بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مصريون في إسطنبول بين مطرقة البطالة وسندان شركات النصب

بوابة الوفد الإلكترونية


>> العمل في الزراعة موسمي في الجبال.. ولو مات العامل ليس له دية
>> وزارة العمل تغلق 11 شركة لإلحاق العمالة بالخارج لمخالفتها القانون    

على الرصيف في شارع محمود بيه بحي شيرين إيفلر بإسطنبول، جلس الحاج حسن ذو الخمسين عامًا ينتظر من السماء أن تمطره بفرصة عمل، حسن مواطن مصري مثل آلاف من المصريين يعاني من البطالة في هذه السن لسبب أو لآخر، فقرر السفر لتركيا حيث التأشيرة الإلكترونية السريعة لمن هم أكبر من ٤٥ عامًا، ولكنه تعرض لنصب شركات أوهمته بفرصة عمل وعائد كبير وسكن ووجبات، وبعد أن أخذت منه مبلغًا كبيرًا مقابل ذلك، لم يجد هناك إلا عملًا يدويًّا شاقًّا، والسكن في غرفة يبيت فيها ثمانية أفراد، كما واجه مشكلة الإقامة بعد شهر وهي الفترة الممنوحة له قانونًا بمقتضى التأشيرة، ليبدأ بعدها مطاردة الشرطة التركية له والتي قد تنتهي في بعض الحالات بإيداعه سجن توزلا ثم ترحيله إلى مصر ليخرج من السجن إلى المطار دون حتى أخذ أمتعته .
ظاهرة شهدتها إسطنبول بداية من منتصف العام الماضي 2024 وهي أعداد كبيرة من المصريين يسافرون للعمل بتركيا بعد وعود من شركات أو أشخاص ينشرون إعلاناتهم على وسائل التواصل، يعدونهم فيها بفرص عمل هناك نظير مبالغ مالية يحصِّلونها منهم، وما إن يصل الواحد منهم المطار حتى يصحبه الوسيط إلى مكان العمل ثم يغلق تليفونه، ويتركه وحده ليواجه مصيره، إما يعمل لمدة شهر، أو يكتشف النصب، وفي الحالتين يواجه بعد شهر مشكلة الإقامة، والتي إن تعثر حصوله عليها يتوارى عن عيون الشرطة التركية لإقامته غير القانونية.
بعض المصريين يسافرون إلى إسطنبول وهم يحلمون بالعمل والرزق للدرجة التي تدفعهم لاقتراض المبالغ المطلوبة لمن سيوفر لهم فرصة العمل واقتراض ثمن التاشيرة وتذكرة الطيران، يذهبون وهم لا يملكون ثمنًا للمبيت؛ فيبيتون أمام المساجد وفي الحدائق العامة لتطاردهم الشرطة، وينتهي الأمر بالإيداع بالسجن والترحيل.
التقت المحررة أحد الأفراد الذين تعرضوا لذلك، وهو محمد الدسوقي والذي يبلغ من العمر 59 عامًا ويعمل «استورجي موبيليا» ولديه من الأولاد اثنان، ابنة تخرجت فى التمريض ولم تُعيَّن بوظيفة، وشاب بالفرقة الأولى بكلية الحقوق، يوضح أنه سافر لتركيا عن طريق إعلانات جروبات المصريين في تركيا موضحًا أن «الإعلانات كلها كدب ولم أجد أي عمل كما اعترضوا على سني ولم أجد شركة دهانات»، ويقول «رغم أني متفوق بمهنتي فإن دخلي بمصر لا يكفي، المكتب الذي قام بتسفيري كان عامل إعلان على الفيس أرسلت لهم رسالة قالوا تعال ولا تشغل بالك وسافرت واستقبلوني عند مطار صبيحة، ومن صبيحة لاسنيورت أخذوا مني ورقة دولار مواصلات، برغم إني لو ركبت الباص هركب بحوالي 120 ليرة، وأخذ مني صاحب المكتب ورقتين دولار، وأخذ للإقامة 6 آلاف ليرة من تحت الحساب بعد ذلك قفل التليفون وخلع ولم أستطع الوصول له، وهناك نصاب آخر أرسل إعلانًا عن أنه متوفر شغل لمبات مرتب 22 الف ليرة شهريًا وبعد ذلك قام أيضًا بغلق تليفونه».
يقول محمد إن «التركي عايز يبقى واقف يتريس ويحط رجل على رجل أما ما يختص بالمعمار والعتالة والشيالة والزبالة فدي للمصريين، ولما جينا قالوا هو احنا كنا ناقصين اللي هنا جايين تكملوا علينا، ولكن بعض السوريين عادوا لبلادهم، فبدأ المصريون يتوافدون على تركيا لأنها أرخص بلد في تكلفة السفر، فالتكلفة تتراوح من 10500 – 12000 جنيه، موضحًا أن الزيارة في السعودية تتكلف 30 ألفًا، وسلطنة عمان 200 ألف، إيطاليا 400 ألف، كرواتيا 400 ألف».
وأوضح أن «المصريين غلابة تجد أحدهم يقف في السوق التركي، ينتظر إن واحد تركي يقول له تعال كسر سور، تعال شيل شوية البلاط دول طلعهم، فهم لا يعملون هذه الأعمال، مثل عندنا في مصر العيال العتالين بيقعدوا بالأجنة والشواكيش» . 
يواصل الدسوقي ويقول «نحن ننزل من الطيارة في تركيا لندفع 3 ورقات ونصف دولار لكي نعمل إقامة ونركب في المواصلات مثلي مثل المواطن التركي، ونحن لسنا مثل السوريين ولا العراقيين ولا السودانيين فنحن لا نأتي لأن بلدنا فيها حرب، نحن نأتي هنا ننفع البلد، وعليه وجب التعامل معنا برقي واحترام .»
وأضاف «نحن ممكن نتقاضى في اليوم 800 ليرة ولكن لن نعمل كل يوم بـ800، بينما أقل راتب حكومة للموظف التركي 45000، أنا آخذ 800 ليرة وبشتغل في الشغلانة اللي هو ما بيشتغلهاش أنا أحمل الألمونيا على كتفي أنا وواحد زميلي ونذهب بها للمحمل الخاص بالفرن لتسيح وتدخل في خط الإنتاج المتكامل، وهذا هو عملنا، انما هو لا يحمل هذا العبء ولا يذهب للفرن، إنما يقف بعيد على الكمبيوتر بيعلي ناره ويضبط الدنيا وبتطلع شرايح، الشرايح التي تطلع على المقص والكرفانات، لما تشتري العود اللمسة منه بتشق الإيد، مقابل 800 ليرة أشترى منهم علبة سجائر 90 ليرة وكيس خبز 25 ليرة، وأشتري بطاطس اللي عارفها وعايش عليها في مصر، اشتريها مع البصل، وأعمل منهم خلطبيطة وعايش عليها، ولا نشتري وجبات أخرى لأنها غالية، وموضوعة كلها في اكياس مكتوب عليها بالتركي، فلا يمكن أشتريها لأني لا أعرف ما بداخلها، ومن حصيلة الـ800 ليرة يوميًا يتكون معي اخر الشهر 22 ألفًا منهم سكن بثلاثة الآف ليرة ونصف وأركب مواصلات بالكارت بحوالي 27 – 50 ليرة، ليبقى حوالي 15 ألف ليرة».
خاضت المحررة تجربة التقديم لوظائف معلن عنها في تركيا، وتواصلت مع معلنين لجلب وظيفة لأحد أقربائها، وكانت التفاصيل أن هناك وظيفتين الأولى في صوبات زراعية المرتب ٤٢٠٠٠ ليرة وسكن وثلاث وجبات، تفاصيل الوظيفة غرف بسيطة تتضمن إنشاء صوبة وتتضمن تركيبات بسيطة يتم تركيب مواسير حديد في الأرض وتغطى بالبلاستيك .
والعمل في ولاية أنطاليا ويعيش العامل في شقة فيها غرف كل غرفة فيها سريران ودولاب خاص بكل واحد.  الوظيفة التانية في مصنع بلاستيك يقف العامل بجوار الماكينة ليتلقف إنتاجها من صناديق بلاستيك المرتب ٣٥٠٠٠ ليرة، الأوراق المطلوبه جواز سفر وعمولة المكتب ٣٠٠٠٠ ليرة والتي قيل إنها تكلفة الأوراق الخاصة بطالب العمل، على أنه بعد شهر يطلع إقامة بـ١٥٠٠٠ ليرة، الوظيفة أيضًا في أنطاليا وسكن وثلاث وجبات.
هناك معلن آخر قال إن هناك وظائف بالمصانع والمزارع وإنشاء صوب زراعية وجمع فاكهة وإن العمل 8 ساعات، والسكن والأكل على حساب المكان، وإنهم يقدمون تأشيرة سياحية بدون عقود عمل نظير 30 الف جنيه هي قيمة التأشيرة وتذكرة الطيران، وعن الإقامة قال إنه يتم التقديم عليها بتركيا مقابل 7 آلاف ليرة، والأجر 40 ألف ليرة بما يوزاي 57 – 58 ألف جنيه مصري.
بالتواصل مع مصريين مقيمين بإسطنبول قالوا إنه لا أحد يتقاضى هذا الأجر مطلقًا، وقالوا (كنا اشتغلنا فيها)، كما أن قيمة التأشيرة وتذكرة الطيران لا تتعدى 12 ألف جنيه، والمصانع في أماكن بعيدة وفي الشتاء يكسوها الجليد وهو نمط حياة لا يعتاده المصريون .
يقول عمر سمير، باحث في العلوم السياسية، وطالب دكتوراه بجامعة إسطنبول، والذي أجرى دراسة على العاملين الأجانب في القطاع الزراعي التركي: «العمل في المصانع شاق وبهدلة وليس أقل من 12 ساعة، و(النصابين) على مواقع التواصل يعدون المصريين كذبًا بأنهم يوفرون عملًا بالمصانع وبعد أسبوع أو عشرة أيام يغادر العامل ويأتي بغيره، وهذه نصباية لا يفطن لها أحد إلا لاحقًا، كما أن المصانع بعيدة عن العمران بما يُعد حبسًا حرفيًا ولا يخرج العامل خوفًا من الشرطة والقبض عليه ويدفع من 2000 لـ3000 دولار لكي يخرج فقط من مركز الترحيل».
ويضيف سمير الذي يعمل بعض أوقات الفراغ بمزارع الشاي والبندق: «العمل في مزارع الشاي والبندق متوفر والأجور في القطاع الزراعي عالية، وتصل لـ ألفين وثلاثة آلاف ليرة في اليوم لكن العمل شاق، فلا يأتي شخص فوق 45 سنة ويقول أشتغل في الزراعة وجمع الشاي لأنه مش هيستحمل ساعتين تلاتة لأن الجمع بيكون بالتارجت والكيلو له سعر وبالتالي إذا لم يجمع عددًا معينًا من الكيلوات فلن يأخذ المبلغ الذي يسمع عنه، يعني هناك ثلاثة آلاف ليرة لكن اذا لم تجمع 300 كيلو في اليوم واذا لم تكن قويًا وشابًا بصحتك وتتحمل الصعود والنزول على الجبال والمخاطرة فلن تستطيع أن تجمع هذه الكمية».
ويضيف: «شىء آخر لو وقعت من فوق جبل ومت ليس لك دية ولن يعترف بك أحد، وهو ما حدث لمواطن سوري وقع وانتهى الموضوع بدون أي ذكر ولا حتى الشغالين معاه تطوعوا وعملوا شيء لأهله، فالمخاطرة في هذه الأعمال شديدة».
ويطالب سمير السلطات المصرية بالتوسط لاتفاقات يتم فيها توفير عقود عمل مؤقت لمدة ستة شهور أو سنة في القطاع الزراعي والصناعي ويتم توريد حصة معينة من احتياجات تركيا من العمالة الموسمية بشروط ميسرة بشكل رسمي بدلًا من المحتالين وبعقود تراجعها وزارتا القوى العاملة والخارجية، وبالتالي يتم جلب 200 ألف أو 300 ألف عامل في السنة، لأن السوق التركية تحتاج  الكثير.
يلفت سمير إلى أن العمل في الزراعة موسمي، فمزارع الشاي مثلًا العمل فيها لمدة 90 يومًا ويتخللها فترات توقف ليست أقل من عشرة أيام من كل شهر، وبالتالي لا يكمل الفرد 3 شهور عمل وينفق منها بقية السنة، والإيجار عالٍ والحياة غالية فلا يغره أنه سيجمع «رقم»، كذلك مسألة أن يعيش ٣٠ أو ٤٠ شخصًا في شقة مثل الخليج غير موجودة وغير مقبولة بتركيا.
وقال «أنا رأيت شخص يعمل بالسيراميك عنده 65 سنة معرفش يجيب الأمتار اللي يعملها شباب شغالين معاه وطلع عينه وحمد ربنا إنه رجع بعد سنة غير مديون، لكن لأن الأمر في مصر صعب من حيث فرص العمل والأجور فالناس تريد السفر حتى  لو هترمي نفسها في البحر، فياريت الناس تفكر وتغامر في غربة بثمن، لكن لا يعملون بالمخالفة ثم يبحثون عن إقامات تكلفهم أكثر من نصف دخلهم، ويتعبوا على مفيش وإلا يكون الخليج أفضل، على الأقل نفس اللغة والثقافة، وسهل يرجعوا ويذهبوا، غير هنا القوانين شديدة واللغة صعبة ولا راحة في العمل والأمور بجد زيادة عن اللزوم وكثير من المصريين غير متعودين على هذا النمط من الأعمال» .
وفي تعليق على هذه الظاهرة، قال مصدر بوزارة العمل، إن الوزارة تصدر دائمًا تنبيهًا وتحذيرًا بعدم التعامل إلا عن طريق الوزراة، وتحذر عبر موقعها الرسمي من الانسياق وراء إعلانات وظائف وهمية للعمل، وتطالب المواطنين وحتى لو في المحافظات بأن يتوجهوا إلى مكتب مديرية وزارة العمل للتأكد من أن شركة إلحاق العمالة بالخارج التي تدعي توفير فرص العمل مسجلة أم لا .
في سياق متصل أعلن محمد جبران، وزير العمل، إيقاف نشاط 11 شركة لإلحاق العمالة بالخارج بعد رصد مخالفات قانونية تستوجب اتخاذ هذا الإجراء، في إطار جهود وزارة العمل لضبط منظومة تشغيل العمالة المصرية بالخارج. 
وطالبت الوزارة المواطنين بعدم التعامل مع الشركات التي تم إيقاف نشاطها، والالتزام بالتعامل فقط مع الجهات المرخصة والمعتمدة حفاظًا على حقوقهم .
وعن أعداد المصريين بتركيا فوفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والأحصاء بلغ عـدد المصـريين المتواجديـن بدولة تركيا 73.3 ألف مصري حتى نهاية عام  2023 ، وبلغت قيمة تحويلات المصريين العاملين بتركيا 30.1 مليون دولار خلال العام المالي 2022 /2023 مقابل  29.1  مليون دولار خلال العام المالي 2021 / 2022.