أون لاين
البريد الرقمى
البريد المصرى يمثل إحدى أقدم مؤسسات الدولة، تأسس عام 1865، قبل إنشاء الاتحاد البريدى العالمى بعشر سنوات، ليكون عضواً مؤسساً فيه، على مدار أكثر من 160 عاماً، كان البريد وسيلة لتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وأصبح مع مرور الوقت منصة لتقديم خدمات حكومية ومالية ولوجستية، هذه المسيرة الطويلة أسست لثقة المواطنين، التى تبدو محور العلاقة بين البريد والمجتمع، وتمثل مقياساً حقيقياً لفاعلية المؤسسة فى تلبية احتياجات الناس.
فى لقاء مع مجلس إدارة الهيئة القومية للبريد بتشكيله الجديد، ركز الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، على أهمية تعزيز هذه الثقة واستثمارها فى تطوير الخدمات المقدمة، وقال الوزير إن البريد المصرى يمتلك إمكانات كبيرة تمكنه من التوسع فى تقديم خدمات رقمية ومالية متكاملة، بما يتوافق مع احتياجات المواطنين فى مختلف أنحاء الجمهورية.
من أبرز التطورات التى شهدها البريد خلال السنوات الأخيرة، زيادة عدد المنافذ إلى 4651 منفذاً على مستوى الجمهورية، مع تطوير أكثر من 85% منها، ومنذ عام 2018، أضيف نحو ألف منفذ جديد، تشمل المكاتب التقليدية والأكشاك البريدية والمكاتب المتنقلة، إلى جانب انتشار أكثر من 3000 ماكينة صراف آلى فى حوالى 70% من المكاتب، هذه التحسينات تسمح للبريد بتقديم خدمات مالية وحكومية بشكل أكثر انتظاماً وفعالية.
كما تم العمل على دعم التجارة الإلكترونية من خلال خدمة «وصلها»، وإنشاء 47 مركزاً لوجستياً لتقديم الخدمات بطريقة مؤتمتة، إلى جانب تطوير متحف البريد ليعكس التاريخ الطويل للمؤسسة، مثل هذه المبادرات تهدف إلى توسيع نطاق الخدمات وجعلها أكثر توافقاً مع متطلبات العصر الرقمى، لكنها أيضاً تعكس محاولة الإدارة الحالية الحفاظ على التوازن بين التقاليد والابتكار.
داليا الباز، رئيسة مجلس الإدارة الجديد، أكدت أن البريد سيستمر فى تقديم خدمات مالية غير مصرفية وخدمات للغير، مع التركيز على المنصات الرقمية لاستقطاب فئة الشباب، تطبيقات مثل «فلوسى» و«إيزى باى» توفر إمكانية إجراء المعاملات المالية عبر الهاتف المحمول، وهو اتجاه يعكس التزام الهيئة بالتحول الرقمى، لكنه يتطلب متابعة دقيقة لضمان شمولية الخدمات واستقرارها للجميع.
من جهة أخرى، يمكن النظر إلى البريد المصرى كنموذج يعكس التحديات التى تواجه المؤسسات التقليدية عند التحول إلى الرقمية، فالتوسع فى عدد المنافذ، وتقديم الخدمات المالية والرقمية، يحتاج إلى موارد بشرية مدربة، وبنية تحتية قوية، ونظام رقابى يضمن جودة الخدمات، كل هذه العناصر ضرورية للحفاظ على ثقة المواطنين، وهى الثقة التى شكلت أساس صمود البريد عبر أكثر من قرن ونصف من الزمن.
البريد المصرى اليوم ليس مجرد مؤسسة لتقديم الرسائل أو الطرود، بل أصبح عنصراً مهماً فى منظومة الخدمات الحكومية والمالية، ويستفيد من الانتشار الجغرافى الواسع للبنية التحتية التى أنشئت على مدار العقود الماضية، ومع ذلك، يبقى السؤال حول مدى قدرة البريد على التكيف مع متطلبات العصر الرقمى بشكل مستمر، والحفاظ على موثوقيته أمام المنافسة المتزايدة فى السوق المالية والرقمية.
فى النهاية، البريد المصرى يمثل تجربة متوازنة بين التاريخ الطويل من الخدمة والثقة، والتحول الرقمى الذى يسعى لمواكبة العصر، الحفاظ على هذا التوازن سيكون مفتاحاً لاستمراره كمؤسسة قادرة على تلبية احتياجات المواطنين بكفاءة، وفى نفس الوقت مواكبة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية الحديثة.