بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

مبادرة نقابة المحامين .. ودور النيابة والرقابة لحماية أموال باقي النقابات

سياسي ونقابي مصري .. والمستشار الأسبق لوزير البيئة

 

منذ أسابيع بادرت نقابة المحامين بخطوة غير مسبوقة في تاريخ العمل النقابي، وربما نادرة في تاريخ العمل العام في مصر؛ بقيامها طوعاً بإحالة ميزانياتها ومشروعاتها وتصرفاتها المالية عن الفترة من 2015 حتى 2025 إلى النيابة العامة الموقرة، لوضعها تحت تصرفها بالفحص والتدقيق واتخاذ ما يلزم حيال أي مخالفات أو تجاوزات ترصدها اللجان المكلفة بذلك التدقيق. إن هذه الخطوة الجسورة ليست مجرد إجراء إداري روتيني، بل هي بمثابة مقدمة لما يمكن أن يؤدي إلى "ثورة تصحيحية" في العمل النقابي خاصة وفي العمل العام في مصر بدون مبالغة، إن أحسنا تطوير تلك الخطوة الراقية المحمودة، لتصبح خطوة على طريق بدء مرحلة المكاشفة، ووضع حد لاستباحة البعض هنا أو هناك لأموال النقابات بطرق ملتوية مستترة، قد لا تظهر أحياناً حتى في الميزانيات والأوراق الرسمية، في عصر تطورت فيه طرق الفساد بشكل يتجاوز الطرق التقليدية لفساد صغار اللصوص التي عفا عليها الزمن والتي يراقبها الجهاز المركزي للمحاسبات.

 

ومن هذا المنطلق، فإننا نطالب بضرورة تعميم هذا النموذج؛ حيث نهيب بالنيابة العامة الموقرة بتوسيع نطاق عمل "لجنة الفحص" الفنية لتشمل مراجعة الميزانيات والتصرفات الفنية والإدارية في كافة النقابات المهنية والعمالية في مصر، وعدم الاكتفاء بمراجعة الأوراق والميزانيات؛ لأن الإضرار بالمهنة لا يقتصر على الميزانيات فحسب، بل يمتد إلى ما يتجاوز الأوراق والمشروعات والتصرفات المالية والإدارية، ليصل إلى التصرفات الفنية والقواعد المهنية والتعليم المهني وهو ما يتطلب تدقيق رقابية وأكاديمي تخصصي. إن حماية أموال ومقدرات العاملين والكادحين في شتى قطاعات الأعمال العامة والخاصة لا يجب أن تظل رهينة لإرادة المجالس النقابية وحدها، بل يجب أن تخضع لمشرط الرقابة القضائية وأجهزة الدولة العليا، حتى لا يعتبر القائمون على تلك النقابات أن مقدراتها مستباحة بلا حسيب أو رقيب. ولا يفوتنا أن نوجه التحية لكل نقابي محترم ومخلص يقتطع من وقته لخدمة زملائه، ويقتصر حديثي هنا على النماذج السيئة المحدودة التي تتواجد في بعض الأوساط النقابية.

 

 

تطهير العمل العام: من البرلمان إلى النقابات

 

وكما طالبتُ من قبل في مقالات سابقة بتطهير الحياة البرلمانية والحزبية، بأن يتحول الترشح للمقاعد البرلمانية والحزبية إلى "مصيدة" لاقتناص أصحاب المصالح غير المشروعة، والفاسدين والمفسدين، والعناصر المخربة، وحملة الشهادات المزورة (على نمط جاسوس الموساد الذي كان طبيباً شخصياً للرئيس السادات)، فإنني هنا أطالب أيضاً بأن تنسحب هذه الدعوة لتشمل شاغلي التشكيلات النقابية الحالية وكذلك المستقبلية، بفحص المترشحين لأي انتخابات نقابية مستقبلاً من خلال تدقيق التاريخ والسيرة وإقرار الذمة المالية لكل شاغل أو مترشح نقابي بمعرفة سبع جهات رقابية، وكذلك "لجان عشوائية مؤقتة" تُشكل لهذا الغرض ثم يتم حلها، ومن ثم الإحالة الفورية لأي مخالفات لأي مترشح أو شاغل لأي منصب برلماني أو نقابي أو حزبي إلى النيابة المختصة ليكون عبرة لكل من يقتحم العمل العام وهو فاسد أو مفسد أو مزور أو عنصر مخرب.. و"على نفسها جنت براقش". إن هذا المسار الرادع سيؤدي تدريجياً إلى "الامتناع الطوعي" عن الترشح من جانب هؤلاء المفسدين، ومن ثم التطهير التدريجي النسبي للحياة السياسية من أجيال من المشبوهين ومحاسيبهم الذين أفسدوا العمل العام، وأفسدوا على المصريين والمهنيين حياتهم وأورثوهم الفقر واليأس وأفقدوهم الثقة في كل شيء.

 

إن مواجهة أي مخالفات في النقابات (سواء كانت تربحاً أو شللية أو تسييساً للعمل النقابي أو تزويراً للشهادات أو تخريباً للمهنة أو للتعليم المهني أو غيرها) تتطلب تفعيلاً كاملاً لدور أجهزة الدولة المعنية، والتي ينبغي أن تكلف إدارات خاصة برصد الشفافية في كل نقابة على حدة، ومن ثم رصد الانحرافات وإحالتها إلى النيابات المختصة؛ بهدف تطهير النقابات من تلك الممارسات والتجاوزات لخطورتها على مصالح أعضاء جمعياتها العمومية. وأهم تلك الجهات التي ينبغي أن تضطلع بهذه المهام: هيئة الرقابة الإدارية، والجهاز المركزي للمحاسبات، والنيابة العامة، ومباحث الأموال العامة، فضلاً عن الجهات الرقابية والأمنية الأخرى التي ينبغي أن ترصد بدقة ما يجري في النقابات باعتبارها مؤسسات تدير "أموالاً عامة" في حكم القانون وتمس مصالح فئات عريضة من الشعب؛ وذلك لردع المتربحين وأصحاب المصالح والمخربين، والتأكيد على أن "الاستقلال النقابي" لا يعني أبداً استباحة مقدرات ومصالح وأموال النقابات وأعضائها. وتحقيق هذا الدور الرقابي يتوجب إنشاء وحدات أو إدارات مختصة بمتابعة العمل النقابي في المؤسسات التي لايوجد فيها مثل هذه الوحدات. 

 

إن تعميم رقابة الدولة على النقابات المهنية والعمالية هو ضرورة وطنية قصوى لحماية مصالح أعضائها، وخاصة المهنيين والعمال المتقاعدين الذين يواجهون ظروفاً حياتية صعبة في ظل الضغوط المعيشية والتضخمية المتزايدة، بل هي ضرورة لحماية السلم الاجتماعي؛ فلا يمكن ترك أموال اليتامى والأرامل والمتقاعدين نهباً لسوء الإدارة أو التجاوزات أو تربيطات الشللية ومطامع شبكات المصالح المشروعة أو غير المشروعة. إننا نناشد الدولة وأجهزتها العليا أن تتخذ من مبادرة نقابة المحامين نقطة انطلاق لتطهير نقابي شامل، امتداداً لما دعوتُ له في مقالات سابقة بتطهير في الأوساط البرلمانية والحزبية والمجتمع المدني، وليس فقط في الجهاز الإداري للدولة؛ ليعلم القاصي والداني أن أموال النقابات هي "خط أحمر"، وأن الدولة ساهرة على حماية مقدرات أبنائها من أعضاء الجمعيات العمومية للنقابات المهنية والعمالية، بل ومقدرات كل طوائف الشعب. ولا يجب أن أختم كلماتي دون تكرار التحية والتقدير لكل نقابي مخلص نظيف اليد خدم زملاءه دون أن ينهب أو يستغل أو يتربح أو يضر المهنة أو يحقق مصالحه على حسابها.