بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

سرطان في قلب المهنة

في السنوات الأخيرة، تسلل إلى مهنة الصحافة كائن هجين بلا هوية ولا ملامح مهنية، أشخاص يهبطون فجأة على الأفراح والعزاء، يرفعون هواتفهم كأنها تصاريح رسمية، يلتقطون الصور، ويقتحمون الخصوصيات، ثم يفرضون أنفسهم باعتبارهم ممثلين للمهنة، والحقيقة أنهم لا يمتون للصحافة بصلة، ولا يعرفون عنها سوى اسمها، لكنهم أساؤوا إليها إساءة جسيمة، حتى صاروا سرطانًا حقيقيًا في جسد صاحبة الجلالة، ينهش سمعتها ويهدر ما تبقى من هيبتها واحترامها في أعين الناس.

الأدهى أن هؤلاء لا يعترفون بحرمة الميت، ولا يقدّرون الحزن، ولا يحترمون الفرح، يدخلون بلا استئذان، ويصورون بلا إذن، ويتعاملون مع مشاعر البشر كسلعة رخيصة قابلة للتداول، تتعدد الأهداف بين نشر سريع، أو ضغط، أو ابتزاز، أو تكسب عاجل، ومع كل تصرف فج يصدر عنهم، يدفع الصحفي الحقيقي الثمن إهانات وطردًا وتشكيكًا وعداءً مسبقًا، لا لذنب ارتكبه سوى أن المجتمع بات عاجزًا عن التفرقة بين صاحب المهنة ومنتحلها، بعد أن تكاثر المزيفون واحتلوا كل مناسبة وكل شارع وكل عزاء.

التمييز بين الصحفي والدخيل ليس لغزًا معقدًا، الصحفي الحقيقي يعمل بتكليف واضح، ويتبع مؤسسة معروفة، ويحمل صفة قانونية، ويدرك حدوده قبل أن يطالب بحقوقه، يحترم المكان والناس، ويقدم القيمة الإنسانية على أي صورة مسروقة أو سبق رخيص، وعلى النقيض، لا يملك الدخلاء بطاقة ولا تكليفًا ولا التزامًا، كل ما يحركهم شهوة الظهور بأي ثمن، ولو كان الثمن كرامة الناس وسمعة المهنة، يلهثون خلف المشاهدات والإعلانات، ويقتاتون على الفوضى، ويتاجرون باسم الصحافة، وهم أعداؤها الحقيقيون.

ومن هنا، يصبح واجبًا على أصحاب المناسبات، في الفرح كما في العزاء، أن يتحلوا بقدر أكبر من الوعي والحزم، من حقهم التحقق من الصفة، وطلب الإذن، ورفض أي وجود غير مشروع، فالتساهل لا يحمي أحدًا، بل يشجع على التمادي، ويحول المناسبات الخاصة إلى ساحات انتهاك وفوضى بأسماء وهمية لا تنتمي للمهنة،  خاصة أن ما يحدث ليس ممارسة صحفية، بل سعي محموم خلف لقطة تدر ربحًا سريعًا ولو على حساب كرامة الناس.

وبصراحة القانون لا يقف صامتًا أمام هذه الممارسات، انتحال الصفة جريمة، والتصوير دون إذن اعتداء على الخصوصية، والابتزاز باسم النشر جريمة مكتملة الأركان، وتطبيق القانون هنا ليس انتقامًا، بل ضرورة لحماية الناس وخصوصيتهم، وحماية الصحافة نفسها من العبث، فتنظيف صاحبة الجلالة من هذا السرطان لم يعد رفاهية، بل معركة دفاع عن مهنة تستحق الاحترام والتقدير.