بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

آخر‭ ‬ضحاياها‭.. ‬عجوز‭ ‬بورسعيد‭ ‬وطالب‭ ‬المنوفية‭ ‬

كلاب ضالة .. تحاصر الشوارع وتهدد المواطنين

بوابة الوفد الإلكترونية

وزير‭ ‬الزراعة‭: ‬11‭ ‬مليون‭ ‬كلب‭ ‬ضال‭ ‬فى‭ ‬ربوع‭ ‬مصر
صراع‭ ‬مفتوح‭ ‬بين‭ ‬حق‭ ‬المواطن‭ ‬فى‭ ‬السير‭ ‬بأمان‭ ‬وحق‭ ‬الحيوان‭ ‬فى‭ ‬الحياة
حوادث‭ ‬عقر‭ ‬متكررة‭ ‬فى‭ ‬الريف‭ ‬والحضر‭ ‬ومخاوف‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬انتشار‭ ‬الظاهرة
خبراء‭: ‬التعقيم‭ ‬والتطعيم‭ ‬هما‭ ‬الحل‭.. ‬والقتل‭ ‬يهدد‭ ‬التوازن‭ ‬البيئى



لم‭ ‬تعد‭ ‬الكلاب‭ ‬الضالة‭ ‬مجرد‭ ‬مشهد‭ ‬يتكرر‭ ‬فى‭ ‬الشوارع،‭ ‬بل‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬تمس‭ ‬تفاصيل‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬للمواطنين،‭ ‬بعدما‭ ‬تداخلت‭ ‬فيها‭ ‬الأبعاد‭ ‬الصحية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والأمنية‭ ‬معاً،‭ ‬وعلى‭ ‬وقع‭ ‬حوادث‭ ‬العقر‭ ‬المتزايدة‭ ‬ومشاهد‭ ‬القلق‭ ‬التى‭ ‬ترافق‭ ‬خروج‭ ‬الأطفال‭ ‬وكبار‭ ‬السن‭ ‬إلى‭ ‬الشارع،‭ ‬تصاعد‭ ‬الجدل‭ ‬حول‭ ‬كيفية‭ ‬حماية‭ ‬الناس‭ ‬دون‭ ‬الإخلال‭ ‬بحقوق‭ ‬الحيوان‭ ‬وهل‭ ‬تنجح‭ ‬الحلول‭ ‬العلمية‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬واقع‭ ‬يمتلئ‭ ‬بالفوضى؟‭.‬
هذا‭ ‬الجدل‭ ‬لم‭ ‬يأتِ‭ ‬من‭ ‬فراغ،‭ ‬بل‭ ‬أعادت‭ ‬إشعاله‭ ‬حوادث‭ ‬مؤلمة‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬وفاة‭ ‬مسن‭ ‬بمدينة‭ ‬بور‭ ‬سعيد‭ ‬متأثراً‭ ‬بجراحه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عقره‭ ‬ستة‭ ‬كلاب‭ ‬ضالة‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬حينما‭ ‬كان‭ ‬عائداً‭ ‬لمنزله‭ ‬يحمل‭ ‬كيس‭ ‬لحم،‭ ‬وقبلها‭ ‬بأيام‭ ‬قليلة‭ ‬توفى‭ ‬طالب‭ ‬بالفرقة‭ ‬الثالثة‭ ‬بكلية‭ ‬التجارة‭ ‬بجامعة‭ ‬مدينة‭ ‬السادات‭ ‬بمحافظة‭ ‬المنوفية،‭ ‬بعد‭ ‬صراع‭ ‬استمر‭ ‬قرابة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬بسبب‭ ‬مضاعفات‭ ‬عضة‭ ‬كلب،‭ ‬دخل‭ ‬الشاب‭ ‬فى‭ ‬غيبوبة‭ ‬طويلة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يفارق‭ ‬الحياة،‭ ‬ليسود‭ ‬قرية‭ ‬طليا‭ ‬التابعة‭ ‬لمركز‭ ‬أشمون‭ ‬مسقط‭ ‬رأس‭ ‬الشاب‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الحزن‭ ‬العام،‭ ‬وكان‭ ‬الشاب‭ ‬قد‭ ‬تعرض‭ ‬للعقر‭ ‬أثناء‭ ‬وجوده‭ ‬فى‭ ‬الحقول‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬منزله،‭ ‬ورغم‭ ‬تلقيه‭ ‬الإسعافات‭ ‬الأولية‭ ‬ومصل‭ ‬العقر‭ ‬بمستشفى‭ ‬أشمون‭ ‬العام،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬حالته‭ ‬الصحية‭ ‬تدهورت‭ ‬سريعاً،‭ ‬لينقل‭ ‬إلى‭ ‬مستشفى‭ ‬الحميات‭ ‬ويمكث‭ ‬فى‭ ‬العناية‭ ‬المركزة‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭.‬
مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬استثناءً؛‭ ‬إذ‭ ‬تتزايد‭ ‬شكاوى‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الكلاب‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭ ‬والحقول‭ ‬والمناطق‭ ‬السكنية،‭ ‬ومع‭ ‬تكرار‭ ‬وقائع‭ ‬العقر‭ ‬بين‭ ‬الأطفال‭ ‬والكبار،‭ ‬وارتفاع‭ ‬إحساس‭ ‬الخطر‭ ‬أثناء‭ ‬السير‭ ‬ليلاً‭ ‬أو‭ ‬مبكراً‭ ‬فى‭ ‬الصباح‭ ‬وبين‭ ‬أسر‭ ‬تفجع‭ ‬فى‭ ‬أبنائها،‭ ‬وأخرى‭ ‬تعيش‭ ‬قلقاً‭ ‬يومياً،‭ ‬تتعمق‭ ‬الأسئلة‭ ‬عن‭ ‬قدرة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمة‭ ‬وسرعة‭ ‬تحرك‭ ‬الجهات‭ ‬المعنية‭ ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬ضحايا‭ ‬جدد‭.‬
فى‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬أكدت‭ ‬وزارة‭ ‬الزراعة‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬لا‭ ‬تتبنى‭ ‬نهج‭ ‬القتل‭ ‬أو‭ ‬التسميم،‭ ‬وإنما‭ ‬تعتمد‭ ‬استراتيجية‭ ‬علمية‭ ‬قوامها‭ ‬‮«‬الإمساك–‭ ‬التحصين–‭ ‬التعقيم–‭ ‬الإطلاق‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬يتوافق‭ ‬مع‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬العالمية‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬السعار‭. ‬ومؤخراً‭ ‬أعلن‭ ‬وزير‭ ‬الزراعة‭ ‬واستصلاح‭ ‬الأراضى‭ ‬علاء‭ ‬فاروق‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬المحافظين‭ ‬لتخصيص‭ ‬أراضٍ‭ ‬لإقامة‭ ‬مراكز‭ ‬إيواء‭ ‬مؤقتة‭ (‬شلاتر‭)‬،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬تخصيص‭ ‬مساحة‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬متر‭ ‬مربع‭ ‬كمرحلة‭ ‬أولى‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬التبين‭ ‬بالقاهرة،‭ ‬مع‭ ‬خطط‭ ‬للتوسع‭ ‬فى‭ ‬محافظات‭ ‬أخرى‭ ‬بحسب‭ ‬الحاجة‭.‬
وأشار‭ ‬فاروق‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬إحصائية‭ ‬أجريت‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬الأغذية‭ ‬والزراعة‭ (‬الفاو‭) ‬عام‭ ‬2023‭ ‬قدرت‭ ‬أعداد‭ ‬الكلاب‭ ‬الضالة‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬بين‭ ‬7‭ ‬و8‭ ‬ملايين‭ ‬كلب،‭ ‬مع‭ ‬احتمال‭ ‬زيادتها‭ ‬حالياً‭ ‬بنحو‭ ‬25‭% ‬لتتراوح‭ ‬التقديرات‭ ‬بين‭ ‬10‭ ‬و11‭ ‬مليون‭ ‬كلب،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬يعكس‭ ‬حجم‭ ‬التحدى،‭ ‬وأوضح‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬ستتحمل‭ ‬جزءاً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬تكلفة‭ ‬التعقيم‭ ‬والتحصين،‭ ‬مع‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬المجتمع‭ ‬المدنى‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬لدعم‭ ‬برامج‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الظاهرة‭.‬
ونفى‭ ‬الوزير‭ ‬بشكل‭ ‬قاطع‭ ‬ما‭ ‬تردد‭ ‬عن‭ ‬تصدير‭ ‬الكلاب‭ ‬بغرض‭ ‬الأكل،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬غير‭ ‬مطروح‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬أى‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬تصدير‭ ‬محتمل‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬بغرض‭ ‬الاقتناء‭ ‬وتحت‭ ‬ضوابط‭ ‬صارمة،‭ ‬مع‭ ‬الرفض‭ ‬الكامل‭ ‬لأى‭ ‬تعامل‭ ‬غير‭ ‬إنسانى‭ ‬أو‭ ‬تسميم‭ ‬للحيوانات‭.‬
قلق‭ ‬لا‭ ‬يهدأ
فى‭ ‬جولات‭ ‬ميدانية‭ ‬بعدد‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬الشعبية‭ ‬والريفية،‭ ‬بدا‭ ‬الخوف‭ ‬حاضراً‭ ‬فى‭ ‬روايات‭ ‬المواطنين‭ ‬تقول‭ ‬أم‭ ‬محمد‭ ‬67‭ ‬عاماً‭: ‬بقينا‭ ‬نخاف‭ ‬نطلع‭ ‬بدرى‭ ‬أو‭ ‬نرجع‭ ‬متأخر‭ ‬الكلاب‭ ‬بتمشى‭ ‬فى‭ ‬مجموعات،‭ ‬وصوت‭ ‬نباحها‭ ‬يرعبنا‭ ‬اشتكينا‭ ‬كثيراً‭ ‬ومفيش‭ ‬حل‭ ‬واضح‭.‬
ويضيف‭ ‬عم‭ ‬حسن‭ ‬72‭ ‬عاماً‭: ‬الموضوع‭ ‬مبقاش‭ ‬ليل‭ ‬بس‭.. ‬حتى‭ ‬الصبح‭ ‬حوالين‭ ‬القمامة‭ ‬الوضع‭ ‬خطر‭ ‬إحنا‭ ‬كبار‭ ‬ومش‭ ‬قادرين‭ ‬نجرى‭ ‬ولا‭ ‬نواجه‭.‬
ويتذكر‭ ‬طفل‭ ‬بالمرحلة‭ ‬الإعدادية‭ ‬أحد‭ ‬المواقف‭ ‬قائلاً‭: ‬كلب‭ ‬جرى‭ ‬ورايا‭ ‬وأنا‭ ‬رايح‭ ‬المدرسة‭ ‬وعضنى‭ ‬أخذت‭ ‬المصل‭ ‬بس‭ ‬لحد‭ ‬دلوقتى‭ ‬بخاف‭ ‬أنزل‭ ‬الشارع‭ ‬لوحدى‭.‬
وتشير‭ ‬أم‭ ‬لطفل‭ ‬تعرض‭ ‬للعقر‭ ‬إلى‭ ‬تأثير‭ ‬نفسى‭ ‬ممتد‭ ‬قائلة‭: ‬ابنى‭ ‬بقى‭ ‬يخاف‭ ‬من‭ ‬الشارع،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يشوف‭ ‬كلب‭ ‬يعيط‭ ‬ويتوتر‭ ‬مش‭ ‬مجرد‭ ‬عضة‭ ‬وخلاص‭.‬
وتحدث‭ ‬مواطنون‭ ‬عن‭ ‬الاشتباه‭ ‬فى‭ ‬حالات‭ ‬سعار‭ ‬وسلوك‭ ‬عدوانى‭ ‬غير‭ ‬معتاد‭ ‬لبعض‭ ‬الكلاب‭ ‬بينما‭ ‬اشتكى‭ ‬آخرون‭ ‬من‭ ‬بطء‭ ‬الاستجابة‭ ‬للشكاوى،‭ ‬وتبادل‭ ‬المسئولية‭ ‬بين‭ ‬الجهات،‭ ‬ما‭ ‬يترك‭ ‬المواطنين‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬المشكلة‭.‬
هذه‭ ‬الشهادات‭ ‬تكشف‭ ‬فجوة‭ ‬بين‭ ‬الخطط‭ ‬المعلنة‭ ‬والواقع،‭ ‬وتعيد‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬حماية‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الفور،‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬حل‭ ‬طويل‭ ‬الأجل‭ ‬فى‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭.‬
التوازن‭ ‬البيئى
من‭ ‬زاوية‭ ‬علمية‭ ‬يؤكد‭ ‬الدكتور‭ ‬إسلام‭ ‬السقا،‭ ‬أخصائى‭ ‬طب‭ ‬وجراحة‭ ‬الحيوانات‭ ‬الأليفة‭ ‬بجامعة‭ ‬القاهرة،‭ ‬إن‭ ‬أزمة‭ ‬الكلاب‭ ‬الضالة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ملف‭ ‬أمنى‭ ‬أو‭ ‬خدمى،‭ ‬بل‭ ‬قضية‭ ‬صحية‭ ‬ومجتمعية‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالتوازن‭ ‬البيئى‭ ‬ومنع‭ ‬انتشار‭ ‬الأمراض‭. ‬وأوضح‭ ‬أن‭ ‬الكلاب‭ ‬الضالة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬من‭ ‬عبء‭ ‬صحى‭ ‬إلى‭ ‬قيمة‭ ‬مجتمعية،‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الربح‭ ‬المباشر،‭ ‬وإنما‭ ‬عبر‭ ‬تقليل‭ ‬حوادث‭ ‬العقر‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الأمراض،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يتحقق‭ ‬إلا‭ ‬بتطبيق‭ ‬برامج‭ ‬علمية‭ ‬منتظمة‭ ‬للتطعيم‭ ‬ضد‭ ‬السعار،‭ ‬والتعقيم‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬التكاثر‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬بيطرى‭ ‬كامل‭.‬
وأضاف‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬تصدير‭ ‬الكلاب‭ ‬الضالة‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬حلاً‭ ‬جذرياً‭ ‬للمشكلة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬التأهيل‭ ‬الصحى‭ ‬والالتزام‭ ‬بالضوابط‭ ‬الدولية،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬أى‭ ‬تصدير‭ ‬يتطلب‭ ‬ضمان‭ ‬خلو‭ ‬الحيوانات‭ ‬من‭ ‬الأمراض،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬السعار،‭ ‬قبل‭ ‬السماح‭ ‬بسفرها،‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬الإجراء‭ ‬قد‭ ‬يخلق‭ ‬مخاطر‭ ‬صحية‭ ‬عابرة‭ ‬للحدود‭.‬
وأشار‭ ‬السقا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تفاقم‭ ‬الظاهرة‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬أسباب‭ ‬مجتمعة،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬غياب‭ ‬برامج‭ ‬التعقيم‭ ‬والتطعيم‭ ‬المنتظمة،‭ ‬والتخلى‭ ‬عن‭ ‬الكلاب‭ ‬الأليفة‭ ‬بعد‭ ‬تقدمها‭ ‬فى‭ ‬العمر‭ ‬أو‭ ‬إصابتها‭ ‬بالمرض،‭ ‬وضعف‭ ‬تطبيق‭ ‬القوانين‭ ‬المنظمة‭ ‬لحيازة‭ ‬الحيوانات،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬انتشار‭ ‬القمامة‭ ‬المكشوفة‭ ‬التى‭ ‬توفر‭ ‬مصدر‭ ‬غذاء‭ ‬دائماً‭ ‬لهذه‭ ‬الحيوانات‭ ‬وتساعد‭ ‬على‭ ‬تكاثرها‭ ‬وبقائها‭ ‬داخل‭ ‬الكتل‭ ‬السكنية‭.‬
ولفت‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نقص‭ ‬الملاجئ‭ ‬والمراكز‭ ‬البيطرية‭ ‬الحكومية‭ ‬وغياب‭ ‬تكليف‭ ‬الأطباء‭ ‬البيطريين‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬الدور‭ ‬البيطرى‭ ‬فى‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الظاهرة،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬غياب‭ ‬الحلول‭ ‬المؤسسية‭ ‬فتح‭ ‬الباب‭ ‬لطرق‭ ‬خاطئة‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الكلاب‭ ‬مثل‭ ‬القتل‭ ‬العشوائى‭ ‬والتسميم،‭ ‬وهى‭ ‬ممارسات‭ ‬غير‭ ‬إنسانية‭ ‬وغير‭ ‬علمية،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تحل‭ ‬المشكلة‭ ‬بسبب‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬بتأثير‭ ‬‮«‬الفراغ‭ ‬البيئى‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬تهاجر‭ ‬كلاب‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬المناطق‭ ‬وتعيد‭ ‬إنتاج‭ ‬المشكلة‭ ‬من‭ ‬جديد‭.‬
وشدد‭ ‬أخصائى‭ ‬طب‭ ‬وجراحة‭ ‬الحيوانات‭ ‬الأليفة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الحل‭ ‬العلمى‭ ‬يكمن‭ ‬فى‭ ‬حزمة‭ ‬متكاملة‭ ‬تشمل‭: ‬التعقيم‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬التكاثر،‭ ‬التطعيم‭ ‬المنتظم‭ ‬ضد‭ ‬السعار،‭ ‬إنشاء‭ ‬ملاجئ‭ ‬ومراكز‭ ‬إيواء‭ ‬ورعاية‭ ‬منظمة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬نشر‭ ‬الوعى‭ ‬المجتمعى‭ ‬بأهمية‭ ‬التعامل‭ ‬الإنسانى‭ ‬مع‭ ‬الحيوانات‭ ‬وعدم‭ ‬التخلى‭ ‬عن‭ ‬الكلاب‭ ‬الأليفة‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭.‬
وختم‭ ‬السقا‭ ‬قائلاً‭ ‬إن‭ ‬تحقيق‭ ‬التوازن‭ ‬بين‭ ‬أمان‭ ‬المواطنين‭ ‬وحقوق‭ ‬الحيوان‭ ‬ممكن‭ ‬وواقعى،‭ ‬ولكنه‭ ‬مرهون‭ ‬بالعلم‭ ‬والتنسيق‭ ‬بين‭ ‬الوزارات‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدنى،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الحلول‭ ‬العشوائية‭ ‬التى‭ ‬تحول‭ ‬المشكلة‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬أكبر‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬إنهائها‭.‬
مبادرات‭ ‬الرفق‭ ‬بالحيوان
من‭ ‬جانبه،‭ ‬يرى‭ ‬عمرو‭ ‬محمد،‭ ‬أحد‭ ‬مؤسسى‭ ‬مبادرات‭ ‬الرفق‭ ‬بالحيوان‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬أن‭ ‬توصيف‭ ‬‮«‬كلاب‭ ‬ضالة‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يليق‭ ‬بدولة‭ ‬ذات‭ ‬تاريخ‭ ‬حضارى‭ ‬مثل‭ ‬مصر،‭ ‬موضحاً‭ ‬أن‭ ‬المصريين‭ ‬القدماء‭ ‬قدسوا‭ ‬الكلاب‭ ‬وخلدوا‭ ‬صورها‭ ‬على‭ ‬جدران‭ ‬المعابد،‭ ‬ما‭ ‬يعكس‭ ‬مكانتها‭ ‬فى‭ ‬الوعى‭ ‬الإنسانى‭ ‬المصرى‭ ‬عبر‭ ‬العصور‭. ‬وأشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬زيادة‭ ‬أعداد‭ ‬الكلاب‭ ‬فى‭ ‬الشوارع‭ ‬ليست‭ ‬نتيجة‭ ‬طبيعية،‭ ‬وإنما‭ ‬حصيلة‭ ‬لسياسات‭ ‬خاطئة‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الملف،‭ ‬وفى‭ ‬مقدمتها‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬التسميم‭ ‬والقتل‭ ‬العشوائى،‭ ‬وهى‭ ‬وسائل‭ ‬–‭ ‬بحسب‭ ‬قوله‭ ‬–‭ ‬‮«‬لم‭ ‬تكن‭ ‬حلاً‭ ‬يوماً‭ ‬ولن‭ ‬تكون‮»‬،‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تعالج‭ ‬جذور‭ ‬المشكلة‭ ‬ولا‭ ‬تمنع‭ ‬تكاثر‭ ‬الأعداد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭.‬
وأكد‭ ‬أن‭ ‬النهج‭ ‬الحضارى‭ ‬لإدارة‭ ‬الظاهرة‭ ‬يتمثل‭ ‬فى‭ ‬برامج‭ ‬التعقيم‭ ‬والتطعيم،‭ ‬خاصة‭ ‬تعقيم‭ ‬الإناث،‭ ‬ما‭ ‬يؤدى‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬معدلات‭ ‬التكاثر‭ ‬تدريجياً‭ ‬وظهور‭ ‬الدولة‭ ‬بصورة‭ ‬‮«‬حضارية‮»‬،‭ ‬شريطة‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬البرامج‭ ‬بالتنسيق‭ ‬بين‭ ‬الطب‭ ‬البيطرى‭ ‬وجمعيات‭ ‬حقوق‭ ‬الحيوان‭ ‬وشلاتر‭ ‬الإيواء‭ ‬ومتطوعين‭ ‬من‭ ‬محبى‭ ‬الحيوانات‭ ‬والأطباء‭ ‬البيطريين‭. ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬التوسع‭ ‬فى‭ ‬حملات‭ ‬التعقيم‭ ‬والتطعيم‭ ‬سينعكس‭ ‬بصورة‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬أعداد‭ ‬الكلاب‭ ‬وسلوكها،‭ ‬وسيجعل‭ ‬السيطرة‭ ‬عليها‭ ‬أكثر‭ ‬سهولة‭ ‬كلما‭ ‬زادت‭ ‬تغطية‭ ‬هذه‭ ‬الحملات‭ ‬جغرافياً‭.‬
وانتقد‭ ‬عمرو‭ ‬محمد‭ ‬ما‭ ‬وصفه‭ ‬بضعف‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬للمجتمع‭ ‬المدنى‭ ‬للتعاون‭ ‬الفعلى‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬قائلاً‭ ‬إن‭ ‬‮«‬التعاون‭ ‬غالباً‭ ‬يظل‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬الكلام‭ ‬فقط،‭ ‬أما‭ ‬التنفيذ‭ ‬فيتوقف‭ ‬سريعاً‭ ‬ولا‭ ‬يستمر‭ ‬بصورة‭ ‬مستدامة‮»‬،‭ ‬رغم‭ ‬جاهزية‭ ‬المبادرات‭ ‬والمتطوعين‭ ‬للمشاركة‭ ‬فى‭ ‬الحل‭.‬
وأوضح‭ ‬أن‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬صيغة‭ ‬تضمن‭ ‬أمان‭ ‬المواطنين‭ ‬مع‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬حقوق‭ ‬الحيوان‭ ‬يتطلب‭ ‬مسارين‭ ‬متوازيين؛‭ ‬الأول‭ ‬يتعلق‭ ‬برفع‭ ‬وعى‭ ‬المواطنين‭ ‬بكيفية‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الكلاب‭ ‬فى‭ ‬الشارع،‭ ‬سواء‭ ‬الجراء‭ ‬الصغيرة‭ ‬أو‭ ‬الكلاب‭ ‬البالغة،‭ ‬وتعليم‭ ‬الأطفال‭ ‬والكبار‭ ‬طرق‭ ‬التصرف‭ ‬الآمن‭ ‬عند‭ ‬مواجهة‭ ‬كلب‭ ‬شرس،‭ ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬السلوكيات‭ ‬الخاطئة‭ ‬للبشر‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬سبباً‭ ‬مباشراً‭ ‬فى‭ ‬عدوانية‭ ‬الحيوانات‭. ‬أما‭ ‬المسار‭ ‬الثانى‭ ‬فيتمثل‭ ‬فى‭ ‬التطبيق‭ ‬الفعلى‭ ‬والمنتظم‭ ‬لحملات‭ ‬التعقيم‭ ‬والتطعيم،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬انتشار‭ ‬الكلاب‭ ‬الشرسة‭ ‬سيختفى‭ ‬تدريجياً‭ ‬مع‭ ‬التنفيذ‭ ‬العلمى‭ ‬لهذه‭ ‬البرامج‭.‬
وشدد‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬رفضه‭ ‬القاطع‭ ‬لفكرة‭ ‬الاستثمار‭ ‬فى‭ ‬الكلاب‭ ‬عبر‭ ‬تصديرها‭ ‬أو‭ ‬استخدام‭ ‬لحومها‭ ‬وجلودها،‭ ‬واصفاً‭ ‬ذلك‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬جريمة‭ ‬تمس‭ ‬الأخلاق‭ ‬والدين‭ ‬والعادات‭ ‬المصرية‮»‬،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أن‭ ‬الكلاب‭ ‬ليست‭ ‬مادة‭ ‬تجارية‭ ‬وإنما‭ ‬كائنات‭ ‬حية‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬فى‭ ‬التوازن‭ ‬البيئى،‭ ‬مثل‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬القوارض‭ ‬والزواحف‭. ‬وحذر‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تصدير‭ ‬الكلاب‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬قد‭ ‬يفتح‭ ‬الباب‭ ‬لاستخدامها‭ ‬فى‭ ‬أغراض‭ ‬غير‭ ‬إنسانية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عما‭ ‬قد‭ ‬يسببه‭ ‬نقصها‭ ‬المفاجئ‭ ‬من‭ ‬خلل‭ ‬بيئى‭ ‬وازدياد‭ ‬انتشار‭ ‬الثعابين‭ ‬والعقارب‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬المناطق‭.‬
وختم‭ ‬قائلاً‭ ‬إن‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬الأزمة‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬فى‭ ‬الرصاص‭ ‬أو‭ ‬السم‮»‬،‭ ‬وإنما‭ ‬فى‭ ‬العلم،‭ ‬والوعى،‭ ‬والتنسيق‭ ‬المؤسسى‭ ‬بين‭ ‬الدولة‭ ‬والمجتمع‭ ‬المدنى،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬حماية‭ ‬الإنسان‭ ‬والحيوان‭ ‬معاً‭ ‬ويحفظ‭ ‬صورة‭ ‬مصر‭ ‬كدولة‭ ‬ذات‭ ‬حضارة‭ ‬وإنسانية‭.‬