مصر بعد اتفاق صندوق النقد الدولي
ينتهى اتفاق حكومة مصر مع صندوق النقد الدولى رسميًا وعمليًا فى ديسمبر 2026، لتبدأ مصر مرحلة جديدة فى رحلة التنمية الاقتصادية، تتعامل فيها مع قضايا مُلحة وهموم مزمنة كانت ولا تزال تمثل أولوية لدى المواطن البسيط. وتتلخص هذه القضايا فى تدنى مستوى المعيشة، وارتفاع معدلات التضخم والغلاء، وقلة فرص العمل، وتراجع دور القطاع الخاص فى الاستثمار.
ولا شك لدينا أن رحلة التعاون مع الصندوق، والتى طالت عشر سنوات، كانت تبدو ضرورية فى وقت عانى فيه الاقتصاد المصرى من اختلالات مالية كبيرة، وواجهت خلاله الدولة المصرية أزمات استثنائية. وعلى الرغم من أن التعاون مع الصندوق رسخّ إلى حد كبير الاستقرار الاقتصادى، وأصلح الخلل المالى، إلا أن آثار الإصلاحات التى تم تنفيذها كانت شديدة القسوة على المواطنين البسطاء، إذ ادت إلى ارتفاع كلفة الحياة الطبيعية، وازدياد مُعدل الفقر، وتراجع معدل التشغيل. وضرب المصريون أروع الأمثلة فى الصبر والتحمل واستيعاب الظروف المحيطة، وتقبلوا الضغوط والانكماش، مصطفين خلف القيادة السياسية فى إطار الدولة الوطنية المدنية المستقرة.
والآن، ونحن مُقبلون على مرحلة جديدة، فإن الضرورة تُحتم علينا وضع برامج اقتصادية واضحة، تتضمن أهدافًا ثابتة ومحددة، تتسم بالشفافية والمرونة، والتباحث والتحاور بشأنها بشكل دورى، وعمل فرق عمل لتقييم للأداء، والمتابعة، بما يُحقق فى النهاية آمال المصريين فى تنمية حقيقية مستدامة تحفظ للأجيال القادمة حقها فى العيش بهناء ورخاء.
وإذا كانت المؤشرات الاقتصادية للمؤسسات الدولية تتوقع ارتفاع معدل النمو فى مصر إلى 4.5 فى المئة خلال 2026، وإذا كانت هناك نظرة تفاؤلية بشأن مستقبل التضخم، فإن علينا البناء على ذلك بطرح رؤى واضحة لتحسين مناخ الاستثمار بشكل عام، وجعله النموذج الأكثر جذبًا فى المنطقة، وتهيئة القطاع التجارى المصرى لتتحول مصر إلى مركز تصديرى إقليمى له اعتبار. وهذا ما يتطلب زيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية من خلال إزالة العراقيل التى تواجهها.
وفى تصورى فإن التعامل مع مستوى الفقر الآنى، يستلزم زيادة معدل نمو الناتج الإجمالى بمعدل يزيد على 7 فى المئة، على أن يستمر ذلك لعدة سنوات.
لقد حقق برنامج «حياة كريمة» توازنًا نسبيًا فى تخفيف أعباء الفئات الأشد فقرا خاصة فى الريف،وقضى على جانب كبير من المناطق العشوائية، وأسهم فى تحسين كثير من الخدمات الأساسية، لكن علينا أن نعترف رغم كل ذلك أننا لم نبدأ فعليًا مسيرة التنمية المستدامة، التى تتطلب تطوير التعليم والانفاق على البحث العلمى والابتكار بما يخرج جيلًا جديدًا قادرًا على صياغة المستقبل ولعب دورًا عظيمًا فى تشكيله.
إن على الحكومة مسئولية كبيرة تستلزم مشاورات جادة، وحوارًا بناء مع قادة الأعمال والاقتصاديين، والاستفادة من الاقتصاديين المصريين العظام لرسم مشروع إصلاح اقتصادى وطنى بديل للاتفاق مع صندوق النقد، على أن يُركز على تحقيق العدالة الاجتماعية وتهيئة الطريق لبدء تنمية مستدامة شاملة.
وكل عام والمصريون بخير، وسلامٌ على الأمة المصرية.