مع اقتراب عام جديد.. كيف نُعيد ترتيب أولويات حياتنا؟
مع تسارع وتيرة الحياة وتزايد الضغوط المهنية والاجتماعية، لم يعد التخطيط للمستقبل ترفًا أو خيارًا مؤجلًا، بل أصبح ضرورة حتمية لضمان النجاح والاستقرار، فالعشوائية لم تعد قادرة على مواكبة واقع متغير، وردود الأفعال وحدها لم تعد كافية لصناعة مسار واضح، بينما يظل الاعتقاد السائد لدى البعض بأن الأقدار وحدها ترسم الطريق، دون إدراك لدور الإنسان في حسن الاختيار وصناعة الفرص.
تحديد الأهداف بدقة:
ويؤكد خبراء التنمية البشرية أن قراءة الواقع بوعي، وتحديد الأهداف بدقة، ووضع خطط قابلة للتنفيذ، تمثل مفاتيح حقيقية للانتقال من دائرة التمني والانتظار إلى مساحة الإنجاز الفعلي والعمل المنظم.
وفي هذا الإطار، يبرز التخطيط بوصفه أداة عقلانية لا تتعارض مع الإيمان بالقضاء والقدر، بل تُعد ترجمة عملية للأخذ بالأسباب، وتفعيلًا لدور الإنسان في إدارة حياته وفق رؤية واضحة ومنهجية مدروسة.
من جانبه، أكد الدكتور حسام صالح، استشاري التنمية البشرية، أن دراسة الواقع بدقة تُعد الخطوة الأولى والأساسية عند وضع أي خطة للمستقبل، مشددًا على أن وضوح الهدف وتحديده بشكل دقيق، مع التأكد من قابليته للتنفيذ، يجعل الوصول إليه أمرًا ممكنًا وسهلًا.
وأوضح أن كثيرًا من حالات الإخفاق لا تعود إلى ضعف الإمكانيات، بقدر ما ترجع إلى غموض الأهداف أو عدم واقعيتها، مشيرًا إلى أن الهدف الواضح يمثل نصف الطريق نحو النجاح.
وشدد الدكتور صالح على أن الإيمان بالقدر لا يتنافى مع التخطيط والأخذ بالأسباب، موضحًا أن الاعتماد الكامل على الظروف دون إعداد أو رؤية واضحة قد يقود إلى الفوضى، في حين يمنح التخطيط الإنسان القدرة على التعامل مع المتغيرات بمرونة وثقة، والاستفادة من الفرص بدل انتظارها.
الخطة تسبق التنفيذ:
وأشار استشاري التنمية البشرية إلى ضرورة التخطيط المسبق قبل الدخول في أي مشروع أو خطوة جديدة، مؤكدًا أن الخطة يجب أن توضع قبل التنفيذ لا أثناءه. وضرب مثالًا ببداية العام الجديد، موضحًا أهمية تخصيص وقت لتقييم العام الماضي، واستخلاص الدروس المستفادة منه، بدلًا من تكرار الأخطاء نفسها تحت ضغط التسرع.
ودعا إلى تدوين ما تم إنجازه خلال العام السابق، مع التخلص من العلاقات المزعجة أو الأمور غير المفيدة، والتركيز على تطوير وتعظيم قيمة الجوانب الإيجابية، مؤكدًا أن المراجعة الصادقة للنفس تمثل حجر الأساس لأي انطلاقة ناجحة، وأن جرد الواقع خطوة ضرورية للتخلص من السلبيات والعمل على تحسين الإيجابيات.
وأوضح الدكتور حسام صالح، أن وضع خطة للعام الجديد ينبغي أن يتم في صورة نقاط واضحة ومحددة، قابلة للتنفيذ والقياس، مع الاستفادة من الخبرات السابقة وتجنب تكرار الأخطاء، مؤكدًا أن التخطيط الجيد لا يعني الجمود، بل المرونة والقدرة على التعديل وفق مستجدات الواقع.
وفي ختام حديثه، شدد على أهمية الحفاظ على التوازن النفسي، قائلًا: «وأنا داخل البيت أسيب مشاكل الشغل، وأنا داخل الشغل أسيب مشاكل البيت»، معتبرًا أن الفصل بين الحياة المهنية والشخصية أحد أهم مفاتيح النجاح والاستقرار النفسي والاجتماعي، لما له من تأثير مباشر على جودة الأداء والإنتاجية، فضلًا عن تحسين العلاقات الإنسانية.
بهذه الرؤية، يصبح التخطيط أسلوب حياة، لا مجرد خطوات مؤقتة، ويغدو العام الجديد فرصة حقيقية لإعادة ترتيب الأولويات، والانطلاق بثقة نحو مستقبل أكثر وضوحًا واستقرارًا.