بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
د. وجدي زين الدين

آرمسترونج: الإسلام لا يعرف الحرب المقدسة


"البحث عن إله" شغل البشرية منذ بدء الخليقة، فهناك من يعبد الله، وهؤلاء هم العدد الأكبر من الناس، وهناك من يعبد الشمس أو البقر، أو يصنع تمثالا من حجر أو تمر "عجوة"، ثم يقف أمامه في وجل وخشوع مبديا الذلة والخضوع لصنم يراه صاحب الأمر والنهي والتصرف في المقادير، رغم أنه لا يملك من أمر نفسه شيئا، وأن من صنعه يمكنه تحطيمه بيده، وهكذا تتعدد العقول والمشارب، وكلٌ يعبد ما يشاء حسبما يشاء.

وحول نظرة الإنسان إلى الله خالق البشر أصدرت كارن آرمسترونج كتابها "مسعى البشرية الأزلي: الله.. لماذا؟" وترجمته إلى العربية د. فاطمة نصر ود. هبة محمود عارف، وصدر الكتاب ضمن مكتبة الأسرة. والمؤلفة كارن آرمسترونج كاتبة إنجليزية، اتجهت إلى أن تكون راهبة في بداية مشوارها، لكنها تركت حياة الرهبنة، لأنها لم تجد فيها ضالتها، وألفت العديد من الكتب التي تقدم فيها دراسات وافية عن الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام، وامتازت كتاباتها عن الإسلام بالموضوعية والإنصاف.

تقرر المؤلفة في بداية كتابها أن المؤمنين يدركون أن الله أسمى من كل شيء، لكن كل فريق يدَّعي أن أفعاله تسير وفق ما يريده الله، حتى لو كانت مخالفة لتعاليمه، تقول: "يستشهد السياسيون بالله لتبرير سياساتهم، ويستخدم المدرسون اسمه للحفاظ على النظام بالفصول، والإرهابيون لارتكاب بشاعاتهم باسمه. نتوسل إلى الله أن يدعم جانبنا في الانتخابات أو الحرب، حتى لو على الرغم من أنه من المفترض أن أعداءنا هم أيضا أطفال الله وموضوع حبه ورعايته". وتشير إلى أن الدين لدى الناس عبارة عن ممارسات تتحول إلى عادة دون التفكير فيما نفعل، مثلما يحدث في قيادة السيارات، وتتحقق عنها "النشوة الروحية". وتركز المؤلفة في الكتاب على أن الدين مبحث علمي يساعدنا على اكتشاف قدرات جديدة للعقل والقلب. وترد على الذين يخشون على الأديان بأن الدين لن يختفي، وتؤكد أن الفترة الراهنة تشهد إحياء دينيا على مستوى العالم.

وفي حديث المؤلفة عن الإسلام توضح أنه أسلوب للحياة، ودعوة أخلاقية إلى التراحم، وأن أركان الإسلام الخمسة تدعو إلى العمل، وتفسر شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بأنها: ليست قانونا عقائديا بالمعنى الذي يفهمه الغرب الحديث، إذ "يشهد" من ينطق بالشهادة بأن تكون لمراعاة الله أولوية في كل فعل من أفعاله طوال حياته، ولا إله غيره –تتضمن تلك الآلهة الأخرى الطموحات السياسية، والمادية، والاقتصادية، والشخصية- ولا يجوز أن تعلو متطلبات أي منها على متطلبات الالتزام أمام الله وحده. وتؤكد آرمسترونج أن الإيمان في الإسلام، وفقا للقرآن، أشياء يفعلها الناس: يتقاسمون ثرواتهم، ويعملون الصالحات، ويسجدون لله في صلواتهم التي تحمل في طياتها تفريغ النفس من شهواتها وإنكارا للذات.

وتشير المؤلفة إلى أنه لا ينبغي قراءة القرآن قراءة حرفية، وأن كل سورة وجملة وسطر فيه عبارة عن آيات، بمعنى أنها علامات ورموز، فحديث الإسلام عن الخلق والحساب ويوم الدين، الهدف منه الدعوة إلى العمل، وترجمة المبادئ الإسلامية إلى سلوك عملي. وتضرب مثلا بالآيات التي تتحدث عن الآخرة والحساب، فإنها تدعونا إلى مراجعة السلوك الإنساني، ففيما يخص الثروة يجب أن يسأل المسلمون أنفسهم: هل يعاملون المحتاجين بمحبة

وتعاطف وإنصاف؟ وأما الزكاة فإنها دعوة لرعاية الفقراء والرحمة بهم وتحرير العبيد وتطهير النفس من الاستكبار والأنانية للوصول إلى النقاء والسمو الروحي. وتوضح المؤلفة أن الحرب العدوانية محرمة في الإسلام، وأنه لا يعرف الحرب المقدسة، وأن المبرر الوحيد للحرب هو الدفاع عن النفس، وتشير إلى أن المسلمين أقاموا "إمبراطورية كبرى امتدت من جبال البرانس إلى الهيمالايا، ولكن وعملا بالمبادئ القرآنية، لم يُجبر أحد على دخول الإسلام".

وتستنكر آرمسترونج الحملات الصليبية ضد الإسلام، والتي نتج عنها ذبح 30 ألف مسلم ويهودي، وتشير إلى بشاعة تلك الحملات بقولها: "كانت تلك الحروب، بالطبع، كارثة وثنية، وستظل إحدى أكثر التطورات جلبا للعار في التاريخ المسيحي الغرب. كان إله الصليبيين صنما؛ فقد خلقوا من خوفهم من تلك العقيدتين المنافستين وبغضهم لهما إلها زائفا صنعوه على صورتهم، ومن ثم أعطوا أنفسهم صكا مقدسا لارتكاب بشاعاتهم. جعلت الحملات الصليبية من معاداة السامية داء عضالا في أوروبا وأصابت العلاقات بين الإسلام والغرب برضوض لا تندمل". وتوضح أن ذلك كان في الوقت الذي كان يسافر فيه فريق من الأوروبيين إلى إسبانيا لتلقي العلم من العلماء المسلمين في قرطبة وطليطلة، والتعرف على أعمال أرسطو وفلاسفة اليونان ممن فقدت مؤلفاتهم، وكذلك التعرف على مؤلفات الفلاسفة المسلمين.

وترفض المؤلفة توجيه تهمة الإرهاب إلى المسلمين، وتؤكد أنه "لن تفيد صيحات إدانة الإسلام الجزافية التي لا تستند إلى أسباب وجيهة". وتشير إلى استطلاع رأي أجرته مؤسسة جالوب، وأيد فيه "سبعة في المائة فقط من المسلمين الذين شملهم الاستطلاع هجمات 11 سبتمبر، مؤكدين أن لها ما يبررها، ولكنهم قالوا إنهم لن يرتكبوا مثل هذه الفظائع التي تقع مسئوليتها الأساسية في تقديرهم على سياسة الغرب الخارجية التي تسببت في هذه الأحداث الشنيعة المنكرة. وكان منطقهم في ذلك سياسيا بحتا، فذكروا أزمات مستديمة مثل فلسطين وكشمير والشيشان وتدخل الغرب في الشئون الداخلية للدول الإسلامية. أما غالبية المسلمين ممن أدانوا هجمات سبتمبر فقد ساقوا أسبابا دينية مستشهدين في ذلك بالآية القرآنية: (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).