عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

فـــؤاد مطـــر تكتب : تأملات في التغريب والتفريس

 فـــؤاد مطـــر
فـــؤاد مطـــر

 

ازدهرت في عام 2015، الذي ما زلنا نعيش ارتدادات زلازله الإنسانية

والاستكبارية والنفطية، ظاهرة لافتة للانتباه تكاد تندرج من ناحية مضارها

في بند «الفيروسات» التي لها مفعول التلوث.

وتتمثل هذه الظاهرة في أن اللغة العربية صرفًا ونحوًا تتراجع ولم تعد في

المناهج الدراسية في أكثرية المدارس في ديار الأمة ذات أولوية، وهذا أوجد

أجيالاً من أبناء الأمة لا يميزون بين المنصوب والمجرور والمثنى بالجمع، وهو

ما نلاحظه أحيانًا لدى بعض الذين يقرأون نشرات الأخبار من الفضائيات

والإذاعات. وأما الصغار من أبناء الأمة فإن ابتكارات العصر التي باتت

متيسرة في أيديهم وحقائبهم يستعملونها حتى وهم في الفراش، أخذت الكثير من

طريق الاهتمام بإتقان اللغة العربية على قواعد الصرف والنحو الغائبة من

مضامين تلك الابتكارات، فما عاد هؤلاء يلفظون العبارات وفق الأصول.

كما أن الظاهرة تتمثل في موجة المشاريع العمرانية في مصر التي تحتضن الأزهر

وأئمة الفقه، ورواد الحفاظ في الزمن الغابر على لغة الضاد، لكي تبقى في

منأى عن التلاعب بها، وهي ظاهرة تزايدت ويكاد لا تمر أسابيع إلا ونرى على

صفحات بعض الصحف المصرية، أو على شاشات بعض الفضائيات، إعلانات عن مشروع

سكني جديد. ونستغرب كيف أنه نادرًا ما يتم إطلاق أسماء عربية على هذه

المشاريع، وإنما التسميات أجنبية وبالحرف الأجنبي، مع أنه في لغتنا العربية

وفي دواوين شعرائنا من الأسماء التي تليق بالمشروع السكني وإطلاق تسمية

وبالحرف العربي على هذا المشروع.

أخشى في حال أوردتُ بعض الأمثلة أن تكون مادة إعلانية مجانية للمشروع، أو أن

أصحابه يرون في هذا النقد للتسميات نوعًا من التعطيل لتسويق مشاريعهم. ولذا

نتفادى التسميات.

المهم في أي حال هو أن الظاهرة سيئة، وأن تعديل التسميات بحيث تكون عربية

وكذلك كتابة التسميات باللغة العربية وبريشة الخطاطين المصريين، الذين

يحوِّلون الحروف إلى كلمات فإلى عبارات أشبه باللوحات الفنية الجميلة، هو

المأمول حدوثه.

كذلك ازدهرت ظاهرة مماثلة وتثير الاستغراب أكثر وتتمثل في أن «ألبومات»

الأغاني التي صدرت وتتوالى في الصدور لمطربين ومطربات من العالم العربي

يغنون بالعربية وبلهجات متنوعة، لكن يتم وضْع اسم الفنان المطرب أو المطربة

باللغة الأجنبية، الإنجليزية أو الفرنسية، وكذلك أسماء الأغاني وأسماء باقي

المشاركين في عملية التنفيذ من الملحن إلى ناظم الأغنية إلى الفنيين.

والأمر في منتهى الغرابة، بل ومنتهى الاستهجان، لأن لفْظ الأسماء في هذه

الحال لا يعود صحيحًا.

إذا كان الغرض من ذلك هو التجديد والتطوير فإن الانطباع الذي يخرج به المرء

وهو يرى هذه الظاهرة، أن ذلك ليس فقط نوعًا من التخلف وإنما هو افتراء، بل

واعتداء على لغة الضاد يأتي من بني قومها.

هذه الظاهرة تقودنا إلى أمريْن. الأول هو أن الجزائر ما زالت إلى الآن تخوض

معركة التعريب. ورغم أنها قطعت أشواطًا على هذا الطريق، فإن ازدواجية التحدث

باللغتيْن العربية والفرنسية في وقت واحد، ما زالت مألوفة وإلى درجة أن

المتحدث الجزائري وهو يتحدث بالعربية يلفظ فجأة بالفرنسية كلمات أو عبارة

استعصى عليه التعبير عنها بلغة عالمه العربي. لكن مع ذلك ما زال الجزائري

يبذل جهدًا ملحوظًا من أجل التغلب على هذه الازدواجية. ثم ها هي الأمازيغية

تشق طريقها إلى ساحة الازدواجية.

أما الأمر الثاني، وهو بالأهمية نفسها، فهو أن تفريس اللهجة العربية بأمل

أن يصبح اللسان اللبناني العربي مستقبلاً فارسي النطق، باتت هي الأُخرى ظاهرة

تنمو بعد العراق في لبنان جنبًا إلى جنب مع تفريس الهندام، حتى إن هنالك في

مناطق من لبنان، كما في مناطق كثيرة في العراق، جمهورًا عريضًا يلفظ العربية

باللكنة الفارسية، هذا عدا اعتماد الحرف السائد في إيران عند كتابة كلام

على يافطات وتعليقها. وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن بعض اللبنانيين تأثروا

في مسألة النطق باللكنة الفارسية، إلى درجة أن بدا هؤلاء وهم يقولون على

سبيل المثال «مسجد إمامي حسين»، بدل مسجد الإمام الحسين، كما لو أنهم

إيرانيون أبًا عن جد، وليسوا عربًا من بلدات في المناطق الشيعية من البقاع

وبعلبك والجنوب والضاحية البيروتية معقل «حزب الله».

يبقى أن مناسبة هذا الرصد العابر لظاهرة بالغة السوء من حيث تغريب لغة

الضاد وتفريسها، فضلاً عن محاولات قديمة لاستبدال العامية بالفصحى (وهو سعي

بذل من أجله الكثير الشاعر اللبناني الراحل سعيد عقل، عِلْمًا بأن أرقى وأجمل

ما في تراثه الشعري كان تلك القصائد بالفصحى)، هي ما حدث في احتفالية عام

2015 في منظمة اليونيسكو عندما عزز الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز

بتبرع سخي نسبيًا برنامج دعْم اللغة العربية، الذي كان ولي العهد الراحل

الأمير سلطان بن عبد العزيز، البادئ بزرع هذه الغرسة عندما تبرَّع خلال زيارة

قام بها إلى باريس عام 2007 بثلاثة ملايين دولار لإنشاء البرنامج، وبذلك

باتت اللغة العربية واحدة من اللغات الدولية الأُخرى في المنظمة المعرفية

الثقافية الدولية، وزاد من تنشيط الفكرة أن صاحب الاقتراح مندوب السعودية

لدى المنظمة، زياد الدريس، كان العين الساهرة على الفكرة، التي أنتجت أربع

احتفاليات حتى الآن، هي «اللغة العربية والإعلام» عام 2013، و«الخط العربي»

عام 2014، بعد الاحتفالية الأولى عام 2012، لكن تبقى احتفالية عام 2015 حول

«اللغة العربية والعلوم» هي اللافتة، كونها ارتبطت بتدعيم للفكرة التي باتت

جزءًا من فعاليات المنظمة الدولية. والتدعيم كان تبرُّع الأمير خالد بن سلطان

بخمسة ملايين دولار لتعزيز أعمال برنامج اللغة العربية خلال السنوات الخمس

المقبلة.

وحيث إن الأمير خالد أورد بعض الحيثيات في معرض تدعيم الفكرة التي ارتبطت

بوالده الراحل، ومنها «إن اللغة من أهم مقومات الهوية لكل أمة، وإنها

الوعاء الثقافي والفكري الذي يجمع الأمة ويوحدها، تَقْوى وتَضْعف بقوة أبنائها

وضعفهم...» فإننا نتمنى أن تكون احتفالية عام 2016 بعد تسعة أشهر مناسبة

لمعالجة أساليب تهدد جوهر لغة الضاد، من فصحى يصيبها التشويه إلى تراجع

رقعة التركيز على الفصحى لفظًا ونحوًا وصرفًا إلى تغريب تعممه الفضائيات

والإذاعات.. وأخيرًا إلى تفريس يشق طريقه بحيوية إلى اللسان لدى شرائح من

بني الأمة العربية، وهذا ما أوردْنا بعض الأمثلة حوله في هذه المقالة.

نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط