بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

أين وثائق حرب‮ ‬1967؟

لم أكن أتصور أن موضوعا جديدا عن هزيمة‮ ‬يونيو‮ ‬1967‮ ‬سيشدني‮ ‬اليه من جديد بعد كل هذه السنوات وأن آراء ثابتة سوف تستبدل بأخري‮.. ‬قد لا‮ ‬يكون ثمة جديد بشكل جذري‮ ‬بالنسبة للمتخصص الذي‮ ‬قرأ وفتش في‮ ‬الكتب‮ ‬والناس عن شهادات الأحياء والأموات من أبطالها‮.. ‬أما بالنسبة لذوي‮ ‬المعلومات العسكرية المحدودة فقد وجدتني‮ ‬مهتمة بأن‮ ‬يلقي‮ ‬شعاع من الضوء علي‮ ‬المعلومات،‮ ‬وأن ترتب الأحداث في‮ ‬سياق‮ ‬يعطيها مدلولات واضحة‮. ‬كنت قد عايشت‮ ‬يونيو المشئوم في‮ ‬صباي‮ ‬وصدقت وغيري‮ ‬الصور والهتافات والأحاديث التي‮ ‬كانت تزدحم بها تلك الأيام بشكل صادم ومخطط من أولئك الذين احترفوا تحويل كل شيء الي‮ ‬نصر وضجيج وأبواق دعائية لا تمل من تمجيد الزعيم‮.. ‬نعم هو جمال عبدالناصر صاحب الكاريزما الطاغية هو نفسه الذي‮ ‬يمكنا أن نراجع مافعل باعتباره المسئول الأول عن الهزيمة كما أعلن صادقا في‮ ‬9‮ ‬يونيو‮ ‬1967‭.‬

هذه المراجعة قد تبدو مملة ومكررة وخاصة أن البعض قد أسماها النواح علي‮ ‬هزيمة‮ ‬يونيو‮. ‬ليس القصد بالطبع الإساءة الي‮ ‬شخصية رحلت عن عالمنا ولكن المقصود أن نبصر المدي‮ ‬الرهيب الذي‮ ‬أوصلتنا إياه هذه الهزيمة لنؤكد ونعرف الأجيال أن الاستبداد هو أس الفساد مهما كانت الحبكة التمثيلية للمستبد العادل الذي‮ ‬لن‮ ‬يكون أبدا أن‮ ‬يختزل فردا أيا كان سواء كان خالدا أو منسيا كل السلطات في‮ ‬يده ويسيطر علي‮ ‬الكلمات في‮ ‬أفواه المصريين في‮ ‬البيوت قبل الإعلام‮.. ‬كل هذا لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يفضي‮ ‬إلا الي‮ ‬كارثة أو كوارث متوالدة ما بين الحرب المجنونة والسلام المفرط‮.‬

كان لقائي‮ ‬بالأستاذ عصام دراز أثناء حضوره ندوة في‮ ‬نقابة الصحفيين دعا اليها د‮. ‬أشرف بلبع وأدارها الكاتب محمد عبدالقدوس موضوع الندوة هو مستقبل مصر السياسي‮ ‬فكان لي‮ ‬مداخلة بدأتها متفقة مع‮ ‬غيري‮ ‬أن مستقبل مصر‮ ‬غامض،‮ ‬وذلك أنه مغ‮ ‬استئثار السلطة بكل آليات الحكم وحجب رأي‮ ‬المعارضة تماما كل هذا‮ ‬يشير الي‮ ‬أن الانفجار الجماهيري‮ ‬العشوائي‮ ‬قادم حتي‮ ‬وإن كنا لا نتمناه‮.. ‬شبهت ذلك بما حدث في‮ ‬ثورة‮ ‬1919‮ ‬ثم أيضا الموقف من التنحي‮ ‬لجمال عبدالناصر بخروج الجماهير لإجباره علي‮ ‬استكمال المسيرة‮.‬

الجملة الأخيرة هي‮ ‬التي‮ ‬استوقفت الأستاذ عصام ودعته الي‮ ‬محادثتي‮ ‬قائلا‮: ‬أريد أن أكلمك لأنه لو لم‮ ‬يكن هناك سوي‮ ‬شخص واحد‮ ‬يعرف الحقيقة فأنا أحمل نفسي‮ ‬واجبا أن أقولها له ولقد دهشت كيف تقولين وأنت كاتبة أن خروج الجماهير كان تلقائيا‮.. ‬أجبته قائلة‮: ‬ذلك بكل بساطة لأنني‮ ‬كنت واحدة من المندفعين الي‮ ‬الشارع فور سماع خطاب عبدالناصر في‮ ‬9‮ ‬يونيو وما كان لأي‮ ‬قوة أن تمنعني‮.‬

في‮ ‬لحظات تم تجاوز هذه النقطة بينما فتحت موضوعات كثيرة قد تدافعت من رجل متحمس شارك في‮ ‬حرب‮ ‬1967‮ ‬وتعرض لمحنة كبيرة من نظام عبدالناصر ثمنا لكلمات نطق بها‮ »‬نعم رغم مأساة الهزيمة التي‮ ‬تعرض لها جيش مصر ظلما فإن بعض عناصره تعرضت للاضطهاد والسجن وكأن الألم ممنوع بالضبط كما منع الرأي‮«.. ‬هذا ما كتبه عصام دراز في‮ ‬مقدمة كتاب‮ »‬ضباط‮ ‬يونيو‮ ‬يتكلمون‮« ‬وأكثر منه سمعته في‮ ‬حوارات معه،‮ ‬كان لابد منها لكي‮ ‬أتمكن من تصديق المهزلة التي‮ ‬عاشتها مصر وجيشها فأنجبت طفلا لقيطا اسمه‮ »‬الهزيمة‮«.. ‬بمحاكمات قادة الطيران وأحكامها‮ ‬غير المرضية للشباب بدت الهزيمة‮ ‬غامضة ومسجلة ضد مجهول وارتفع صوت الكذب وسط ضجيج إعلامي‮ ‬ودعائي‮ ‬تم به طي‮ ‬الصفحة تحت شعار بدا مقنعا آنذاك وهو‮: »‬لا صوت‮ ‬يعلو فوق صوت المعركة‮«.‬

هذه المرحلة أفرزت شاعرا وطنيا عبقريا من بين صفوف الشعب هو أحمد فؤاد نجم ومعه ملحن أغانيه الشيخ إمام كان ذلك هو البوق الشعبي‮ ‬الوحيد الذي‮ ‬شق طريقه ليقول للمصريين أشياء رهيبة عن حكامهم والهزيمة المنكرة للجيش‮ »‬وإن شاء الله‮ ‬يخربها مداين عبدالجبار‮«. ‬بالطبع تم سجن نجم وإمام مرات‮.‬

قبل أن أدع الأستاذ عصام دراز‮ ‬يسترسل احتفظت لنفسي‮ ‬بنسبة من الشك حضرتك تقول إنك تعرضت لمحنة بسبب رفضك لبعض أساليب الخبراء السوفيت في‮ ‬مصر ألا تري‮ ‬أن لديك مرارة انسانية ربما صبغت رؤياك لعبدالناصر باللون الأسود؟‮! ‬أجابني‮ ‬مؤكدا‮: ‬لا توجد أي‮ ‬مرارة علي‮ ‬الإطلاق فقد كنت من مؤيدي‮ ‬عبدالناصر الي‮ ‬أن حدثت الهزيمة ورأيت فداحتها الظالمة علي‮ ‬الجيش والشعب المصري‮ ‬واقتربت من شحصيات عسكرية كبيرة ولقاءات عامة مع المشير عبدالحكيم نائب القائد الأعلي‮ ‬للقوات المسلحة‮.. ‬امتد الحديث الي‮ ‬مقتل المشير الغريب ـ فيما قالت الكثير من المصادر ـ أو فيما أشيع عن انتحاره‮.. ‬ثم‮ ‬غضبة الطلاب أبناء نظام عبدالناصر عقب صدور أحكام الطيران‮.‬

في‮ ‬هذه الفترة الحالية كان هناك حوار الأستاذ عمرو الليثي‮ ‬مع الزوجة الثانية للمشير عامر برلنتي‮ ‬عبدالحميد فسمعت منها ما أثار أكثر من علامة استفهام‮.‬

الفنانة والسياسة

كان لابد من لقاء مع الأستاذ عصام دراز لخبرته العسكرية في‮ ‬القوات المسلحة في‮ ‬حروب‮ ‬1967‮ ‬والاستنزاف والإعداد لحرب أكتوبر‮ ‬1973‮ ‬فضلا عن عضويته في‮ ‬اتحاد الكتاب وفوزه بالعديد من الجوائز الأدبية‮.‬

سألت الأستاذ عصام عن رأيه في‮ ‬مدي‮ ‬مصداقيته هذه الفنانة في‮ ‬الدخول في‮ ‬عالم السياسة والإدلاء بآراء تجزم فيها بأمور خطيرة‮.. ‬أجاب قائلا‮: ‬بالطبع حديث برلنتي‮ ‬عبدالحميد لابدأن‮ ‬يؤخذ باعتباره شاهدة‮ ‬غير متخصصة فهي‮ ‬ليست مرجعا‮.. ‬فضلا عن كونها زوجة مجروحة مما حدث للمشير عامر وهذا لابد من القول بأنه ليس هناك ادعاءات كاذبة فيما قالت‮.. ‬ربما فقط بعض المبالغات‮. ‬أضاف قائلا‮: ‬إن التجارب الصعبة تصقل الإنسان ولعلها فعلت أثرها مع برلنتي‮ ‬عبدالحميد بحكم معاناتها ومقابلتها مع شخصيات رئيسية حول المشير‮.‬

هل تعتقد أن المشير عامر قد قتل؟ كل الدلائل وشهادات الشهود المقربين تعطي‮ ‬هذا الرأي‮ ‬وجاهة‮.‬

سألته‮: ‬ماذا عن نكسة‮ ‬1967؟ إنه حدث تاريخي‮ ‬يستحق أن أكرس حياتي‮ ‬لكشف أسراره الحقيقية ليعرف المصريون لماذا هزمنا فيها‮.. ‬وأعلم أنني‮ ‬أحد المصادر الوحيدة التي‮ ‬التقت بكبار الشخصيات مثل صدقي‮ ‬محمود قائد القوات الجوية الذي‮ ‬صدمني‮ ‬بما حدث ولم‮ ‬ينشر عنه أي‮ ‬شيء لكون المحاكمة سرية وخرجت المظاهرات تدين الأحكام المخففة فما رأيك؟ قال الأستاذ عصام الموضوع هو أن صدقي‮ ‬محمود قال إنه رفض تلقي‮ ‬الضربة الأولي‮ ‬لكن عبدالناصر أصر علي‮ ‬أن‮ ‬يتلقاها الجيش‮.. ‬قلت له‮: ‬أليس في‮ ‬ذلك حكمة حتي‮ ‬لا نبدو أمام العالم كمعتدين؟ قال كيف بعد قرار حشد الجيش الخاطئ الذي‮ ‬تم إعداده في‮ ‬أسرع ما‮ ‬يمكن بينما الحشد للحرب كان‮ ‬يحتاج الي‮ ‬عام علي‮ ‬الأقل‮.‬

أوضح قائلا‮: ‬المفروض أن‮ ‬يكون الإنذار للجيش بالحرب أمرا سريا ثم عندما تأتي‮ ‬الظروف المتوقعة بالحظر عندها‮ ‬يصدر الأوامر بالتحرك الفوري‮ ‬الي‮ ‬سيناء دون استعدادات،‮ ‬الأخطر أن الجيش معظمه كان موجودا في‮ ‬اليمن بالضرورة وكانت قيادات الجيش مهتمة بالحرب الحقيقية الدائرة هناك،‮ ‬ولوجود حرب في‮ ‬اليمن اضطر الجيش الي‮ ‬تخفيض تدريباته وامكانياته‮.. ‬أدت هذه الحرب أيضا الي‮ ‬ضعف كفاءة القوات الموجودة في‮ ‬مصر‮.‬

صداقة عبدالناصر والمشير

هذهالشهادة قرأتها علي‮ ‬لسان أكثر من قائد عسكري‮ ‬سجلها لهم عصام دراز في‮ ‬كتابه‮ »‬ضباط‮ ‬يونيو‮ ‬يتكلمون‮«.. ‬تحدث د‮. ‬عبدالفتاح التركي‮ ‬ضابط استطلاع فقد بصره في‮ ‬حرب‮ ‬1967‮ ‬تحدث عن أثر حرب اليمن السلبي‮ ‬علي‮ ‬الجيش المصري‮ ‬حيث لم‮ ‬يكن هناك في‮ ‬تلك الفترة أي‮ ‬تصور محدد لدي‮ ‬الجيش عن امكانية حرب مع إسرائيل‮.. ‬ويضيف أنه في‮ ‬السنة السابقة للحرب في‮ ‬سنة‮ ‬1966‮ ‬لوحظ نوع من الانكماش في‮ ‬مقررات التدريب وكان تأثير حرب اليمن سيئا علي‮ ‬مستوي‮ ‬الجيش وكانت الوحدات تعود منخفضة الروح معنويا‮.. ‬مستواها التدريبي‮ ‬سيئ‮. ‬سألت الأستاذ عصام دراز عن مسئولية المشير عامر الأساسية في‮ ‬الهزيمة وإفساد الجيش؟ قال‮: ‬لكي‮ ‬تقدرين هذه المسئولية علي‮ ‬حقيقتها لابد من شرح موضوعي‮ ‬إنساني‮ ‬لعلاقة جمال عبدالناصر بعبدالحكيم عامر ومدي‮ ‬الارتباط بينهما أو التكامل الذي‮ ‬تم في‮ ‬ظروف دكتاتورية جعلت صورة الجيش تبدو علي‮ ‬النحو الذي‮ ‬ظهرت به‮.. ‬قال‮: ‬إن مفتاح شخصية جمال عبدالناصر هو الشك والتكتم،‮ ‬أما عبدالحكيم عامر فقد كان‮ »‬منفتح وحبّوب وابن بلد‮« ‬هذا الخلاف بين الشخصيتين جعلهما‮ ‬يكملان بعضهما البعض‮.‬

يجدر أن‮ ‬يذكر أن فكرة تنظيم الضباط الأحرار هي‮ ‬فكرة عامر أصلا لكن رأس التنظيم كان هو عبدالناصر هذه الصداقة القوية كما قال لي‮ ‬كمال الدين حسين زميلهم في‮ ‬الثورة‮ »‬وهي‮ ‬لم تنشر من قبل‮« ‬إنهم كانوا متفقين أن‮ ‬يكملوا بعض‮.. ‬ناصر لها لقرار بحكم شخصيته المهيمنة وعامر هو المساند المؤيد لناصر وقراراته وهذا أعطاه القوة‮.. ‬بهذا الاتفاق أو التعاهد بينهما منذ البداية لم‮ ‬يعد هناك أي‮ ‬امكانية لعامر أن‮ ‬يختلف أويختار السياسة العسكرية بنفسه كما‮ ‬يبدو في‮ ‬الظاهر‮.. ‬لقد كان عامر شخصيته طيبة ومخلصة جدا للزعيم‮ ‬يؤيده ظالما أو مظلوما ليس بالمعني‮ ‬السليم للحديث الشريف،‮ ‬فالمفروض أن‮ ‬يمنعه عن الظلم ولكن في‮ ‬الجيش حيث القواعد العسكرية الصارمة لا مفر من تنفيذ أوامر عبدالناصر بحكم ذلك التعاهد القديم بينهما‮.. ‬تسلسل الأحداث‮ ‬يظهر مقدار تورط عامر ربما أكثر مما كان هو‮ ‬يستحق بسبب هذا الولاء المفرط،‮ ‬فضلا عن الطابع الدكتاتوري‮ ‬العام للنظام الناصري،‮ ‬أدي‮ ‬الي‮ ‬أحداث منها أن عامر هو الذي‮ ‬اختار محمد نجيب رئيسا للثورة ولكنه هو الذي‮ ‬اعتقله بنفسه متوحدا مع رغبة عبادلناصر‮.. ‬نفذ المبدأ في‮ ‬تقسيم الأدوار بحذافيره القرار لناصر والتأييد والتنفيذ لعامر‮.. ‬فقد تم لأول مرة تعذيب الضباط في‮ ‬أزمة مارس سنة‮ ‬1954‮ ‬وتم بعدها تعذيب الإخوان المسلمين‮.. ‬وذلك كان أخطر اتفاق بين عبدالناصر وعامر وقد ظهر بشكله الأسوأ في‮ ‬حرب‮ ‬1967‭.‬

معلومات روسية

سألت الأستاذ عصام دراز كيف؟ قال‮: ‬إن حالة القوات المسلحة لم تكن تسمح بالحرب‮.. ‬عبدالناصر كان‮ ‬يعلم هذا مثلما‮ ‬يعلمه عامر لكن حدث أن معلومات سربها الروس الي‮ ‬مصر بوجود قوات إسرائيلية علي‮ ‬حدود سوريا‮.. ‬وقد بدا هذا مقنعا مع تهديدات إسرائيل الخطابية،‮ ‬لكن هناك من الشهادات المبهمة المصرية التي‮ ‬كان‮ ‬يجب الاستماع إليها جيدا حيث سافر الفريق محمد فوزي‮ ‬يوم‮ ‬14‮ ‬مايو بعد إعلان الحشد ليتأكد من وجود هذه الحشود الإسرائيلية وعاد مبلغا عبدالناصر أنه لا توجد حشود فلا داعي‮ ‬للطوارئ في‮ ‬الجيش المصري‮.. ‬أيضا ذهب الفريق عبدالمنعم رياض الي‮ ‬سوريا وعاد بشهادة قاطعة أنه لا توجد حشود علي‮ ‬سوريا وأبلغ‮ ‬عبدالناصر،‮ ‬فلماذا كان اختيار الحرب؟

توقفت بشدة عند هذه الفقرة،‮ ‬وسألت مباشرة‮: ‬هل تقصد أن حرب‮ ‬1967‮

‬لم‮ ‬يكن لها مبرر ضروري؟ أجابني‮ ‬مضيفا أن عبدالمنعم رياض نفسه قال في‮ ‬تقرير سري‮ ‬لعبدالناصر أن‮ ‬يوقف التصعيد لأن هذا كمين للجيش المصري‮ ‬ورأي‮ ‬أن تحل المشكلة سياسيا‮.. ‬رغم الثقة الكبيرة من عبدالناصر في‮ ‬الفريق عبدالمنعم رياض إلا أننا فوجئنا بتصعيد خطيرمن عبدالناصر للأحداث تمثلت في‮ ‬الخطب المشتعلة‮.. ‬الإعلام الزاعق الذي‮ ‬حمل مغبته والمذيع أحمد سعيد،‮ ‬بينما كان هذا‮ ‬يتم بأمر مباشر من الرئيس ناصر‮ »‬فرقع علي‮ ‬قد ما تقدر،‮ ‬وعندما تحفظ علي‮ ‬هذه الخطة أحمد سعيد وقال‮: ‬إن ذلك قد‮ ‬يحدث رد فعل سيئا رده بعد شهرين من النكسة أو الهزيمة‮.‬

القاهر والظافر

أتوقف قليلا لأقرأ في‮ ‬الكتاب عن شهود‮ ‬يونيو‮.. ‬أقرأ للمهندس محمد فؤاد‮ ‬غانم عن صاروخي‮ ‬القاهر والظافر وما أشيع عنهما بطريقة استعراضية،‮ ‬قال‮ ‬غانم‮: ‬إن القاهر والظافر مجرد صواريخ هيكلية مزيفة‮.. ‬الصواريخ التي‮ ‬أطلقت أمام عبدالناصر وعامر لا تمت الي‮ ‬الصواريخ بصلة فقد سقطت علي‮ ‬مسافة قريبة‮.. ‬وكان تعليق المهندس أحمد‮ ‬غانم أن هذه القصة أشعرته بالخوف علي‮ ‬مستقبل البلد بسبب شيوع هذا الأسلوب فكم من مواطن مصري‮ ‬قبل حرب‮ ‬1967‮ ‬كان‮ ‬يعرف أن إسرائيل كانت تمر علنا من شرم الشيخ؟ كم ضابط مصري‮ ‬يعلم أن مضايق تيران تحت رحمة إسرائيل‮.‬

هذه النقطة ركز عليها الأستاذ عصام دراز حيث أظهرت في‮ ‬1967‮ ‬الإخفاء المتعمد لفتح خليج العقبة بعد حرب‮ ‬1956‮ ‬التي‮ ‬أسموها حربا مظفرة‮.. ‬وأن هذا أدي‮ ‬الي‮ ‬إنشاء إيلات كمدينة وميناء مهم،‮ ‬سألته ما قيمة فتح خليج العقبة لإسرائيل عسكريا؟ أجاب‮: ‬أن هذا الحدث الذي‮ ‬أخفي‮ ‬عن الشعب المصري‮ ‬وساهم في‮ ‬زيادة القوي‮ ‬العسكرية الإسرائيلية بلا حدود لأنه بناء علي‮ ‬ذلك تم تعمير النقب وإنشاء المستعمرات بها،‮ ‬هذا أحدث تفوق استراتيجيا لإسرائيل في‮ ‬المعركة‮. ‬جاءهذا التفوق من ازدواج القوة المسلحة والجغرافيا ذلك أن المستعمرات لها شق عسكري‮ ‬وشق اقتصادي‮ ‬مما‮ ‬يقلب الموازين العسكرية في‮ ‬المنطقة لأن سيناء جغرافيا وتعد امتدادا للنقب ولكنها تركت خالية من السكان بوجود فراغ‮ ‬سكاني‮ ‬وعسكري‮ ‬في‮ ‬سيناء تحت مظلة‮ »‬استرخاء عسكري‮« ‬متفق عليه في‮ ‬سنة‮ ‬1956‮ ‬بين عبدالناصر وإسرائيل ورغم قدمها فقد بدت كلمة‮ »‬استرخاء عسكري‮« ‬غريبة‮!‬

ما تفاصيل بدء حرب‮ ‬1967؟ في‮ ‬لحظات الخطر وتكثيف الاستفزاز قبل دخول حرب‮ ‬1967‮ ‬تم تصعيد احتمالات الحرب بحيث تصبح بلا رجعة في‮ ‬وقت ثابت فيه نقص في‮ ‬الاستعداد والتدريب ومعظم الجيش في‮ ‬اليمن‮. ‬استطرد الأستاذ عصام أن الأسلوب الذي‮ ‬أديرت به هذه الحرب‮ ‬ينم عن خطورة بدت نتائجها من هزيمة بلا حرب فرضت علي‮ ‬الشعب المصري‮ ‬وعلي‮ ‬الجيش المغوار‮.‬

لقد أعلن عبدالناصر في‮ ‬22‮ ‬مايو‮ ‬1967‮ ‬في‮ ‬قاعدة جوية أمام الطيارين وقيادة القوات المسلحة قائلا‮: »‬أهلا بالحرب لن أضرب الضربة الأولي‮« ‬وأعطي‮ ‬الحق لإسرائيل بتوجيه الضربة الأولي‮.. ‬صرخ الطيارون وقتها لا‮ ‬يا ريس وقد أصر صدقي‮ ‬محمود علي‮ ‬رفضه لقبول الضربة الأولي‮ ‬من جانب إسرائيل،‮ ‬فيما قال عصام دراز‮.‬

أشرد بذهني‮ ‬وأتساءل في‮ ‬هذا السياق المضطرب بقرارات‮ ‬غير مدروسة هل كان عبدالناصر‮ ‬يعول علي‮ ‬المجتمع الدولي‮ ‬ليهب لينقذ مصر إذا ما بدت في‮ ‬شكل المعتدي‮ ‬عليه؟ ولكن ماذا كان الداعي‮ ‬لهذه المغامرة أصلا؟ هل كانت واحدة من استعراضات‮ ‬يوليو التي‮ ‬اعتاد الرئيس أن‮ ‬يتلقفها الإعلام مهللا؟

في‮ ‬حواري‮ ‬مع الأستاذ عصام دراز ركز كثيرا علي‮ ‬نقطة تواردت في‮ ‬شهادات أخري‮ ‬لقيادات‮ ‬يونيو هو عدم وجود دوشم لحماية الطائرات المصرية وهو أمر خطير إذ‮ ‬يجعل الطائرات والممرات مكشوفة للعدو‮.‬

في‮ ‬حديث محمد‮ ‬غانم وهو مهندس في‮ ‬القوات الجوية ما‮ ‬يؤكد وجود معاناة شديدة عند طلب ميزانية معقولة تمكننا من العمل بكفاءة،‮ ‬كان الرد دائما لا‮ ‬يوجد اعتماد،‮ ‬ويضيف أن كل ضابط‮ ‬يعرف أن ميزانية استعراض‮ ‬23‮ ‬يوليو السنوي‮ ‬بعد الثورة كانت تكفي‮ ‬لإنشاء عشرات من الدوشم التي‮ ‬كان أساسية للحماية أدي‮ ‬هذا الي‮ ‬أنه بعد الضربة الأولي‮ ‬التي‮ ‬قامت بها إسرائيل في‮ ‬حرب الساعات لم‮ ‬يبق إلا‮ ‬12‮ ‬طائرة سوخوي‮ ‬سليمة وكانت الطائرات الميج‮ ‬21‮ ‬قد دمرت تماما‮.. ‬أما الميج‮ ‬19‮ ‬فلم‮ ‬يبق منها إلا ثلاث طائرات‮.‬

قال تحسين زكي‮ ‬قائد لواء السوخوي‮ ‬في‮ ‬شهادته متسائلا‮: ‬من الذي‮ ‬يجب أن‮ ‬يحاكم،‮ ‬هل الذي‮ ‬أساء اتخاذ القرارات أم الذين حاربوا‮.. ‬لقد حاربنا من أجلهم وتحملنا أخطاءهم‮.. ‬ألم‮ ‬يحارب ضباط الصاعقة الذين أدخلوا السجون‮.. ‬ألم‮ ‬يحاربوا من أجلهم في‮ ‬اليمن واستشهد منهم الكثيرون ضاعوا بلا سبب؟

سألت بدوري‮ ‬عندور صدقي‮ ‬محمود قائد القوات الجوية الذي‮ ‬اتهم بالخيانة من متظاهري‮ ‬1968‮ ‬من الشباب الذين رفضوا أحكاما عليه متهافتة‮.. ‬قال إن الأحكام البسيطة سببها الحقيقي‮ ‬أن السياسة العليا‮ ‬التي‮ ‬أديرت بها حرب‮ ‬1967‮ ‬هي‮ ‬المسئولة عن الهزيمة حيث بدأت بلاضرورة ولا استعداد فضلا عن أوامر الانسحاب العشوائي‮ ‬التي‮ ‬صدرت للجيش فكانت خسائر الانسحاب أكبر بكثير من خسائر القتال في‮ ‬الحدود التي‮ ‬سمح فيها بالقتال بعد تدمير الطيران في‮ ‬الساعات الأولي‮ ‬من‮ ‬5‮ ‬يونيو‮ ‬1967‭.‬

أعدت السؤال مجددا‮: ‬لماذا دخل الرئيس عبدالناصر الحرب إذن جاءت الاجابة‮: ‬أنه لم‮ ‬يحدد أحدا ماذا في‮ ‬ذهن عبدالناصر‮.. ‬هل رأي‮ ‬في‮ ‬الحرب مظاهرة عسكرية أم ماذا؟ لقد صدر لكل القوات قرارات بالانسحاب في‮ ‬6‮ ‬يونيو وهناك من صدرت له قرارات الانسحاب في‮ ‬5‮ ‬يونيو‮ ‬1967‭.‬‮. ‬من الذي‮ ‬أصدر أمر الانسحاب؟ بالتأكيد هو عبدالناصر وتجيء شهادة محمد‮ ‬غانم أن أمر الانسحاب لا خلاف عليه كما صار الادعاء للبعض فكل قائد عسكري‮ ‬يعرف خطورة أمر الانسحاب بدليل أن كليهما استمر في‮ ‬موقعه أثناء الانسحاب‮ »‬يوم‮ ‬5‮ ‬يونيو ويوم‮ ‬6‮ ‬ويوم‮ ‬7‮ ‬ويوم‮ ‬8‮ ‬ويوم‮ ‬9‮«.‬

سواء كان عبدالناصر موافقا أم لا فقد دخل حجرته بالقيادة ونام ثم ذهب الي‮ ‬منزله حتي‮ ‬يوم‮ ‬8‮ ‬يونيو‮.. ‬لا توجد وثائق أمينة حول هذه الأحداث،‮ ‬وهذا ما‮ ‬يفسر سرية محاكمات قادة الطيران والأحكام الهزيلة التي‮ ‬لا تتناسب مع حجم الهزيمة وهو ما‮ ‬يفسر أيضا أهمية القضاء علي‮ ‬عبدالحكيم عامر‮. ‬كما‮ ‬يقول لي‮ ‬عصام دراز‮: ‬إنه حتي‮ ‬الأشرطة التي‮ ‬سجلت اللقاء بين عبدالناصر بالطيارين‮ ‬22‮ ‬مايو تم مسحها بواسطة سامي‮ ‬شرف‮.‬

كلها أسرار‮.. ‬لكنها أسرار فاضحة‮ ‬يجب ألا تموت‮.. ‬كيف‮ ‬يخفي‮ ‬عن الشعب المصري‮ ‬أسرارا تتعلق بأمنه ومستقبله مثلما حدث بشأن فتح خليج العقبة‮.. ‬كيف‮ ‬يدفع بجيشنا لحرب بغير استعداد‮.. ‬ما مبرر الحرب إذا كانت الحشود الإسرائيلية علي‮ ‬إسرائيل لم تحدث وفقا لشهادة الفريق عبدالمنعم رياض ومحمد فوزي؟ لماذا تترك الطائرات المصرية ليتم‮ ‬تحطيمها في‮ ‬ساعات دون حماية لها؟ لماذا‮ ‬يعلن أن مصر ستتلقي‮ ‬الضربة الأولي‮ ‬وهو إعلان‮ ‬يبدو جرسه‮ ‬غريبا بعد مرور هذه الفترة‮.. ‬كيف‮ ‬يستبد بنا زعيم ملهم بينما هو الذي‮ ‬أصدر تلك المجموعة البشعة والقرارات ومنها أمر الانسحاب العشوائي‮.‬

ما الأسرار الحقيقية لأكبر عملية تزييف لحقيقة حرب‮ ‬1967‮ ‬ودوافعها؟