرى فى تلك المسافة بل تركت نهر النيل للتجاوزات والمعديات النهرية غير المرخصة.

وبعيدا عن السرد والتغزل كثيرا فى النقل النهرى، فهى الوسيلى التى تصب فى صالحها جميع المقارنات، فمن حيث استهلاك الطاقة يأتى النقل البرى فى المرتبة الاولى بنسبة 60% وفى المرتبة الثانية قطارات البضائع بنسبة 30% وأخيرا النقل النهرى 20% أى ثلث استهلاك النقل البرى.

   

انخفاض التكلفة

تتعدد الموانىء النهرية، حيث تبلغ 44 ميناء موزعة على مستوى الجمهورية بطاقة تخزينية 1.2 مليون طن وهى أحد أهم عناصر البنية الاساسية للنقل النهرى، وهى المنافس الاقوى لوسائل النقل الاخرى كالسكك الحديدية والنقل بالسيارات اهم ما يميزه هو قدرته على نقل البضائع الغير تقليدية ذات الاحجام والاوزان والاطوال الكبيرة التى تتعدى ثلاثين مترا وتزيد عن 900 طن .

فالوحدة النهرية تصل حمولتها 900 طن يسييرها محركان قوتهما 460 حصانا كحد أقصى هذه الحمولة تحتاج الى قطار مكون من 23 عربة حمولة كل منها 40 طن يسيرها قاطرة 1600 حصان، اما نقلها بسيارات النقل الثقيل فإنها تحتاج الى 30 سيارة حمولة كل منها 30 طناً، اما عن استهلاك الوقود فالنقل البرى يستهلك 7 اضعاف النقل النهرى حيث ان 20 مليون طن بضائع يتم نقلها بالنقل النهرى توفر مليون ونصف المليون طن سولار، بما يساوى تقريبا 3.5 مليار جنيه، وهو ما يوفر للدولة 44% من قيمة الوقود المستهلك. وحسب الاحصائيات غير الرسمية فان النقل النهرى سيوفر لمصر 1.5 مليار دولار من السولار و6 مليارات جنيه صيانة طرق وسيارات عن الحمولات الزائدة، وتشير الدراسة الى ان كل 5 لتر من السولار تكفى لنقل طن واحد مسافة 550 كيلو متر نهريا، اما فى القطارات تسجل 333 كيلوا مترا، والطرق البرية نحو 100 كيلو متر.

دكتور أحمد سلطان خبير النقل البحرى واللوجيستى يرى انه للاهتمام بالنقل النهرى يجب مراعاة عدة عوامل تبدأ من توفير موانئ ومرافق نهرية لنقل البضائع والاشخاص، بالاضافة الى تطهير وتجهيز المجرى الملاحى وتفعيل نظام المراقبة، وتدريب العمالة، الى جانب تشجيع الاستثمار فى تملك وتشغيل الوحدات النهرية، ويكمل أحمد سلطان ان سياسة الترقيع التى تعمل بها وزارة النقل لن تفيد فى تحسين تلك المنظومة المهملة منذ عشرات السنين.

 

سياسة المسكنات

ليست هذا أول حديث عن اهمية قطاع النقل النهرى بل المهتم بذلك الاستثمار سيشعر أن الدولة تعمدت تجاهل تلك الطفرة فى مجال النقل، حيث أعلنت حكومات نظام مبارك عن تطوير منظومة النقل النهرى ومنها مبادرة عاطف عبيد رئيس الوزراء حينها بتشكيل لجنة للعمل بتلك المشروعات مع ميزانية العام الجديد وقتها. وكانت أول الموانئ التى كان مخططاً لتطويرها هى ميناء اثر النبى لاستقبال الحاويات القادمة من الاسكندرية، ولكن المحزن بعد مرور سنوات فالميناء مهجور ملجأ للبلطجية وفندق للكلاب والقطط

والصنادل أكلها الصدأ.

فى تلك الفترة خرج علينا وزير النقل حمدى الشايب بأن خطة الوزارة تتضمن تعميق المجرى الملاحى لنهر النيل وإنشاء موانى نهرية جديدة، وموقف للحاويات، وتشغيل أعمال الإنارة على جانبى المجرى الملاحى، والاستفادة من المراسى الخاصة بالمراكب السياحية واستغلالها كموانئ وتزويدها بمحطات صرف صحى .

وما سمعناه قديما لم يختلف عن حديث وزير النقل الحالى المهندس سعد الجيوشى وهو طرح وحدات النقل النهرى الموجودة حاليا على القطاع الخاص لشرائها وتشغيلها. ونتساءل هل تمر تصريحات الوزير مرور الكرام ولا نرى لها صدى على ارض الواقع كالحكومات السابقة ام انها خطة موضوعة بفترة زمنية للوصول بالقطاع النهرى الى مستوى متقدم.

 

التأمين والاختصاص

وكجميع القطاعات، فالنقل النهرى يحتاج الى عمليات تأمين خلال الرحلات وهو دور الادارة العامة لشرطة البيئة والمسطحات المائية التابعة لوزارة الداخلية، حيث لانشات ومراكب الهيئة تحتاج الى صيانة فمحركاتها تعمل ساعة وتتعطل ساعات، ودائما ما تذهب لتلبية الاستغاثة بعد فوات الاوان، ولا يعمى الاهتمام بالنقل النهرى نسيان الكوارث التى تحدث من حين لاخر، ففى 22 إبريل 2015 اصطدم صندل بأحد أعمدة كوبرى دندرة العلوى بمحافظة قنا، ولا ينحصر التامين على المراكب والصنادل فقط بل المؤسف هو سرقة الشمندورات الارشادية التى تم تركيبها والبالغ تكلفتها 200 مليون جنيه.

ومن المشاكل التى تقف حجرة عثرة أمام عودة النقل النهرى وعمليات تطويره، تعدد الجهات المسئولة عن النقل النهري. حيث تتوزع بين 7 وزارات. وتشمل النقل، والري، والسياحة، والداخلية والبيئة، والتنمية المحلية، والاستثمار، بالإضافة إلى محافظة القاهرة. وأدى ذلك إلى افتقاد التنسيق، وبطء اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، وتردى مستوى التشغيل. وتشمل المشاكل عدم ربط شبكة الموانئ النهرية، والبالغة 44 ميناء بالموانئ البحرية، أو خطوط السكك الحديدية ما أدى إلى اللجوء إلى وسائل النقل الأخرى. فضلا عن تقادم وحدات النقل النهرى الحالية، وسوء حالتها الفنية، وغياب العمالة المتخصصة، وهجرة ما تبقى من عمالة فى الخدمة. بسبب تدنى الأجور بالمقارنة بمجالات العمل الأخرى. بالإضافة إلى عدم توافر وسائل الشحن والتفريغ وتجهيزات الموانئ والمراسى النهرية.

اللواء يسرى الروبى خبير المرور الدولى فى أوروبا يرى ان قطاع النقل النهرى مهمل الى أبعد الحدود قديما كان لدينا الاتوبيس النهرى و على احدث مستوى بشبابيك زجاج ومكيف ايضا، الا أنه لا تجد له اثراً على سطح النيل، وقتها كانت مصر رقم 13 على العالم فى النقل وتسبق الولايات المتحدة فى هذا المجال، اما الان ليس لدينا أى معايير سلامة وامان داخل قطاع النقل النهرى فلا توجد المراسى المناسبة أو شمندورات خط السير، أو مراكب للقطر والاصلاح. ويضيف اللواء شريف الروبى أن حديث وزارة التموين عن سعيها لنقل البضائع التموينية نهريا هل راعت عوامل السلامة والامان للركاب هل وفرت الوحدات المبردة لنقل اللحوم على سبيل المثال. على وفرت مراكب التموين لتزويد الصنادل بالوقود اللازم، نحن امام منظومة تحتاج الى ارادة سياسية حقيقة للنهوض بقطاع النقل النهرى.