رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تاريخ الكويت دليل على نسيج شعبها المتماسك

الشيخ صباح الاحمد
الشيخ صباح الاحمد

عرفت دولة الكويت منذ بدايتها على أنها نسيج اجتماعى قوى، تجمّع شعبها بحثًا عن السلام والأمان, وتعتبر الكويت دولة حديثة حيث نشأت قبل ثلاثة قرون تقريباً في مطلع القرن السابع عشر الميلادي وعُرفت كإمارة مستقلة تُدير أمورها الاجتماعية والتجارية والتعليمية والقضائية، وتشير بعض المراجع إلى أنها عُرفت ككيان اجتماعي مستقل في سنة 1613, وكانت هذه الإمارة، قد تكونت من جموع قبليةٍ أكثرها من قبائل تقطن شمال ووسط الجزيرة العربية، وخاصة من نجد، وجماعات وافدةٍ من العراق وإيران، وكونت مجتمعاً متضامناً، عمل في مختلف المهن من رعي الأغنام إلى الزراعة البسيطة الموسمية، وأعمال البحر التجارية وصيد الأسماك والبحث عن اللؤلؤ، وكانت هذه التجارة رائجة في سواحل الخليج العربي.

 

نشأة الكويت..

واختلف المؤرخون في تحديد تاريخ نشأة الكويت، فهناك من يُرجع تاريخ نشأتها الى عام 1756, لكن هذا التاريخ ما هو إلاّ تاريخ نشأة الحكم وبداية اختيار الشعب الكويتي حاكماً له، وذلك بعد اكتمال البنية التحتية للدولة , ولو عدنا إلى ذلك التاريخ فإننا لا نجد في المنطقة نظاماً يربط بين الشعب والحكومة، أما الكويت فكانت بنسيجها الاجتماعي الذي جاء من البلاد المجاورة بحثا عن السلام والأمن مختلفة عن هذه المعطيات, وتآلف هذا الشعب، ورفض التعصب والتشدد في العقائد الدينية، وتجنب العصبية القبلية التي مزقت شعوب اخري، ونلاحظ ذلك من خلو معظم أسماء الأسر من ألقاب قبائلهم وعشائرهم، وكأنهم يريدون خلق حياة هادئةٍ يسودها الأمن والسلام.

وبذلك تكون الشعب الكويتي وعندما اكتمل نسيجه الاجتماعي قام باختيار حاكمه الشيخ صباح الأول، بمبايعة جماعية، ولم تكن توليته إطلاقا ليده في شئون الحكم بل كرمزٍ للبلاد يلتف حوله أصحاب الرأي، من علماء الدين وكبار التجار، وكانت الإرادة الشعبية أن تُدار الإمارةُ بنظام الشورى النابع من تعاليم الدين الإسلامي، وسارت الأمور بهذه الرغبة بأن يستشير الحاكم وجهاء الإمارة ولا ينفرد بحكمه، على أن يتكفل الشعب بتوفير أُمور معيشته هو وأسرته, وبقي هذا النهج وفق عُرفٍ غير مكتوب استمرحتى نهاية الحرب العالمية الثانية, ومع بداية النصف الثاني للقرن العشرين أخذت تجارة اللؤلؤ تبور إثر انتشار زراعة اللؤلؤ في اليابان، ثم ظهرت نتائج التنقيب عن النفط فصدّرت الكويت نفطها، وحل هذا المورد القومي مكان أعمال البحر، فهجر الناس البحر وأهواله للعمل داخل البلاد في شركات النفط وأجهزة الحكومة وفي إداراتها المختلفة.

 

اختيار الشعب لحاكمه..

لفتت ظاهرة اختيار الشعب لحاكمه في الكويت في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي،وسَيْر نظام الحكم بالعدل والشوري،  نظر كثير من المؤرخين، خاصة عند كُتّاب الغرب، كالألماني «كارل رتر» صاحب كتاب «علم الأرض», ففي دراسته لأرض الجزيرة والكويت سنة 1818 أطلق على إمارة الكويت اسم «جمهورية» عندما علم أن الحاكم منتخب من الشعب, وأطلق اسم (الجمهورية) أيضا الإنجليزي «ألكسندر جونتسون» في سنة 1847 في مؤلفه «أطلس العالم».

وفي هذا يقول المؤرخ الكويتي المعروف عبد العزيز الرشيد في مجال الحكم وإرادة الشعب: «ظل الحكم في أيامه - أي صباح الأول - إلى أيام مبارك الصباح شورى يستشير الحاكم وجهاء القوم فيما ينتابه من المهمات، وفيما يحفظ البلد من طوارئ الأحداث ويحميه من هجمات الأعداء، وليس له الرفض والخيار بعد أن يستقر رأيهم على أمر، لأن السلطة الحقيقية لهم، أي لأفراد الشعب وإنما يُعْطى اسم الرئاسة عليهم تفضيلاً.

وفي عهد أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر (1921) طالب الشعب بأن يُشارك في أمور الدولة، وطالب بإنشاء مجلس للشورى وذلك لإصلاح ما يمكن إصلاحه والتطلع إلى مستقبل أفضل للبلاد.

وهكذا تكوّن مجلس الشورى الأول، وبعد انقضائه تكّون المجلس التشريعى الأول في سنة 1938، ثم المجلس التشريعي الثاني في مارس من عام 1939، ومن كل ذلك نشأ عند الشعب الكويتي رصيد ديمقراطي استمر إلى أن تولى الشيخ عبد الله السالم الحكم, والذى كان من الرموز المطالبة بالحكم الديمقراطي منذ المجلس التشريعي الأول في 1938.

 كما أنهى الشيخ عبدالله السالم معاهدة الحماية الإنجليزية, وأعلن في التاسع عشر من يونية 1961 استقلال الدولة، وسعى إلى تأسيس مجلس الأمة وصدور الدستور الكويتي سنة 1962، هذه المظاهر الديمقراطية مهدت لتُربةٍ وأرضيةٍ آمنة، جعلت النّتاج الأدبي والثقافي في مأمن من التدخل الرسمي، وأَمِنَ العاملون على استثمار التنمية الفكرية والثقافية على مسيرة أعمالهم، لذا تُعتبر الكويت سباقة في التنمية الثقافية والتعليمية، ولقي المواطنون والوافدون فيها حرية للقراءة والكتابة والتعبير ، قلما كان لها نظير في البلاد الاخري انذاك, ولذا لم يكن غريبا ان ينعم أبناء الكويت بالأمن والاستقرار في ظل أجواء ما سمي بالربيع العربي التي هبت علي كثير من الدول العربية في السنوات الأخيرة.

 

التنمية الثقافية..

وحققت الكويت نجاحاً كبيراً في مسيرتها لأنها استثمرت في التنمية الثقافية خلال نصف قرن مضى، ولمتنازعها في ذلك الدوافع السياسية ولم تحجبها الشواغل الاجتماعية والرسمية، فبقيت الدوريات الثقافية منذ نشأتها بلا عائق رسمي، وفي منتصف الأربعينيات من القرن الماضى انطلقت من مصرموطن العلم والثقافة مجلة « البعثة » الكويتية علي يد مجموعة من المثقفين الكويتيين يتقدمهم الأديب عبد العزيز حسين لتكون خير سفير للكويت، فصارت مرجعاً من المراجع الأدبية والثقافية شارك فيه أدباءُ ومفكرو مصر، بأقلامهم النيرة، وكانت تستقطب الكتاب من الطلبة والأساتذة الكويتيين في مصر وداخل الوطن، واستمرت هذهالمجلة إلى مطلع الخمسينيات، وتزامن توقفها مع توقف مجلة الرسالة للأديب الكبير أحمد حسن الزيات، وقبلها بعقود زمنية أصدر المؤرخ والأديب عبد العزيز الرشيد مجلته المعروفة باسم (مجلة الكويت)، وذلك في سنة 1928 لتكون أول المراجع الأدبية داخل البلاد، ومجلة «كاظمة» في سنة 1948 للأستاذين أحمد السقاف وعبد الله الصانع.

 وجاءت حِقْبة الخمسينيات لتشهد صدور جريدة «الفجر» لتكون صوت نادي الخريجين، ثم صدرت جريدة «الشعب» كجريدة سياسية اجتماعية ثقافية... وظهرت في تلك الفترة ايضا مجلات «الرائد» صوت جمعية المعلمين، و«الإرشاد» صوت جمعية الإرشاد، و«الإيمان» صوت النادي الثقافي القومي.

 

«العربي» رسالة لكل  العربي

وفي 1958 صدرت مجلة «العربي» عن دائرة المطبوعات والنشر الحكومية التي كان يرأسها انذاك الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الحالي واستقدم لرئاسة تحريرها العلامة المصري الدكتور أحمد زكي, وعندما التقى مع المغفور له الشيخ عبدالله السالم حاكم الكويت قال له الأمير: « نريدها رسالة لكل عربي ولا تتخذ طابعاً محليا، وعليكم أن تبعدوا عن الزوابع السياسية وتسعوا إلى السلام,

واحتفلت الكويت في عام (2014) بمرور 56 سنة على إصدارها, وهكذا سلكت «العربي» الطريق كأحسن سفير للكويت وتجنبت رياح السياسة، وسعت نحو إيصال رسالة المعرفة والفكر والأدب لكل عربي، ولا تزال هكذا حتى يومنا هذا.

وسارت على هذا النهج كذلك سلسلة عالم الفكر، وسلسلة عالم المعرفة،والثقافة العالمية، والمسرح العالمي التي تصدر كلها عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الذي تأسس عام 1973 وأصبح الجهة الأساسية في تنمية الثقافة فيالكويت كثوابت لبُنية ثقافية سعت إلى إنماء الثقافة في الكويت ,وأنجز المجلس الوطني نشر ما تبقى من العمل التراثي الكبير «تاج العروس» الذي عملت وزارةالإعلام على نشره منذ منتصف الستينيات بجهود عربية مشتركة ليصل إلى عشرات المجلدات.

 

ملتقيات ثقافية واعلامية..

وعلاوة علي ذلك هناك العديد من المواسم الثقافية التي تقام في الكويت في كل عام وعلى رأسها مهرجان الكويت الثقافي البارز «مهرجان القرين»، ومعرض الكتاب السنوي الذي انطلق في العام 1973ومهرجان المسرح  العربي اضافة الي عديد من الملتقيات الثقافية والاعلامية التي ترعاها جمعيات ومؤسسات خاصة.

بالإضافة الي دور وزارة الاعلام والهيئات التابعة لها فإن لجامعة الكويت إصدارات دورية وبحوث ودراسات منذ تأسيسها في سنة 1966من أبرزها موسوعة العلوم السياسية، كما تصدر في الكويت الآن نحو 20  صحيفة يومية وأسبوعية, علاوة علي عشرات الدوريات الأسبوعية والشهرية ونصف الشهرية, هذه الكمية الهائلة تعد الأولى بزخمها في قطر عربي مقارنة بعدد السكان، وتدل على اتساع رقعة الحرية المتاحة للمواطن والمقيم على أرض الكويت.

 وتشارك رابطة الأدباء في النشاطات الثقافية وتصدر مجلة «البيان» وهي ثقافية أدبية منذ سنة 1966، ولها إصدارات تخصصية في الأدب، وأصدرت منها حتى الآن عشرات الكتب، وهناك مؤسستان ثقافيتان أهليتان تهتمان بالأدب والشعر العربي الأولى مؤسسة البابطين للإبداع الشعري، التي أنجزت عملها الكبير «معجم البابطين للشعراءالعرب المعاصرين » في عدة أجزاء من الحجم الكبير، وأخيراً معجم البابطين للشعراءالعرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ولهذه المؤسسة إصدارات لأعلام الأدب والشعر العربي، وتعقد مهرجانات عربية ودولية وتنقل أنشطتها إلى عواصم العالم العربي, وتهتم بنشر الإبداعات الشعرية في العالم العربي، وكذلك بالشعر العربي في بلاد غير عربية, وتُعنى بالشعر والشعراء، وهي جائزة سنوية قيمتها المادية (100.000) مائة ألف دولار. وتتكفل المؤسسة بتعليم 1500 طالب من الجمهوريات الإسلامية الآسيوية التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي.

 

مؤسسات ثقافية..

ومن الأعمال الكبيرة التي شهدتها دولة الكويت افتتاح مكتبة البابطين للشعر العربي وهي المكتبة الوحيدة من نوعها في العالم العربي، وتم افتتاحها في عام 2006 وتولى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد رعاية احتفاليتها الكبرى وتشعبت أعمال المؤسسة حتى شملت مركزا للترجمة إلى العربية وبالعكس, وأقامت هذه المؤسسة دورات تعليمية لعلم العروض في الشعر في جامعة الكويت وكلياتها وفي البلاد العربية الشقيقة, كما أقامت ندوات أدبية منها ندوة عن الشاعرين الكبيرين أحمد شوقي ولامارتين في باريس، وفي طهران كان الملتقى الكبير عن سعد الشيرازي وأشعاره في العربية والفارسية وذلك عام 2000 تلتها عدة ندوات في العواصم العربية.

 و منذ سنوات قليلة أنجزت المؤسسة عملاً كبيراً أثناء عقدها دورة معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر والعشرين،حيث عقدت هذه الدورة في الكويت تحت رعاية أميرالكويت الشيخ صباح الأحمد وشهدت مدينة مراكش المغربية انعقاد الدورة الرابعة عشرة تحت شعار دورة ابي تمام وشهدت الدورة الاحتفال بذكري مرور ربع قرن علي انشائها، وتسعى هذه المؤسسة إلى تقريب المسافة بين الحضارات بالتبادل الثقافي ونشر المعرفة، بعد أن باعدت السياسة بين الأمم والشعوب, كما افتتحت المؤسسة مركزاً لحوار الحضارات ومركزاً للترجمة ومعهداً عربياً أوروبي للحوار بين الثقافات فضلا عن مئات الاصدارات التي أمدت بها المؤسسة المكتبات العربية والأجنبية.

وهناك أيضاً «دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع» التي انطلقت في بدايتها من القاهرة كذلك منذ ما يقرب من ربع قرن، وأثرت المكتبة العربية بسيل كبير من المنشورات في كل فنون المعرفة، ورصدت الجوائز القيّمة للمؤلفين الشباب في فنون الثقافة والعلم، وحصدت جوائزها الكبيرة أسماء كثيرة من العالم العربي، ولاتزال هذه المؤسسة التي استقرت في الكويت تمد الوطن العربي بإنتاجها الثقافي الواسع، وبادرت بتكريم شخصيات عربية ثقافية في حياتهم وأصدرت كتباً عن تاريخهم وإبداعاتهم وأثرهم في الحياة الثقافية العربية.