عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حسام سويلم : تحرك دبلوماسية وأمنية مصرية لمواجهة تسلل داعش

بوابة الوفد الإلكترونية

لا تستطيع مصر تجاهل مخاطر سيطرة داعش علي سرت، إلي جانب سيطرتها علي مدينة درنة الأقرب إلي الحدود المصرية الغربية، ومحاولات تغلغلها إلي بنغازي الواقعة شرق سرت، وفي منتصف المسافة تقريباً بين سرت ودرنة، فإذا ما أمكن داعش السيطرة علي بنغازي، وضمت الثلاث مدن - درنة وبنغازي وسرت - أنشأت حينئذ نواة إمارة دعش في شرق ليبيا، وما يشكله ذلك من تهديد مباشر علي الحدود المصرية الغربية، خاصة بعد أن انتقل زعيم داعش - أبوبكر البغدادي - إلي سرت وإعلانها عاصمة لدواعش ليبيا، وتزايد نشاط قطر وتركيا في نقل إرهابيين جواً إلي مطار معتيقة بمعرفة عبدالحكيم بلحاج قائد الجماعة الليبية المقاتلة، وبحراً من تركيا إلي درنة وطرابلس، وذلك استعداداً للمعركة الفاصلة في بسط سيطرة داعش علي كل المنطقة الشرقية كخطوة أولي للزحف نحو مصر لإقامة ولاية الصحراء الغربية في مصر، كنقطة ارتكاز مركزية قوية تربط قواعد داعش في سوريا والعراق مع قواعد داعش وليبيا، ومع إعلان تنظيم بيت المقدس التابع لداعش إقامة ولاية له في سيناء ليصبح لداعش ولايتان في مصر أحدهما في منطقة الصحراء الغربية والأخري في سيناء، ومنهما يمكن الانطلاق لتهديد باقي أنحاء مصر بالتعاون مع جماعة الإخوان وأنصارها في مصر، وهو تهديد وجودي لا تملك مصر رفاهية تجاهله أو عدم التعامل معه بالجدية الواجبة، واستباق تنفيذ هذا المخطط بضربه وإجهاضه مسبقاً قبل أن يستفحل خطره علي النحو الذي جري في العراق وسوريا.

ومنذ أكثر من عامين، عندما كان الرئيس السيسي وزير الدفاع، حذر من خطورة الوضع في ليبيا، وقال إن المهمة التي قام بها حلف الناتو لم تكتمل وهو ما ستكون له عواقب وخيمة، وعندما ارتكبت داعش خطأها الجسيم بذبح 21 مصرياً مسيحياً في 15 فبراير من العام الماضي، وردت مصر علي الفور بشن ضربة جوية مركزة ضد مواقع هذا التنظيم، وبشكل سريع ومفاجئ انتقاماً للعمال المصريين قتلت بواسطته 64 داعشياً بينهم ثلاثة من قيادات داعش، تأكد لهذا التنظيم الإرهابي خطورة الموقف المصري علي تنفيذ مخططاته في شمال أفريقيا، لذلك ركزت داعش جهودها لمحاصرة مصر بتهديداتها من الغرب عبر ليبيا، ومن الشرق في سيناء عبر أنصار بيت المقدس، وخلال جميع زيارته للدول الأوروبية، كرر السيسي تحذيراته، مؤكداً أن ليبيا قنبلة موقوتة سينتشر منها الإرهاب ليس فقط للدول العربية وعلي رأسها مصر وتونس، خاصة بعد سقوط الحكم الإخواني في الدولتين، ولكن إلي العالم بأسره، وهو ما حدث في باريس مؤخراً، وفي تونس ومالي ولبنان وليس آخراً، وأن مصر ماضية في التصدي بكل حزم وحسم لأي محاولات تستهدف المساس بأمنها القومي.

ويزيد من أعباء الجيش المصري في مواجهة زيادة تواجد الإرهابيين في مدن شرق ليبيا، طول الحدود المصرية مع ليبيا التي تبلغ 1050 كم، ورغم وجود خطط لتأمين هذه الحدود الطويلة وسد أي ثغرات فيها، إلا أنه لا يمكن بشكل قاطع منع تسلل إرهابيين إلي داخل مصر، رغم القبض علي أعداد كثيرة منهم، وأكثر طرق تسلل الإرهابيين من ليبيا إلي مصر يجري عبر واحة سيوة، خاصة أنه لا يوجد علي الجانب الليبي مع الحدود مع مصر قوات ليبيا لحراسة الحدود علي هذا الجانب وبطول 1050 كم، الأمر الذي يضاعف الجهد الواقع علي الجيش المصري في هذا الصدد، واضعين في الاعتبار حالة الفوضي السائدة في ليبيا وضعف الجيش الوطني الليبي المتمركز في المنطقة الشرقية من ليبيا خاصة في بنغازي بقيادة الفريق خليفة حفتر، الذي يتعرض لمحاولات متتالية لاغتياله، خاصة بعد تعهده بالقضاء علي داعش في ليبيا واستعادة سلطة الدولة منها، وفي الوقت الذي امتنعت فيه الدول الغربية وأيضاً روسيا عن توريد السلاح إلي جيش «حفتر» الوطني بموجب قرار من مجلس الأمن، وجدت مصر نفسها في المقابل ملزمة بتسليح هذا الجيش الذي لا تشكك في وطنية رجاله وقائدهم، وتدريبهم حتي يمكن له النهوض بمهامه في حماية شرق ليبيا من سيطرة الإرهابيين عليها.

هذا في الوقت الذي تحصل فيه داعش وباقي التنظيمات الإرهابية علي احتياجاتها التسليحية بواسطة السماسرة والتهريب، فضلاً عن الدعم المباشر من قطر وتركيا، وهو ما لا يمكن السيطرة عليه، لاسيما بعد أن ثبت دخول الحرس الثوري الإيراني علي خط دعم داعش وتدريب عناصره في ليبيا، لما يشكله ذلك من ضغط علي مصر التي تسعي إيران لنشر التشيع علي أرضها، وتصدير الثورة الخومينية إليها من خلال التحالف بين ملالي إيران وجماعة الإخوان في مصر، إلي جانب تدريب عناصر من بوكو حرام المتواجدة في سرت لزيادة التهديدات ضد مصر.

وفي مواجهة تصاعد المخاطر والتهديدات التي تتعرض لها مصر علي حدودها الغربية، يتحرك المسئولون علي عدة محاور دبلوماسية وأمنية، وتدرس كافة الاحتمالات والوسائل الممكنة لمواجهة هذه التهديدات بصورة استباقية، حيث لا يمكن أن تنتظر حتي ينتقل الخطر إلي داخل أراضيها، فبجانب حالة التأهب غير المسبوقة علي الحدود الغربية، فقد نجحت مصر مؤخراً في إقناع الدول الأوروبية، خصوصاً الواقعة علي سواحل البحر المتوسط في جنوب أوروبا، بخطورة الوضع في ليبيا، الذي يهدد أمن وسلامة واستقرار هذه الدول، علي النحو الذي وقع ضد فرنسا التي تعرضت عاصمتها باريس لست عمليات إرهابية في وقت واحد في نوفمبر الماضي راح ضحيتها حوالي 200 فرنسي، وهو الأمر الذي يفرض علي هذه الدول الأوروبية اعتماد مقاربة شاملة في محاربة الإرهاب المتصاعد من ليبيا، تختلف عن الاستراتيجية الانتقائية التي تتبعها الولايات المتحدة في إطار التحالف الدولي ضد داعش في سوريا والعراق، وقد باتت القاهرة بالفعل تتمتع بدعم واسع لموقفها من دول الجوار الليبي، خاصة الجزائر وتونس، فضلاً عن تطابق موقفي فرنسا وإيطاليا إلي حد كبير مع الموقف المصري، حيث بدأت عدة دول أوروبية - فضلاً عن الولايات المتحدة - في تنفيذ عمليات استطلاع وجمع معلومات استخباراتية حول الأهداف المحتمل ضربها في ليبيا، وتحركات عناصر التنظيم هناك، واكب ذلك تحرك طائرات وسفن حربية إلي قرب السواحل الليبية - منها حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديجول - تحسباً لتنفيذ عمليات حربية ضد داعش في ليبيا في القريب، وذلك بالتنسيق مع دول الجوار الليبي - مصر والجزائر وتونس - كما أشارت صحيفة «ديلي تليجراف» البريطانية إلي احتمال شن بريطانيا عملاً عسكرياً في ليبيا قريباً.

ومما لا شك فيه، أن إنجاز الاتفاق السياسي بين القوي المتنازعة في ليبيا تحت إشراف ممثل الأمم المتحدة «مارتن كوبكر» في الصخيرات بالمغرب، سيشجع الدول الأوروبية علي المشاركة بإيجابية أكثر لدعم الجيش الوطني الليبي ليقوم بدور أفضل في محاربة داعش، حيث هو الطرف الوحيد الذي ليس له انتماءات إسلامية سياسية بين كافة القوي السياسية المسلحة المشتبكة علي الأرض في ليبيا، وقادر عسكريا علي مواجهة داعش علي الأرض، حيث لن تجازف الدول الأوروبية بإرسال قواتها البرية لتقاتل في ليبيا، بل ستكتفي بالضربات الجوية فقط، وإن كان استبعاد القوي الفاعلية علي الأرض وعلي رأسها الجيش الوطني بقيادة حفتر من العادلة السياسية في المرحلة المقبلة، يثير غضب المواطنين ليس فقط في شرق ليبيا، لكن في معظم أنحائها. باعتبار أن الجيش الوطني الليبي هو الذي يمثل فعلا الجانب الوطني غير المنحاز لأي قوي خارجية أو داخلية ذات انتماءات لقوي الإسلام السياسي المرفوض شعبيا، وعلي رأسها تحالف «فجر ليبيا». لذلك يبدو أن الجيش الوطني الليبي غير مستعد لوقف معركته ضد خصومه، بالإضافة لمجموعات مسلحة انشقت علي تحالف فجر ليبيا وهو ما يفسر إعلان تنظيم داعش رصد 20 مليون دينار ليبي لاغتيال الفريق خليفة حفتر، ومكافآت مالية أخري لاغتيال اللواء صقر الجيوش قائد السلاح الجوي الليبي، وغيرهم من القادة الوطنين الليبيين. إلا أنه رغم كل هذه المعوقات، فإن مصر تدعم الاتفاق المرتقب برعاية دولية، لعله يؤدي إلي تشكيل حكومة وحدة وطنية تواجه خطورة امتدادات داعش حاليا ومستقبلاً، واستنساخ تجربتها في العراق وسوريا وتطبيقها في ليبيا، وإن كانت مصر لا تأمل الكثير من وراء هذا الاتفاق، بالنظر لاستمرار التدخلات الخارجية من جهة، وعدم حسم الموضوعات الخلافية بين الأطراف المختلفة من جهة أخري، لا سيما فيما يتعلق بتمسك كل طرف بما تحت أيديه من أراض وثروات وأسلحة، وعدم حرص منظمات الإسلام السياسي علي إعلاء قيم الولاء الوطني، وتمسكها بالولاء للتنظيم وأيدولوجياته ومصالحه علي حساب الوطن.

وليس أمام مصر خيار آخر سوي أن تكون لها إستراتيجية تعرضية جديدة تجاه ليبيا، ولا تكتفي بالانتظار وخلف خطوطها الدفاعية إلي أن يبدأ عدوان داعش، وإنما تسبقه بتخطيط استراتيجي بتوجيه ضربات استباقية ضد مواقع داعش في مدن شرق ليبيا - خاصة درنة وبنغازي وسرت وإجدابيا ومصراتة - وبما يجتث داعش من جذورها في هذه المناطق، وتمكين الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر من السيطرة علي كل شرق لبيا كخطوة أولي نحو مد سيطرته إلي باقي أنحاء ليبيا، في إعطاء دور فعال للقبائل الليبية في الجنوب للمشاركة في حرب داعش. هذا فضلا عن جهد عربي مشترك مع الجزائر وتونس والمغرب، وأيضاً مشاركة دول جنوب أوروبا - إيطاليا وفرنسا وإسبانيا واليونان - وذلك قبل أن يتمكن داعش في ليبيا من تنظيم صفوفهم، وتحصين دفاعاتهم وتوسيع رقعة انتشارهم، وجلب المزيد من الإرهابيين والسلاح والعتاد من خارج ليبيا، وحتي لا نكرر الأخطاء التي وقعنا فيها سابقا في العراق وسوريا، حتي تركناهم ينمون ويكبرون حتي توحشوا وأصبحوا علي هذا النحو الذي يشكل تهديد الكل العالم، وحتي أصبح العالم غير قادر علي هزيمتهم أو حتي إحتوائهم والحد من انتشارهم. هذا بالإضافة لمهمة أخري أمام مصر حكومة وشعبا يتعين عليهم التنبه لها والنهوض بمسئولياتهم تجاهها، وهي التصدي لدعاة الفتنة في الداخل، وعدم التهاون مع من يسعي لشق الصف، أو يساعد علي الإرهاب ويروج له ويدعو إليه ويمهد له الطريق، لأنهم بذلك يشاركون داعش سواء بالوعي أو باللاوعي - في تحقيق أهدافه وتنفيذ مخططاته ضد مصر.

خلاصة القول:

إن التصريحات التي وصفت «إعلان المبادئ» الذي وافقت عليه الأطراف المتنازعة في ليبيا بأنه تاريخي وسيقضي علي السلام والوحدة في ليبيا، تبدو مفرطة في التفاؤل، حيث اعتبرته قوي داخلية «قفزة في الهواء»، خاصة أنه لا يمس أخطر جوانب المشكلة، والمتمثلة في داعش ويزداد حجمه وقوته وتتسع امتداداته علي الأرض، وتخطيط فرنسا لإقامة قاعدة عسكرية لها علي الحدود الشمالية للنيجر، قريباً من الحدود الليبية لتكون لها عيناً تراقب ما يحدث من عمليات تهريب سلاح ومخدرات وتنقل إرهابيين في المثلث الليبى - المالى - النيجيرى مع امتداداته باتجاه الجزائر، لاسيما بعد أن استوعب جماعة «أنصار الشريعة» ومجموعات درنة. وبعد أن اتضح عقب سيطرته على سرت أنه يسعى لاستخدام الساحل الليبى منصة لتهديد الغرب في شمال البحر المتوسط، وتهديد مصر في الشرق، كما يستطيع داعش أن يمسك بالهلال النفطى في خليج سرت، فضلاً عن أن هذا الاتفاق لم يجب بشكل واضح عن أسئلة محددة تعد جوهر القضية.. وهي:

(1) مدى صلابة وقف إطلاق النار الهش بين القوي المتحاربة، خاصة مع عدم إشراك قوي فاعلة في هذا الاتفاق وأبرزها الجيش الوطنى.

(2) شكل وأبعاد الهياكل السياسية والأمنية والاقتصادية لحكومة الوحدة الوطنية المقترحة، ومستقبل الأراضى الخاضعة للتنظيمات المسلحة.

(3) التعامل مع معظم الكوادر الشعبية والسياسية في شرق ليبيا لإقليم برقة والرافضة للاتفاق، ورفضها لرئيس الوزراء المقترح لحكومة الوحدة الوطنية «فائز السراج» والمنتمى أيديولوجيا لجماعة الإخوان، والجماعة القاتلة، وتنظيم فجر ليبيا. ومن ثم فإنه مع افتراض تشكيل حكومة وحدة وطنية مع تمسك كل فريق سياسي مسلح بوضع يده على الأراضى التي يسيطر عليها، فإن معني ذلك ترسيخ التقسيم والتجزئة القائمة فعلاً في ليبيا، وهو تحقيق الأهداف السياسية والاستراتيجية الأمريكية لتقسيم الدول العربية بعد أن غزتها ومزقتها «الفوضى الخلاقة» التي نادت بها وزيرة خارجية أمريكا السابقة كونداليزا رايس عام 2006، بل تصديرها إلي مصر عبر حدودها مع ليبيا، وبواسطة تنظيمات الإسلام السياسي هناك وعلي رأسها جماعة الإخوان التي ترعاها واشنطن وتسعي لعودتها لحكم مصر، واضعين في الاعتبار إستراتيجية الدول الغربية المتبعة في التعامل مع التنظيمات الإرهابية التي خلقتها، ومع القوى الوطنية في العالم العربى، والتي تتلخص في عبارة مفادها «دع الأفاعى تمت بسم العقارب»، وحيث لا تستبعد لجوء داعش -والتى تمثل الجيل الثالث من الإرهابيين- إلى استخدام أسلحة كيماوية في حروبها القادمة، لاسيما أن لديها كوادر انتحارية علي استعداد لفعل أى شيء، فضلاً عن قيام داعش بتجنيد أفضل خبراء الكيمياء والفيزياء وعلوم الكمبيوتر لشن حرب تستخدم فيها التنظيم أسلحة الدمار الشامل والتى من جانبها بدأت في تدريب قواتها - خاصة بريطانيا - علي مواجهة مثل هذه الهجمات ضد الغرب في معاركه القادمة، حيث وضع التنظيم يده علي مواد ومعدات تصنيع هذه الأسلحة، بل سربها إلي دول أوروبا.

ومع إعلان قيادة الناتو أكثر من مرة رفضها التدخل العسكرى في ليبيا، فإن أقصى ما يمكن توقعه من جانب الدول الغربية وأمريكا علي الصعيد العسكرى في ليبيا، هو تكرار إستراتيجية الضربات الجوية التي نفذتها في سوريا، بل إن رئيس الحكومة الإيطالي «ماثيور نزى» أعلن مؤخراً رفضه المشاركة في أي عمليات قصف جوى في ليبيا باعتبار ما أثبتته التجربة السابقة من أنه خيار لم يمكن صائباً، فإذا ما وضعنا هذا التصريح من جانب رئيس

وزراء إيطاليا -أقرب الدول الأوروبية إلى ليبيا وأكثرها تضرراً من جانب داعش- في الاعتبار، فسنجد أنه ببساطة يرسخ للحل النهائى من وجهة نظر الغرب في تقسيم ليبيا، بعد فشل الأطراف الليبية في الاتفاق فيما بينها علي أي شيء، وإزاحة المشكلة إلى الدول الغربية، أما عمليات الاستطلاع الجوى التي تقوم بها طائرات حلف الناتو فوق الأراضى الليبية، وإرسال بعض قوات خاصة أمريكية وبريطانية إلي ليبيا لعمل تقييم حقيقي للموقف علي الأرض وتخطيط فرنسا لإقامة قاعدة عسكرية لها علي الحدود الشمالية للنيجر، قريبا من الحدود الليبية لتكون لها عينا تراقب ما يحدث من عمليات تهريب سلاح ومخدرات وتنقل إرهابيين في المثلث الليبي - المالي - النيجيري مع امتداداته باتجاه الجزائر، فذلك أمر ضروري من جانب هذه الدول الغربية لإرساء استراتيجية واقعية تعبر وتعكس الدفاع عن مصالحهم هناك، وليس فقط أمن واستقرار ليبيا والمنطقة، وإزاحة داعش علي كاهلها.

إن السيناريو المروع الذي يجب أن تنتبه له أوروبا وأمريكا هو أن تلتحم داعش مع جماعات الإرهاب في شمال وغرب أفريقيا، وعلى رأسها جماعات مالى وبوكو حرام النيجيرية التي سبق أن أعلن زعيمها أبوبكر شيكو مبايعته للبغدادى، وهو سيناريو كارثى يجعل من شمال ووسط وغرب أفريقيا بكل ما يحويه من ثروات، أرضاً مستباحة لداعش مستقبلاً.

إن تمدد «داعش» في ليبيا شرقاً وغرباً وجنوباً، يوجه رسالة للعالم الخارجي بأن ينظروا الى ليبيا بحزم والوقوف مع القوى الوطنية الليبية يدا واحدة، خاصة وأن الدول العربية المجاورة لليبيا - مصر وتونس والجزائر - تعاني بدورها من الارهاب الذي تتزعمه «داعش» وهذا ما يعني في المحصلة أن ليبيا فلن تستقر أعلن تستقر دول الجوار الليبي ولدول دول شمال البحر المتوسط. وخطأ أوروبا أنها تنظر الى مشكلة ليبيا باعتبارها سياسية وليست أمنية، في حين أن العكس هو الصحيح، أما استمرار تمسك الدول الغربية باستراتيجية تفتيت البلدن العربية عرقيا وطائفيا وسياسيا، باعتبار ذلك يسهل سيطرة هذه الدول على العالم العربي بمساعدة منظمات الإسلام السياسي، فقد أثبتت أحداث السنوات الماضية أن هذه الإستراتيجية وما ينتج عنها من فوضي يشكل تهديداً كارثياً على أمن واستقرار الدول الغربية.

ومع افتراض نجاح الضغوط الدولية على الاطراف الليبية في تشكيل حكومة وفاق وطني، فإن هذه الحكومة ستواجه خمسة تحديات: التحدي الأول: ببناء جيش وطني بمساعدة الدول العربية والغربية، لإخضاع الميليشيات تدريجيا لسلطة هذه الحكومة، ومصادرة الاسلحة المنتشرة في كل المناطق، وهذا الاستحقاق ليس سهلاً لأن أمراء الحرب وقادة شبكات التهريب من ذوي المصالح المتداخلة سيعملون على كسر هيبة الدولة الوليدة، وضرب رجالها للحفاظ على مصالحهم وسط الفرضي غير الخلاقة، وما يعزز هذه المخاوف أن كل المحاولات التي بذلتها الحكومات السابقة لتدريب مجندين جدد في دول عربية وأوروبية باءت بالفشل، لأن اولئك المتدربين يختفون في غابة الميليشيات أو يعودون الى قبائلهم ومدنهم الاصيلة بعد نهاية فترة التدريب، أما التحدي الثاني فهو سياسي، اذ سيتعين على حكومة الوفاق ان تحصل على دعم مزدوج جغرافي وسياسي من المناطق الثلاث: برقة في الشرق، وفزان في الوسط، وطرابلس في الغرب، فضلاً عن منطقة القبائل في الجنوب، وهذه التأييد ليس مضموناً خصوصاً وأن مصير الفريق حفتر لم يبت في جولات الحوار في الصخيرات، في حين أنه يحظى بدعم بتأييد معظم الشعب الليبي في شرق وجنوب ليبيا، التحدي الثالث: التشكيلة القيادية للحكومة القادمة، سواء في توزيع المناصب العليا في الدول، او في عدد نواب البرلمان، وارتباط ذلك بالتجاذبات المناطقية والقبلية والحزبية والشخصية، كما سيتعين علي الطاقم الجديد إيجاد صيغة لحسم الخلاف بين أعضاء اللجنة التأسيسية التي ستضع الدستور، التحدي الرابع: وهو اقتصادي إذ تراجع انتاج البلدان النفطي من 1.6 مليون برميل في اليوم قبل ثورة 17 فبراير 2011 الى 350 ألف برميل فقط حالياً، كما خسرت ليبيا ثلث عائداتها في عام 2013/2014 فضلاً عن ارتفاع العجز في الموازنة إلى 15.3 مليار دولار، كما يصل عجز ميزان المدفوعات الى نحو 25 مليار دولار، بما يؤدي الى موجة تضخمية لاسعار السلع والخدمات، هذا الى جانب انخفاض الاحتياطي النقدي من العملة الحرة من 120 مليار دولار الى 80 مليارا فقط، وليس معروفاً على وجه الدقة أوجه إنفاق 40 مليار دولار في الأعوام الاربعة الماضية.

ومن الغريب والشاذ في هذا الصدد أن البنك المركزي الليبي والمؤسسات المالية الاخرى تقوم بدفع رواتب الميليشيات مقابل حمايتها، فضلاً عن دفع مرتبات حكوميين وبرلمانيين وبنكين مركزيين!! وسيزداد الأمر صعوبة إذا ما سيطرت على عائدات النفط في المناطق التي سيستولي عليها في الهلال النفطي شرق ليبيا. أما المحتوي الخامس والأهم والأخطر، فهو إعادة بناء الجيش الوطني - كوادر بشرية وأسلحة ومعدات وتدريب.. إلخ - وبما يمكنه من السيطرة والدفاع عن كافة الأراضي والأجواء والمياه الإقليمية الليبية، وهو أمر يستغرق ليس أقل من خمس سنوات، ويزداد الأمر صعوبة هو أن هذا الجيش سيكون منوطا به سحب الأسلحة من الميليشيات المسلحة وتصفية وجدواها ودمجها في الجيش الوطني.

وفي الختام لابد أن ندرك أنه لا يوجد مستحيل في مواجهة داعش وهزيمتها إذا ما وضعنا أيدينا علي نقاط الضعف التي يعاني منها هذا التنظيم، ونجحنا في استغلالها في محاربته وأبرزها تشكيلة من الأفراد فهي ثلاثة أنواع:

النوع الأول: شباب باحث عن العمل ولم يجده فأعطاه التنظيم 3000 دولار شهرياً، والنوع الثاني: شباب من النظام السابق يسعي للمحافظة علي امتيازاته السابقة، والنوع الثالث: شباب متطرف عقائدياً، وفي مواجهة هذا الواقع يصبح من السهل استقطاب النوع الأول والثاني إذا ما ضمنوا حصلوهم علي نفس المميزات المادية إذا ما اندمجوا في الجيش الوطني. أما النوع الثالث، فإنه يحتاج الي أمرين الأول منهما الضرب بيد من حديد علي زعمائه المتاجرين بالدين لأغراض سلطوية أما الأمر الثاني فهو شن حملات من المواجهة الفكرية لتوضيح حقيقة الإسلام في كل الشعارات الدينية البراقة التي يتاجرون بها، وإظهار تعارضها مع حقيقية الدين، مثل الخلافة والحاكمية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إلخ.

هذا إلي جانب استغلال نقاط الضعف والصعوبات التي تواجه داعش وليبيا وأبرزها المقاومة الشديدة من جانب السكان، وعدم قدرته علي إقامة تحالفات محلية لأنهم ينظرون الي داعش باعتبارهم دخلاء عليهم ومن بلدان أخري أوروبية في أفريقيا، وبما يحد من قدرة التنظيم علي التوسع أفقا وبالسرعة التي يريدها، هذا فضلا عن مشكلة التمويل التي يواجهها التنظيم، وحتي لو أمكن له السيطرة علي بعض منشآت النفط في شرق ليبيا، فإنه لن يكون بإمكانه الاستفادة من ذلك بسبب سيطرة الأساطيل الحربية الغربية علي المياه الإقليمية الليبية وبما يمنع داعش من تصديره، علي عكس الوضع في سوريا التي تجد داعش في شمالها حيث تركيا حليف ييسر لها بيع النفط إلي وسطاء لها، لذلك فإن عمليات داعش في ليبيا ستكون غير مربحة علي عكس ما هو قائم في سوريا. هذا إلي جانب عناصر ضعف أخري يعاني منها الخطاب الداعشي، تتمثل في نقص القدرة علي الإقناع في مواجهة القادة المحليين الرافضين له، سواء كانوا مسئولين تنفيذيين أو شيوخ مساجد من التيار الديني المعتدل، لذلك كان من ضمن خطط داعش تصفية مثل هؤلاء القادة والتنكيل بأسرهم، يزيد من حجم هذه المشكلة افتقار داعش إلي القيادات الفقهية التي لها قدرة علي الإقناع والحشد للشبان الليبيين الباحثين عن المستقبل.

لذلك يجب أن تتجه الضربات المضادة لتنظيم داعش لمواجهة التغيير الذي أحدثه في تكتيكاته من أجل السيطرة علي شرق ووسط ليبيا، التي بها منطقة الهلال النفطي، حيث اعتمد علي إنشاء ثلاث نقاط للتجنيد وإعادة التوجيه والتثقيف للمقاتلين: النقطة الأولي: تقع في ضواحي شرق مدينة درنة التي يصلها المتسللون العرب والأجانب الفارين من سوريا عبر البحر، والذين تم تجنيدهم في تركيا، ومن درنة إلي سرت ثم إجدابيا، ومن هناك يبدأ توزيع العناصر.

النقطة الثانية: تقع في مدينة مسراته غرب طرابلس قرب الحدود مع تونس وتستقبل الشباب التونسيين والجزائريين وغيرهم من المتسللين من الحدود، ومنها يتم إرسال المجندين الي سرت، وذلك بالتعاون مع ميليشيات متطرفة في طرابلس ومصراتة، رغم أن توجهات معظم هذه الميليشيات أقرب الي تنظيم القاعدة، وهو ما يشكل نقطة ضعف أخري تتمثل في تقاطع المصالح بين داعش في سرت وباقي الميليشيات المتطرفة في طرابلس وبنغازي ومصراتة، التي يدعم عدد منها عناصر داعش وييسر لها المراكب والسيارات المحملة بالسلاح، فضلاً عن الصراع علي الغنائم ومناطق السيطرة، وإن كانت تتوافق معها لتحقيق أهداف مشتركة مثل محاربة أي عودة للدولة والسلطة المركزية، واستهداف الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر والحكومة الوطنية والبرلمان المنتخب، أما النقطة الثالثة فهي مطار «معيتقة» الواقع شرق طرابلس وبالقرب من مصراتة، ومن هذا المطار تصل إمدادات قطر وتركيا والسودان من أفراد وسلاح وأموال الي تنظيم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية.