رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حسام سويلم: «داعش ليبيا».. خطر داهم ينتظر المواجهة الحاسمة

بوابة الوفد الإلكترونية

منذ أكثر من عامين، وعندما كان الرئيس السيسى وزيراً للدفاع، حذر من خطورة الوضع فى ليبيا، وقال إن مهمة حلف شمال الأطلسى - الناتو - لم تكتمل، وهو ما سيكون له عواقب وخيمة. وأخيراً، وبالتحديد خلال زيارته الأخيرة إلى بريطانيا، كرر «السيسى» تحذيراته، وأكد أن ليبيا تمثل قنبلة موقوتة سينتشر منها الإرهاب ليس فقط للدول العربية، وعلى رأسها مصر وتونس، خصوصًا بعد سقوط نظام حكم الإخوان فى الدولتين، ولكن للعالم بأسره، وهو ما حدث فى باريس أخيراً، واليوم نشاهد واقع ما حذر منه السيسى منذ عامين بعد أن بدأ داعش يتجذر وجوده فى ليبيا بقوة، وبعد أن كثف وجوده هناك حتى أصبح يقدر حجم قوامه ما بين 2000 و5000 مقاتل، ويشكل هياكل دولته سياسياً وأمنياً وعسكرياً وإعلامياً، ويتمدد داخل الأراضى الليبية، معلناً أن "سرت" هى عاصمة دولته الجديدة لتكون معقلاً آخر لداعش فى ليبيا، إلى جانب معقل آخر لها هناك فى درنة فى شرق ليبيا والموجودة على مساحة أقل من 100 كم من الحدود المصرية.

تذكر صحيفة «نيويورك تايمز» أنه عندما رفع علم داعش على جزء من الشريط الساحلى لمدينة سرت منذ عام كان ذلك مجرد ضربة لمجموعة من المسلحين المحليين يريدون من خلال الترويج لوجودهم على الأرض فى المدينة، أما الآن فقد اختلف الوضع وأصبحت سرت مستعمرة لداعش فى ليبيا، حيث يحتشد المقاتلون الأجانب فى مختلف أنحاء المدينة، وفقاً لما ذكره سكان وشهود عيان وسجناء تم إطلاق سراحهم أخيراً فى سجن سرت، كما أكدت الصحيفة أن سرت أصبحت قبلة لقادة ومقاتلى داعش الفارين من سورية والعراق بعد الضربات الجوية الجديدة والشديدة التى توجه لهم منذ أسابيع عدة من دول عدة أمريكية وأوروبية وروسية وعربية، فضلاً عن هجمات برية ضدها فى سورية والعراق.

إن وصول داعش إلى سرت، وإعلانها عاصمة لها، إنما يعنى أمراً خطيراً وهو أن هذا التنظيم بدأ التحدى بعيداً عن مناطق نفوذه القديمة فى العراق وسورية، وأصبح هدفه توسيع عملياته الخارجية، وهو ما ظهر أخيراً فى إسقاط الطائرة المدنية الروسية فى سيناء نهاية أكتوبر الماضى، وهجمات باريس الإرهابية فى 17 نوفمبر، والهجوم على الحرس الجمهورى فى تونس أخيراً، فضلاً عن اغتيال قادة الأمن فى عدن ومحافظها فى الأسبوع الأول من ديسمبر الجارى، وغنى عن القول أن النوع الداعشى فى ليبيا يحظى بتأييد فروع أخرى لهذا التنظيم الإرهابى فى سيناء من خلال تنظيم بيت المقدس الذى أعلن مبايعته لداعش، وكذلك تنظيم جماعة الإخوان فى مصر، إلى جانب فروع أخرى لداعش فى تونس والجزائر ومالى يستطيع من خلالها إطلاق عمليات إرهابية فى كل بلدان شمال أفريقيا، الأمر الذى يشكل تهديداً خطيراً ليس فقط لأمن مصر، بل لوجودها أيضاً، خصوصًا فى المنطقة الغربية منها، الأمر الذى يفرض تحسباً جيداً من جانب الدولة المصرية بكل مؤسساتها السياسية والأمنية والعسكرية لهذا الخطر فى هذه المنطقة، لا سيما بعد أن نفذ هذا التنظيم الإرهابى عمليات عدة فى صحراء مصر الغربية الممتدة حدودها الغربية مع شرق ليبيا لمسافة 1050 كم، وبعد أن أسفرت داعش عن حقيقة أهدافها فى سيطرتها إلى الأراضى المصرية بالتعاون مع منظمات إرهابية متطرفة تعمل ضد مصر وتضرب فى داخلها لصالح قوى أجنبية معادية لمصر.

وإذا عدنا للسؤال التقليدى ابحث عن المستفيد من ظهور داعش وعملياتها الإرهابية، حتى يمكن لك أن تحارب عدوه الحقيقي؟ فسنجد أن المستفيد بالدرجة الأولى هم أعداء الأمة الإسلامية والعربية الذين يريدون تمزيقها وتفتيتها.. فالعمليات الإرهابية والقتل كانت خارج دائرة الأمة العربية حتى خرج علينا أولاً تنظيم القاعدة فى ثمانينات القرن الماضى، ومن بعده جاء داعش الأكثر تطرفاً ودموية وحرفية فى القتل والتمزيق، فالدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا التى كشفت عن هدفها فى السيطرة على العالم العربى والإسلامى كخطوة أولى ورئيسية لإقامة نظامها العالمى الجديد، وبأسلوب "الفوضى الخلاقة"، أما وسائل تحقيق هذا الهدف فقد بدأ بمجموعات الشباب الذين تم تدريبهم وتمويلهم فى إطار ما يعرف بثورات الربيع العربى، وعندما فشلت فى تحقيق أهداف أمريكا فى المنطقة بعد أن لفظتها الجماهير المصرية والعربية، لجأت أمريكا للخطة (ب) وهى تنظيمات الإسلام السياسى وعلى رأسها جماعة الإخوان، وعندما أسقطها الشعب المصرى بثورة 30 يونيو، انتقلت أمريكا للخطة (ج) التى اعتمدت فيها على المرتزقة وخريجى السجون والمعتقلات أمثال أبوبكر البغدادى والمجرمين والشباب الضائع فى بلدان أوروبا والعالم العربى، لتنفيذ أهدافها، وغنى عن القول أن الدول الغربية والشرقية وإسرائيل على السواء حريصون على أن يبثوا صورة سيئة عن المسلمين والإسلام فى أوروبا، وهو ما يفسر ما ورد فى التعاليم والفتاوى الغربية والشاذة والمتطرفة التى جاء بها تنظيم داعش ليضلل الشباب المسلم ويحولهم إلى أدوات قتل وتخريب ودمار فى المجتمعات العربية والإسلامية، وبما يغنى الدول الغربية عن استخدام قواتها ووسائلها الأخرى لتحقيق أهدافها لبسط هيمنتها على هذه المجتمعات، وتنفيذ توصية مهندس السياسة الخارجية الأمريكية العتيد «هنرى كسينجر» الذى طالب بضرورة تعريب الصراع العربى - الإسرائيلى، وجعله صراعاً عربياً عربياً، ناهيك عن مخططات التقسيم والتجزئة التى رسمها استراتيجيون فى إسرائيل وأمريكا وأوروبا.. أمثال عوريد بنيوف، مدير مكتب مناحم بيجن، رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، وبرناردت لويس وجيورا أيلاند، وغيرهما.

لماذا سرت بالذات؟

مما لا شك فيه أن الخسائر البشرية والمادية الجسيمة التى لحقت بداعش فى العراق وسورية، بفعل الضربات الجدية التى وجهت له من جانب روسيا وطائرات التحالف الغربى لا سيما بعد أن انضمت فرنسا وبريطانيا إلى هذا التحالف أخيراً، فضلاً عن الهجمات البرية التى يتعرض لها هذا التنظيم من جانب القوات البرية العراقية، والسورية والكردية دفعته إلى نقل جهوده الإرهابية إلى دولة أخرى أكثر انقساماً وتفسخاً من العراق وسورية وهى ليبيا، فعلى الأقل ورغم كثرة الانقسامات وشدة وقسوة الصراعات الجارية فى هذين البلدين، إلا أنه لايزال فيهما مؤسسات رسمية للدولة وإن كانت ضعيفة، تتمثل فى وجود رؤساء وحكومات وبرلمانات وجيوش نظامية، على عكس الوضع الغريب فى ليبيا، إذ تسودها الفوضى، لا سيما بعد سيطرة الجماعة المسلحة «فجر ليبيا» على العاصمة طرابلس، فضلاً عن عدم وجود رئيس وتتقاسمها حكومتان وبرلمانان وميليشيات عدة ذات تبعيات أجنبية وأيديولوجيات وولاءات متنافرة، وبلا جيش نظامى للدولة باستثناء جيش «ليبيا الكرامة» الذى يقوده اللواء خليفة حفتر الذى يمثل الجيش الوطنى الحقيقى لليبيا، ولذلك يتعرض هذا الجيش لحروب عاتية من الميليشيات المسلحة العديدة التى انتشرت بكثرة عقب سقوط نظام معمر القذافى، كما منع المجتمع الدولى تسليح هذا الجيش الوطنى حتى تستمر ليبيا ساحة للصراعات المسلحة والانقسامات السياسية والعرقية والقبلية، وبما يخدم أهداف أعداء الأمة العربية، لهذا شكلت ليبيا بهذا الوضع الداخلى المهترئ والمتدهور فرصة سانحة لداعش لتحقق أهدافها فى البقاء والتمدد شرقاً فى بلدان المغرب العربى وشمالاً فى بلدان أوروبا جنوب البحر المتوسط، وشرقاً فى مصر، وجنوباً فى وسط أفريقيا لتلتقى مع فرعها «بوكوحرام» ومالى، ثم التوسع فى تشاد والنيجر وكذلك تسعى داعش لنقل جهودها الإرهابية إلى ليبيا وأن تعيد تنظيم صفوفها وتستعوض خسائرها البشرية والمادية على حساب ليبيا، بعد استهداف معاقلهم الأساسية فى العراق وسورية، وبالنظر لكثرة موارد ليبيا النفطية والمالية والبشرية، لذلك سارعت داعش بنقل كواردها الإرهابية بأسلحتهم إلى ليبيا بحراً وجواً بمساعدة تركيا وقطر، ويذكر تقرير لمجلس الأمن أن أكثر من 800 مقاتل داعشى تم انتقالهم من سورية إلى ليبيا فى هذا العام.

وبجانب ما تشكله ليبيا من نقطة وسط بين الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، وهو ما يكسبها أهمية استراتيجية بالنسبة لداعش، وفرصة ممتازة لتوسيع مناطق سيطرة «الخلافة المزعومة»، فإن مدينة سرت على وجه التحديد التى تبعد 450 كم شرق طرابلس تعد ذات أهمية  مبالغة لداعش، وذلك لقربها من حقول نفط رئيسية ومصافٍ فى شرق ليبيا، لوجودها فى وسط ما يطلق عليه «هلال النفط الليبى»، فضلاً عن موقعها القريب من السواحل الإيطالية، إذ يمكنه العبور منها إلى الاتحاد الأوروبى، لذلك يروج راديو داعش بأن سرت لن تكون أقل أهمية من مدينة الرقة فى سورية الغنية بحقول النفط، والتى تسيطر عليها داعش، وتستفيد ببيع نفطها فى تغطية احتياجاتها المادية، ولذلك تسعى داعش للسيطرة على الساحل الليبى فى خليج سرت، بعد أن سيطر على مدينة درنة، وأصبح فى قبضته بالفعل مساحة تجاوزت 150 ميلاً على امتداد الساحل بالقرب من سرت، ومن بلدة «أبوقرين» فى الغرب وحتى مدينة «النوفلية» فى الشرق، كما تبعد سرت نحو 65 كم جنوب مدينة صقلية الإيطالية، ويسعى داعش حالياً لاحتلال مدينة (أجدابيا) شرق سرت على بعد 350 كم ضمن منطقة الهلال النفطى، حيث تقع أجدابيا بين مدينة سرت التى يسيطر عليها داعش وبنغازى التى يسيطر عليها الجيش الوطنى وتشهد منذ أكثر من عام ونصف العام معارك بين قوات الجيش الوطنى الليبى وميليشيات متطرفة، لذلك تشن طائرات الجيش الوطنى غارات مستمرة على قوات داعش لمنعها من دخول أجدابيا، وحرمانها من السيطرة على الطريق الدولى الجنوبى المفتوح إلى طرق وحدود مصر المستهدفة، وتصدر ليبيا نحو 85٪ من نفطها إلى إيطاليا كما يذهب نصف إنتاج الغاز الطبيعى الليبى إلى إيطاليا، وتشير تقديرات أمريكية إلى أنها فقط مسألة وقت قبل أن يحاول داعش السيطرة على مزيد من المنشآت النفطية والمصافى قرب مدينة سرت لزيادة مصادر الدخل والتمويل الخاصة به، والتى تمكنه من تمويل عملياته فى الشرق الأوسط وأوروبا، خصوصًا بعد أن أعلنوا نيتهم صراحة فى أنهم «يريدون نقل معركتهم إلى روما»، ومن الوارد أن تصدر ليبيا معضلاتها للغرب بنفس درجة الصعوبة الحالية التى تشكلها قواعد داعش فى سورية، وتحديداً الرقة فى ظل اشتعال الحرب الأهلية فى سورية، حيث داعش محاطة بجماعات مسلحة تتمتع بدعم دولى، فى الوقت الذى تتلقى فيه ضربات جوية من قبل الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وسورية، مع ضرورة عدم التغافل عن التهديدات التى أطلقها أبومحمد العدنانى مسئولية الإعلام فى داعش والتى قال فيها: روما سندخلها لا كذب، وهذا وعد».

وقد ألقت صحيفة «نيويورك تايمز» الضوء على هدف داعش من وراء احتلال سرت وفسرت ذلك بأنه مع تصاعد الضغط العسكرى والاقتصادى على داعش فى العراق وسورية فإن قادة هذا التنظيم قرروا التطلع إلى السيطرة على دول أخرى، إلى جانب التوسع فى العمليات الإرهابية الكبرى، واللافتة كما حدث أخيراً فى هجمات باريس فى 13 نوفمبر الماضى، وكذلك إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء، كما يهتم التنظيم حالياً بتمتين علاقته مع التنظيمات المتشددة التى أعلنت الولاء لداعش فى مصر وأفغانستان، هذا فضلاً عن أن قرب ليبيا من شواطئ أوروبا يسهل تقديم دعم لوجيستى لمقاتليه الذين تكلفهم قيادة داعش بتنفيذ عمليات إرهابية فى أوروبا على الجانب الآخر من المتوسط.

ولم تقتصر مخططات وعمليات داعش فى ليبيا على مدينة سرت فقط بل تجد هذا التنظيم الإرهابى يسعى لتعزيز نفوذه فى مناطق أخرى من ليبيا، وهو ما انعكس أخيراً فى تنفيذ عناصر داعش عرضاً عسكرياً مفاجئاً للقوة فى شوارع مدينة «صبراتة» بالمنطقة الغربية إثر اعتقال شخص تونسى عضواً فى التنظيم، حيث تجول مسلحون يرفعون رايات داعش السوداء على متن عشرات من سيارات الدفع الرباعى فى المدينة، كما أقامت عناصر من داعش نقاط تفتيش فى بعض ضواحى صبراتة وذلك بعد سيطرتها على مبنى كلية العلوم وطرد الطلبة والموظفين منه وأوضحت قيادات داعش أنه سينال من عناصر «فجر ليبيا» المتواجدة فى مدينة صبراتة، مشيراً إلى أنهم يواجههم يومياً لإحكام السيطرة على المناطق المسيطرين عليها، ووصفهم بأنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المرتدة، وتعد جماعة «فجر ليبيا» خصماً عنيداً لداعش لأن الأخيرة تنافسها فى بسط النفوذ على ليبيا.

ومن المعروف أن محاولات داعش للنمو داخل ليبيا بدأت مباشرة عقب رحيل القذافى، بل يمكن القول أثناء عهد القذافى حين كانت الجماعة الإسلامية المقاتلة فى بنغازى تشكل نواة داعش فى ليبيا، وبعد سقوط نظام القذافى استغل داعش الانقسامات الشديدة داخل ليبيا بين الفصائل المختلفة لإنشاء معاقل له قرب شواطئ البحر المتوسط وقرب إيطاليا، وحققت أثناء هذه الفترة انتصارات عدة أمام جماعات مسلحة أخرى بينها مصراتة، ورغم التحديات العديدة التى يواجهها داعش، فإن له خططاً كبيرة لسرت، وهو ما ظهر فى حوار نشرته مجلة «دابق» الإلكترونية التابعة للتنظيم مع أبومغير القحطانى - أحد قادة داعش - الذى تعهد فيه باستغلال موقع ليبيا الجغرافى ومواردها النفطية لمهاجمة أمن واقتصاد أوروبا، ويشير باتريك بريور المحلل المتخصص فى شئون مكافحة الإرهاب، إلى أن فرع ليبيا هو أحد أذرع داعش التى تثير قلقاً كبيراً، ومضيفاً: هذه هى المحطة التى يسير داعش عبرها جميع تحركاته فى شمال أفريقيا، وأوضح أنه من الأسباب التى تجعل ليبيا مركزاً لنشاط تنظيم داعش مساحة البلاد الشاسعة، وموقع ليبيا الجغرافى الاستراتيجى المطل على 6 دول هى: مصر، تونس، الجزائر، تشاد، السودان، والنيجر، إضافة إلى حجم ثرواتها وشبه انهيار الدولة كلها وكثرة الرحلات المنطلقة من الأراضى الليبية باتجاه جنوب أوروبا فى إطار الهجرة السرية.

قادة داعش فى ليبيا

تعددت الأسماء التى نشرتها وسائل الإعلام عن قادة داعش، فمنهم من ذكر أن زعيم داعش فى مدينة سرت سعودى الجنسية يدعى المجزراوى، وأنه المسئول عن التمويل الحربى لعناصر

التنظيم وأن داعش يعتمد على التبرعات التى تأتيه من شخصيات خليجية لكنها لا تفى متطلبات التنظيم فى صرف الرواتب وشراء العتاد العسكرى للعناصر الجديدة التى يتم استقطابها من التنظيم، هذا فى حين كشفت تقارير استخباراتية غربية عن أن أحد أبرز قادة داعش فى ليبيا حالياً يدعى أبوعلى الأنبارى، وهو قائد سابق فى جيش العراق إبان نظام حكم صدام حسين، وأن الأنبارى هذا وصل إلى ليبيا أخيراً عبر البحر المتوسط، ووفقاً لما ذكره سكان سرت وقد اتضح أن الأنبارى تحول بعد الغزو الأمريكى للعراق إلى قيادى فى تنظيم القاعدة، وقاد معارك شرسة ضد الجيش الأمريكى فى الرمادى، ولهذا أسند إليه البغدادى مهمة تقوية سيطرة تنظيم الدولة على مدينة سرت، وعلى رغم أن البنتاجون كان يعتقد بأنه تمكن من قتله بطائرة بدون طيار فى 13 نوفمبر الماضى.

أما وزير الخارجية الليبى فى حكومة طبرق - محمد الدايرى - فقد أوضح أن المدعو وسام نجد الزبيدى الملقب بأبونبيل، كان زعيماً لتنظيم داعش فى مدينة درنة شرقى البلاد وليس زعيم التنظيم فى ليبيا، هذا فى حين تشير مصادر أمريكية إلى أن أبونبيل هذا قتل هذا الشهر فى قصف جوى أمريكى فى شرق سويا، كما ورد أيضاً اسم أبوعبيدة المصرى الذى حط رحاله قبل سبعة أشهر فى سرت قادماً من مصر لينخرط فى تنظيم داعش.

أما صحيفة «نيويورك تايمز» فإنها توضح أن معظم قيادات التنظيم فى ليبيا هم من غير الليبيين، فمنهم عراقيون وسعوديون، ومصريون، وتوانسة، وسودانيون، وذلك فى إطار ما يبدو أنه خطة منظمة لتجهيز ليبيا لتكون القاعدة الجديدة للتنظيم فى حالة تصعيد الهجمات على قواعده فى العراق وسورية، ويتخذ داعش من المحطة البخارية بغرب سرت مقراً رئيسياً له، وهو المقر الذى كان تابعاً لتنظيم فجر ليبيا.

أما المدعو طارق الجرزى - التونسى الأصل - والمسئول عن عمليات المقاتلين الأجانب، ونقل الأفراد والإمدادات إلى سورية والعراق، فلقد أكد جيف دافيز، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» مصرعه فى غارة لطائرة أمريكية دون طيار على سورية، وذلك يوم 16 يونيو الماضى، وذلك بعد يوم واحد فقط من مصرع شقيقه على الجرزى فى غارة مماثلة لطائرة بدون طيار فى مدينة الموصل، وهو الأمر الذى أثر سلباً على إدماج العناصر الإرهابية الأجنبية فى القتال الدائر فى العراق، فضلاً عن تأثيره أيضاً فى عمليات انتقال الأفراد والمعدات من سورية والعراق إلى ليبيا، وتشير مصادر أخرى إلى أن «على القرقعى» الذى يعرف بأبوهمام الليبى زعيماً لسرت.

وقد أكدت كل من صحيفة «ديلى ميل» ووكالة «فارس الإيرانية» أن البغدادى وصل إلى مدينة سرت، بعد أن أعلن مركز بغداد للتنسيق المعلوماتى الذى تشترك فيه روسيا وسورية والعراق وإيران عن ملاحقته فى كل مكان، وذلك بعد تعرضه لإصابة خطيرة نتيجة غارة جوية عراقية فى أكتوبر الماضى ضد قافلة كان هو بها فى العراق، وتم نقله إلى مدينة الرقة بسورية معقل داعش هناك لإنقاذ حياته، ومنها تم تهريبه إلى تركيا لاستكمال علاجه، وبعد ذلك إلى ليبيا خوفاً من تحركات قوات التحالف حوله وقدرتها على إغلاق روابط الاتصال به، لأن عمليات البحث عنه تجرى فقط فى العراق وسورية، لكن لم يتوقع أحد أن يكون فى ليبيا التى تعتبر بالنسبة له أكثر الأماكن أمناً، كما تؤكد مصادر معلومات ليبية أن البغدادى فى سرت التى أعلنها عاصمة لما يسميه بدولة الخلافة وبعد أن كشف التنظيم تواجده فى الأماكن المحيطة بقاعدة «واجادوجو» وهو القاعدة الرئيسية التى فضلها القذافى وبناها له الإيطاليون له، واتخذها مقراً أميناً له لما فيها من سراديب تمتد عدة أمتار تحت الأرض، فضلاً عن تحصينها ضد الضربات الصاروخية، وتشير مصادر مخابراتية أخرى إلى أن وصول البغدادى إلى سرت تزامن مع وصول زعيم منظمة «بوكو حرام» إلى هذه المدينة، حيث جرى تنسيق عمليات إرهابية بينهما.

تدفق الإرهابيين على سرت

بدأت حملة داعش لبسط سيطرته على سرت فى فبراير 2015، عقب استيلاء التنظيم على مدينة النوفلية التى تقع شرق سرت بحوالى 150 كم، وذلك بعد أن نجح هذا التنظيم فى إحداث انشقاق فى تنظيم إرهابى آخر موجود فى المنطقة الشرقية من ليبيا، وهو «أنصار الشريعة»، حيث قام المنشقون بتسهيل دخول داعش إلى المدينة بتقديم التسهيلات اللوجيستية، ودعوة سكان المدينة لإعطاء البيعة للخليفة المزعوم أبوبكر البغدادى، وتعيين على القرقعى زعيماً جديداً للمدينة وإعلان الحرب على ميليشيات مصراتة بسبب اختلاف وتضارب فى التوجهات والمصالح بينهما.

وفى أواخر مايو الماضى، تمكن داعش من السيطرة على قاعدة القرضاوية الجوية وعلى مشروع النهر الصناعى العظيم للرى، ثم فى 9 يونيو استولى أيضاً على محطة توليد الكهرباء فى المدينة، الأمر الذى يمنحه سيطرة كاملة عليها، ومكنه بالتالى من بسط نفوذه على سكان المدينة ومؤسسات الدولة الليبية فيها، كما تسعى قوات داعش فى سرت إلى دخول مدينة «الجفرة» وضمها إلى المدن الأخرى الخاضعة لسيطرته، كذلك اقتربت قوات التنظيم من مدينة «دان» التى تبعد عن سرت 250 كم تمهيداً للسيطرة على الجفرة الخاضعة لميليشيات فجر ليبيا وبما سيمكنها من قطع طريق الإمداد بين قوات فجر ليبيا الموجودة فى كل من سبها ومصراتة، حيث تشهد مدن سرت ومصراتة اشتباكات دموية بين ميليشيات فجر ليبيا وتنظيم داعش، ومن جهة أخرى يقاتل الجيش الليبى جماعات متشددة موالية لفجر ليبيا وأخرى موالية لتنظيم أنصار الشريعة، حيث يعتزم داعش الإعلان عن ولاية جديدة تحت مسمى «ولاية صبراتة» لأهميتها الاستراتيجية وفى محاولات داعش للوصول إلى هلال النفط شمال سرت، ولذلك يهتم التنظيم بجذب المقاتلين المهرة فى تشغيل المنشآت النفطية، وبينما تسيطر ميليشيات مصراتة «فجر ليبيا» التابعة لتنظيم القاعدة على شرق مدينة سرت، والمحاصرة منذ أكثر من عام كامل وحتى وقتنا الراهن، نجد أن داعش يسيطر سيطرة كاملة على باقى المدينة ومن مختلف الجهات، حيث قام التنظيم، ومنذ أكثر من أربعة أشهر مضت بقطع الاتصالات الأرضية وخدمات الهواتف النقالة وشبكة الإنترنت كافة، لذلك تعيش سرت فى عزلة تامة عن العالم الخارجى، وذلك بعد أن سيطرت الجماعات المتطرفة من داعش على سرت وصبراتة وغرب طرابلس وضواحيها، حيث توجد فى تخوم العاصمة كخلايا نائمة بعد أن حولت مدينة درنة إلى إمارة إسلامية، وفى هذا الصدد يلقى الجيش الوطنى الليبى مسئولية ما يحدث فى سرت على عاتق كل من قطر وتركيا، اللذين يقدمان الدعم اللوجيستى من أفراد وأسلحة وذخائر ومعدات ومهمات وأموال إلى داعش بحراً وجواً.

ومع تدفق الإرهابيين من سورية والعراق إلى سرت حققت لداعش إحكام السيطرة على المدينة منذ يونيو الماضى، بعد المعارك التى خاضها مع قوات فجر ليبيا الموالية لحكومة طرابلس الموالية لجماعة الإخوان، وقد استغل داعش حالة الفوضى والاقتتال بين سلطات طرابلس وقوات الجيش الوطنى بقيادة حفتر، لتحويل سرت إلى معقل له بعد أن أصبحت المدينة ملاذاً آمناً له، بعيداً عن أى تهديدات جديدة من السلطات العسكرية والأمنية المتصارعة على الحكم، حيث أصبحت سرت مقر قيادة وتحكم لأعضاء التنظيم يجرى فيها تدريب المقاتلين الجدد ونشر الفكر الداعشى، فقد رصدت أجهزة الاستخبارات الغربية مئات المقاتلين الأجانب القادمين من تونس والسودان واليمن والنيجر ونيجيريا  وبلدان خليجية، إلى جانب من ينتقلون من سورية والعراق فراراً من الهجمات الجوية والبرية التى يتعرض لها التنظيم، يتوجهون إلى سرت ليتدربوا ويتجهزوا ويستعدوا فيها لتنفيذ هجمات فى دول أخرى، وحيث يدرك داعش أن حالة الفوضى فى ليبيا توفر له فرصة تعزيز قدراته والمحافظة على وجوده فيها، وتدعيم فروعه فى المنطقة كلها، طالما أن الحرب قائمة.

وبينما تقدر صحيفة «نيويورك تايمز» عدد المقاتلين التابعين لداعش فى ليبيا بنحو 2000 مقاتل يتمركزون فى سرت والنوفلية ولو أن صحيفة «وول ستريت جورنال» قدرت عددهم بـ5000 مقاتل منهم حوالى 250 مصرياً معظمهم دخلوا ليبيا عن طريق الهجرة غير الشرعية، بينهم عناصر إجرامية معروفة لأجهزة الأمن المصرية، هذا فى حين أن ذراع داعش فى ليبيا لم تتعد أعداد مقاتليه، فى العام الماضى، بضع مئات الذين حاولوا الظهور بمظهر القوى، إن سرت أضحت اليوم تعج بآلاف المقاتلين الأجانب الذين وصلوا إليها خلال أشهر قليلة فى غفلة عن الدول العربية والأوروبية القريبة من ليبيا، وقد أشارت مصادر معلوماتية فى ليبيا إلى انضمام 400 مقتل تونسى و350 سودانياً لصفوف داعش الذى يحاول السيطرة على آبار النفط فى منطقة الهلال النفطى شرق سرت لبيعه للدول الداعمة للإرهاب مقابل توفير الدعم العسكرى للعناصر المقاتلة فى التنظيم، كما كشفت المصادر نفسها عن وجود اتصالات بين عناصر داعش والعديد من العناصر التونسية المتشددة للتنسيق المشترك فيما بينها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المواطنين التونسيين، مؤكدة وجود شخصيات تونسية تنتمى لحركة النهضة التابعة لجماعة الإخوان - ويرأسها راشد الغنوشى - تدعم عناصر داعش فى ليبيا.