شكرا المغرب.. المنتخب يرد.. وعلى الإعلام أن يخجل
لم يعد التشكيك في منتخب مصر مجرد اختلاف في الرأي، بل تحول عند البعض إلى موقف مُسبق، بل وممتع، ينتظر فيه أصحابه أي تعثر ليخرجوا بسكاكين النقد المسموم على الهواء مباشرة. فبدلًا من تحليل فني رصين، نشهد حملات جلد علنية، لا تستهدف الأداء بقدر ما تستهدف الكيان نفسه.
ما قُدِّم في برنامج المساء الرياضي عقب مباراة مصر وزيمبابوي على شاشة القناة الناقلة لا يمكن تصنيفه تحليلًا رياضيًا بأي معيار مهني. كان مشهدًا صادمًا، تصدّره ناقد مصري (غراوي) اختار أن يرتدي ثوب الجلاد، لا ثوب الخبير، متجاهلًا أبسط قواعد النقد الموضوعي، ومطلقًا أحكامًا قاسية لا تخدم لعبة ولا وطنًا. الأخطر من ذلك، فتحه الباب لزملاء في الاستوديو لتحويل النقاش إلى وصلة تشفٍّ جماعي، تحت سمعه وبصره، وكأن المنتخب خصم يجب إسقاطه لا كيانًا يجب تقويمه.
الإعلامي ليس مشجعًا، نعم، لكنه أيضًا ليس خصمًا. هناك فارق شاسع بين نقد يبحث عن الحل، وخطاب يتغذى على الإحباط ويصنعه. حين يتحول الناقد إلى محرض، وحين يصبح الانكسار مادة للفرجة، فهنا لا نتحدث عن رأي، بل عن خيانة للمسؤولية المهنية، وربما الوطنية.
وفي خضم هذا الضجيج، جاء الرد من المكان الوحيد الذي لا يعرف الكذب: الملعب. المنتخب رد بأدائه، وبشخصيته، وبقدرته على الصمود أمام الضغط، مؤكدًا أن الحقيقة لا تصنعها الميكروفونات، بل تُكتب بالعرق داخل المستطيل الأخضر.
وللمفارقة، وجد المنتخب دعمًا واحترامًا من خارج الحدود، في مواقف مغربية راقية عكست وعيًا كرويًا وإنسانيًا نفتقده أحيانًا في إعلامنا. وهنا يحق لنا أن نقول: شكرًا للمغرب وجمهوره الجميل، وعفوًا للمنتخب المصري من قلة من المصريين.
أخيراً.. سيبقى منتخب مصر، وستسقط الأقنعة. أما الإعلام، فإما أن يراجع نفسه، أو يعترف صراحة بأنه لم يعد جزءًا من الحل. فالإعلام الرياضي الحقيقي لا يعلو بالصوت، بل يسمو بالفكرة، ولا يبحث عن الأضواء، بل يتحمّل أمانة الكلمة. وما حدث، بكل أسف، كان نقيض ذلك تماماً.