التفويض شر أقوال أهل البدع

لَا تَحْسَبَنَّ هَذَا الْخَلَلَ فِي أُمُورِ الاعْتِقَادِ، وَلَا تَحْسَبَنَّ أَنَّ مَا الْتَصَقَ بِالدِّينِ مِنْ أَمْرِ الشَّوْبِ الَّذِي شَابَ الِاعْتِقَادَ وَالتَّوْحِيدَ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْجَاهِلِينَ وَحْدَهُمْ؛ بَلْ إِنَّ أَكْبَرَ مُنَظِّرٍ لِأَكْبَرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْجَمَاعَاتِ فِي هَذَا الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، بَلْ مُؤَسِّسَهَا -عَفَا اللهُ عَنْهُ- يَقُولُ قَوْلًا عَجَبًا فِي الْأَصْلِ الْعَاشِرِ مِنَ الْأُصُولِ الْعِشْرِينَ؛ يَقُولُ: «وَمَعْرِفَةُ اللهِ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- وَتَوْحِيدُهُ وَتَنْزِيهُهُ أَسْمَى عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ، وَآيَاتُ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثُهَا الصَّحِيحَةُ وَمَا لَحِقَ بِذَلِكَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ نُؤْمِنُ بِهِ كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَا تَعْطِيلٍ». سُبْحَانَ اللهِ! كَيْفَ تَكُونُ آيَاتُ الصِّفَاتِ، وَكَيْفَ تَكُونُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي صِفَاتِ اللهِ -جَلَّ وَعَلَا- مِنَ الْمُتَشَابِهِ؟! وَمِنَ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي لَا يُعْقَلُ لَهُ مَعْنًى! كَالْأَمْرِ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ الْأَعْجَمِيُّ لَا يَفْقَهُ فِيهِ شَيْئًا، فَهَذَا يَتَأَتَّى مِنْ مُؤَسِّسِ كُبْرَى الْحَرَكَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، فَكَيْفَ الشَّأْنُ بِمَنْ دُونَهُ؟! وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
وَهَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ جِدًّا؛ إِذْ لَيْسَ مِنْ عَقِيدَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ التَّفْوِيضُ.
وَالتَّفْوِيضُ -كَمَا يَقُولُ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ مِنَ الْأَثْبَاتِ الْمُحَقِّقِينَ-: «التَّفْوِيضُ شَرُّ أَقْوَالِ أَهْلِ الْبِدَعِ» (الْعَقِيدَةُ التَّدْمُرِيَّةُ لِابْنِ تَيْمِيَّةَ)، فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ هَكَذَا فِي هَذِهِ الْمُؤَسَّسَةِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي تُرِيدُ إِقَامَةَ دِينِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ لَا مَنْهَجَ لِلِاعْتِقَادِ هُنَالِكَ أَبَدًا، وَإِنَّمَا هُوَ شَوْبٌ فِي شَوْبٍ، وَخَلْطٌ فِي خَلْطٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
وَيَقُولُ كَاتِبٌ مِنَ الْمُعَاصِرِينَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ -عَفَا اللهُ عَنْهُ- فِي كِتَابِهِ (أَحْدَاثٌ صَنَعَتِ التَّارِيخَ) عَنْ حَسَنِ الْبَنَا مَا سَمِعَهُ بِنَفْسِهِ مِنْهُ فِي مُحَاضَرَةٍ لَهُ: «فَأُقَرِّرُ أَنَّ خُصُومَتَنَا لِلْيَهُودِ لَيْسَتْ دِينِيَّةً؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ حَضَّ عَلَى مُصَافَاتِهِمْ وَمُصَادَقَتِهِمْ! وَالْإِسْلَامُ شَرِيعَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَرِيعَةً قَوْمِيَّةً، وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ اتِّفَاقًا؛ (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وَحِينَمَا أَرَادَ
لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
فَلَا تَحْسَبَنَّ حَاجَةَ الْأُمَّةِ الْيَوْمَ إِلَى تَصْفِيَةِ الِاعْتِقَادِ أَمْرًا هَيِّنًا، بَلْ يَقُولُ أَكْبَرُ الْمُنَظِّرِينَ السُّورِيِّينَ فِي كِتَابِهِ (تَرْبِيَتُنَا الرُّوحِيَّةُ)، يَقُولُ: إِنَّهُ قَدْ رَأَى رَجُلًا فِي حَادِثَةٍ مَشْهُورَةٍ قَدْ ضُرِبَ بِالشِّيشِ (عَمُودٍ مِنَ الْحَدِيدِ) فِي ظَهْرِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ صَدْرِهِ فَقَبَضَ عَلَيْهِ، ثُمَّ إِنَّهُ ضُرِبَ بِهِ فِي شِدْقِهِ فَخَرَجَ مِنَ الشِّدْقِ الْآخَرِ!
مَاذَا عَلَّقَ الرَّجُلُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ؟ يَقُولُ مُعَلِّقًا: «وَفِي هَذَا أَعْظَمُ دَلِيلٍ وَأَكْبَرُ حُجَّةٍ عَلَى النَّاسِ فِي إِثْبَاتِ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ»!! لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
وَلَا غَرْوَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ ذَلِكَ؛ إِذِ الْعَقِيدَةُ لَمْ تَكُنْ قَدْ صُفِّيَتْ عِنْدَهُ رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ، بَلْ إِنَّهُ لَيَقُولُ: «إِنَّهُ مَأْذُونٌ مِنَ الْمَشَايِخِ الَّذِينَ تَرَبَّى عَلَى أَيْدِيهِمْ فِي الطَّرِيقِ»؛ طَرِيقِ التَّصَوُّفِ الْمَمْقُوتِ، يَقُولُ: «إِنَّهُ قَدْ أُذِنَ لَهُ بِتَسْلِيكِ الطَّرِيقِ لِلْمُرِيدِينَ»، وَيَضَعُ أَحْوَالًا وَأَقْوَالًا يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهَا مِنْهَاجًا لِتِلْكَ الْحَرَكَةِ الْكُبْرَى، كُبْرَى الْحَرَكَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ مِنْ أَجْلِ إِقَامَةِ دِينِ اللهِ فِي الْأَرْضِ عَلَى عَقِيدَةٍ مُمَوَّهَةٍ، عَلَى عَقِيدَةٍ لَا عَقِيدَةَ فِيهَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.