بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

حكم اعتماد المريض على الذكاء الاصطناعي في المسائل الطبية

بوابة الوفد الإلكترونية

يعد استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطع بتشخيص الأمراض دون كشف حقيقي وتحديد الأدوية دون تدخُّل أو إشرافٍ من طبيبٍ مختصٍّ مُحرَّم شرعًا؛ لما في ذلك من تعريض النفس للضرر والهلاك، ومخالفةٍ لمبدأ الاختصاص الذي جاءت الشريعة الإسلامية بحفظه.

بيان الهدف من استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي

يشهد الواقع المعاصر طفرةً تقنيةً غير مسبوقة اجتاحت مختلف مجالات الحياة، يتصدرها الذكاء الاصطناعي بما أحدثه من تحولٍ واسعٍ في طرائق التفكير والعمل والتعامل مع المعرفة، ويهدف هذا التطور إلى تمكين أجهزة الحاسب الآلي من أداء المهام التي يقوم بها العقل البشري، من خلال فهم طبيعة الذكاء الإنساني وإنشاء برامج قادرة على محاكاة سلوكه المتسم بالفطنة والذكاء.

ويُعدُّ الذكاء الاصطناعي تقنية حديثة تُستخدم لتحقيق هدفين رئيسيين:

أحدهما: تكنولوجي، يتمثل في توظيف الحاسب لإنجاز مهام مفيدة، ولو بطرائق مغايرة لما يعتمده العقل البشري.

والآخر: علمي، يهدف إلى الاستعانة بمفاهيم الذكاء الاصطناعي ونماذجه للإجابة عن تساؤلات تتعلق بالإنسان وسائر الكائنات الحية. ينظر: "الذكاء الاصطناعي واقعه ومستقبله" لآلان بونيه، ترجمة: د. علي صبري فرغلي (ص: 11، ط. عالم المعرفة)، و"الذكاء الاصطناعي: مقدمة قصيرة جدًّا" لمارجريت إيه بودين، ترجمة: إبراهيم سند أحمد (ص: 11- 12، ط. مؤسسة هنداوي).

بيان وجوب الرجوع إلى أهل التخصص والعلم والخبرة في كل فنٍّ وعلمٍ

ومن المقرر في الشرع الشريف وجوبُ التزام الدقة والاختصاص في أداء الأعمال والممارسات التي تتعلق بمصالح الناس وأبدانهم، ولا سيما في المجالات الطبية، لما في ذلك من حفظٍ للنفوس وصيانةٍ لها من الضرر والهلاك، قال الله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43].

والمراد بأهل الذكر: أهلُ التخصص والعلم والخبرة في كل فنٍّ وعلمٍ، و"تعيينهم في الآية بالنصِّ يقتضي بالمفهوم تحريم سؤال غيرهم"، كما أفاده الإمام القرافي في "شرح تنقيح الفصول" (ص: 443، ط. شركة الطباعة الفنية).

حكم اعتماد المريض على الذكاء الاصطناعي في المسائل الطبية

وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من التطبب بغير علمٍ أو اختصاص، وأخبر أن فاعل ذلك متحمِّلٌ لتبعات فعله وآثار تصرفه، ولا يشفع له حُسنُ القصد، فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، رضي الله عنهم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ، فَهُوَ ضَامِنٌ» أخرجه الأئمة: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، والحاكم، وصححه.

ومعنى التَّطبُّب: الإقدام على ممارسة الطب مع الجهل بهذه الممارسة، ولَفْظَة: «تَطَبَّبَ» تدل على تكلُّف الشيء والدخول فيه بعُسْرٍ وكُلْفَة، وأنَّه ليس من أهله، كما في "فيض القدير" للإمام المُنَاوِي (6/ 106، ط. المكتبة التجارية).

قال الإمام الخَطَّابي في "معالم السنن" (4/ 39، ط. المطبعة العلمية): [والمتعاطي علمًا أو عملًا لا يعرفه متعدٍّ، فإذا تولد من فعله التلفُ ضمن الدية، وسقط عنه القود؛ لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض] اهـ.

وقال الملَّا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (7/ 68، ط. دار الفكر): [«فَهُوَ ضَامِنٌ»: قال بعض علمائنا من الشرح: لأنه تولد من فعله الهلاك، وهو متعد فيه، إذ لا يعرف ذلك] اهـ.

وانطلاقًا من هذا التوجيه الشرعي، وما تضمَّنه من وجوب التزام الاختصاص، وتحذيرٍ من الإقدام على ما يجاوز حدود العلم والخبرة، فإنَّ الأصل في استعمال التقنيات الحديثة ومنها تطبيقات الذكاء الاصطناعي أنها جائزةٌ ما لم يترتب عليها ضررٌ محققٌ أو مخالفةٌ شرعية، وذلك عملًا بالقاعدة الفقهية المقررة أن "الأصل في الأشياء الإباحة"، كما في "الأشباه والنظائر" للإمام الحافظ السُّيُوطي (ص: 60، ط. دار الكتب العلمية).

وقد أفاد المختصون في المجال الطبي أن الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي في التشخيص أو وصف العلاج يجب أن يظل محدودًا؛ لأنها لا تتجاوز تقديم توصيات عامة، ولا يمكن أن تكون بديلًا عن التشخيص الطبي المتخصص؛ إذ إن التشخيص الدقيق يتطلب فحصًا سريريًّا مباشرًا، وتحاليل مخبرية، واستجوابًا تفصيليًّا للمريض، وهي أمور لا يمكن لأي برنامج أو خوارزمية تعويضها.

كما أن هذه التطبيقات بوصفها الحالي لا تمتلك القدرة على استيعاب التاريخ المرضي الكامل للمريض -مثل إصابته بمرض السكري أو غيره من الأمراض المزمنة- مما قد يؤدي إلى تجاهل تفاعلات دوائية خطيرة، قد تفضي في بعض الحالات إلى مضاعفات جسيمة أو الوفاة.

فضلًا عن أن كثيرًا من أنظمة الذكاء الاصطناعي قد تفشل في رصد الأمراض النادرة أو غير المسجلة في قواعد بياناتها، ولا سيما تلك المنتشرة في مناطق جغرافية محددة (كالشرق الأوسط) لكنها غير موجودة في الدول المصنعة للتقنية.

ويُضاف إلى ذلك أنها تفتقر إلى الوضع القانوني الواضح للمساءلة والمحاسبة، مما يجعل تحديد المسؤولية في حال تضرر المريض أمرًا معقدًا. ينظر: ورقة بحثية بعنوان: "فوائد ومخاطر الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية" مراجعة سردية لمارغريت تشوستيكي، المكتبة الوطنية الأمريكية للطب المركز الوطني لمعلومات التكنولوجيا الحيوية (PubMed Central).

ولهذه الاعتبارات الواقعية ونحوها، فإن استعمال هذه الأدوات التقنية في تشخيص الأمراض أو تحديد الأدوية من غير إشراف طبي مختص لا يجوز شرعًا؛ لما فيه من تعريض النفس للضرر والهلاك، وهو ما نهت عنه الشريعة الإسلامية بنصوص قطعية.

فقد حَرَّمت الشريعةُ الإسلامية إتلافَ البدن أو ما يؤدي إلى إتلافه، وأمرت بالمحافظة على النفس والجسد من كل ما يُهلِكه أو يَسوؤه، وبيَّنت أنَّ كلَّ إنسانٍ وإن كان صاحب إرادةٍ حُرة -فيما يَتعلق بشخصه-، إلا أن هذه الإرادة مُقَيَّدةٌ بالحدود التي شرعها الله تبارك وتعالى.

فقال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]. والتهلكة: مصدرٌ مِن هلك يهلك هلاكًا وهلكًا وتهلكةً، أي: لا تأخذوا فيما يهلككم، والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فكل ما صدق عليه أنَّه تهلكة في الدِّين أو الدنيا فهو داخل في هذا، كما في "فتح القدير" للعلامة الشَّوكاني (1/ 222، ط. دار ابن كثير).

وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾ [النساء: 29].