بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

حقوق غير المسلمين الدينية والاجتماعية في الإسلام

بوابة الوفد الإلكترونية

يُعرف تاريخ الإسلام بتفرده في توفير حرية المعتقد والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين على أراضيه، وهو ما لم تشهده دول قامت على أسس دينية سابقة، ويستند هذا التسامح إلى مبادئ قرآنية ونبوية راسخة، ويظهر جليًا في تعاملات الخلفاء الراشدين، حيث تمتع غير المسلمين بحقوق شاملة تشمل الجوانب الدينية، الاجتماعية، والإنسانية، مع التزامهم بضوابط تضمن استقرار المجتمع وحماية مصالح الجميع.


حرية المعتقد في الإسلام

لم يعرف التاريخ قديمة وحديثة دولة قامت على الفكرة الدينية ساوت بين المؤمنين والمخالفين مثلما عرف عن الإسلام ودولته، ولعل أول ما يلفت النظر أو يشد الانتباه في هذا الصدد هو توفير حرية المعتقد لكافة المقيمين على أرضها، وذلك انطلاقًا من قوله تعالى: {لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ} [البقرة: ٢٥٦]


الأسس الدينية والسياسية لحقوق غير المسلمين

وقد حرص النبي -صلى الله عليه وسلم- في كافة عهوده ومواثيقه لأهل الكتاب على تقرير هذه الحرية؛ فقد ورد في صحيفة المدينة للمسلمين دينهم، ولليهود دينهم كما جاء في كتابه لأهل اليمن من كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يفتن عنها، وهو الأمر ذاته الذي تكرر في عهده -صلى الله عليه وسلم- لأهل نجران "ولأهل نجران وحاشيتها جوار الله، وذمة محمد النبي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وبيعهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغير أسقف من أسقفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته".

بل إن السماحة لتبلغ ذروتها بسماحته -صلى الله عليه وسلم- لوفد نجران بالإقامة في مسجده -صلى الله عليه وسلم- وأداء صلاتهم فيه.


سياسة التسامح في عهد الخلفاء الراشدين

وقد سار الخلفاء الراشدون على هذه السنة النبوية الشريفة، فهذا عمر -رضى الله عنه- يكتب إلى نصارى بني تغلب مؤَمِّنا لهم حريتهم الدينية لا يكرهون على دين غير دينهم، وفي عهده لأهل القدس نجد قوله هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمانة؛ أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وصلبانهم سقيمها وبريئها، وسائر ملتها، ألا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم: ولا شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم.

وكتب خالد بن الوليد إلى أهل دمشق تأمينًا على أموالهم وأنفسهم وكنائسهم، وهذه الشواهد التاريخية مجتمعة تدل على أن لغير المسلمين أن يتمتعوا بعقائدهم، وعباداتهم، وأماكن عباداتهم، وليس لأحد ان يتعرض لهم بالمنع، أو إكراههم على غير ما يحبون: ما كان ذلك في نطاق الاعتقاد، والعبادة، وإظهار الشعائر، دون أن يؤذوا المسلمين أو يتعرضوا لعقائدهم بالسوء.

الحقوق الاجتماعية والإنسانية لأهل الذمة

وبجانب هذا التسامح الذي تتضاءل أمامه كافة الحقوق المعاصرة والمواثيق الدولية نجد تساميًا أخر يظهر في تقنيات الفقهاء، ويأخذ الإمام القرافي كمصدر لهذه الرؤية الجديرة بالإعجاب: والتي تحدد حقوق أهل الذمة: وهي "الرفق بضعيفهم، وسد خلة فقيرهم، وإطعام جائعهم، وكساء عاريهم، ولين القول لهم على سبيل اللطف بهم والرحمة لا على سبيل الخوف والذلة، واحتمال أذاهم في الجوار- مع القدرة على إزالته- لطفًا منا بهم، والدعاء لهم بالهداية، ونصيحتهم في جميع أمورهم في دينهم ودنياهم، وحفظ غيبتهم إذا نعرض أحد لأذيتهم، وصون أموالهم وعيالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم ومصالحهم، وأن يعانوا على دفع الظلم عنهم، وإيصالهم إلى جميع حقوقهم" ولم يكن القرافي فريدًا في نظرته هذه وإنما هي نظرة الفقهاء جميعًا.

ومن الأمثلة التطبيقية لهذه المعاني جواز وصية المسلم لغير المسلم والهبة لهم، وكذلك الوقف عليهم، فضلًا عن الأكل من ذبائحهم، والتزوج من نسائهم، وعيادة مرضاهم، فالإسلام قد ساوى بين المسلمين وغير المسلمين في حرمة دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ولم يكتف بذلك بل أوجب لهم حقوقًا كسائر حقوق المسلمين. بل إن هذه المساواة وتلك الحماية لتصل إلى ذروتها بالدفاع عن غير المسلمين في مواجهة القوى الخارجية "إذ يجب على الإمام حفظ أهل الذمة، ومنع من يؤذيهم، وفك أسرهم، ودفع من قصدهم بأذى، إن لم يكونوا بدار حرب بل كانوا بدارنا، ولو كانوا منفردين ببلد؛ فقد جرت عليهم أحكام الإسلام وتأبد عقدهم، فلزمه ذلك كما يلزمه للمسلمين"، ويقول القرافي في هذا الصدد ناقلًا عن ابن حزم: "إن من كان في الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم، بالكراع أو السلاح، ونموت دون ذلك صونًا لمن هو في ذمة الله تعالى وذمة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإن تسليمه دون ذلك إهمال لعقد الذمة" وقد علق الإمام القرافي على قول ابن حزم بقوله: "فعقد يؤدي إلى إتلاف النفوس والأموال صونًا لمقتضاه عن الضياع لعظيم".

 حقوق غير المسلمين في الإسلام

ويكفل الإسلام لغير المسلمين حقوقًا أساسية في الدولة الإسلامية، مستندًا إلى مبادئ العدل والمساواة، يتمتعون بحرية العقيدة وممارسة شعائرهم الدينية، وتُصان دماؤهم وأموالهم وأعراضهم، لهم الحق في الحماية والأمان، ولا يُكرَهون على اعتناق الإسلام، كما تضمن لهم الشريعة حق الملكية، وحق التقاضي أمام قضاء عادل، وحق المشاركة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وتُطبق عليهم الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات المدنية والجنائية بعدل ومساواة مع المسلمين.