بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

الزاد

الضمير والقلم ولغة النقد و«الست»

من حق الفنان، والناقد، والصحفى، بل ورجل الشارع الجالس على القهوة، أن يُبدى رأيه فى أى عمل فنى، أو أى قضية يراها. هذا حق أصيل كفلته الثقافة قبل أن تكفله القوانين. ولغة النقد معروفة وواضحة: أداء الممثلين، الموسيقى، الإخراج، السيناريو، إيقاع العمل، البناء الدرامى، والرسائل الفنية… كلها عناصر قابلة للنقاش والاختلاف، بل أن الاختلاف حولها هو ما يصنع حيوية المشهد الثقافى.

وقد قرأتُ بالفعل الكثير من النقد الذى كُتب عن فيلم «الست». بعض هذا النقد كان قاسياً، وربما تخطّى حدوده فى تشريح العمل كلغة فنية، ومع ذلك فأنا متقبّل له تماماً. لماذا؟ لأن الكاتب هنا تحدث عن مشاهد وأحداث، وعن لغة الموسيقى، والإيقاع، والمونتاج، وأداء النجوم، والسيناريو، والحوار داخل العمل. أى أنه اشتبك مع الفيلم كمنتج فنى، لا كقضية ولاء أو مؤامرة أو خيانة.

فى هذه الحالة، لا يمكن لأحد أن يلومه أو يصادر رأيه. هذا قلمه، وهذا ضميره، تحرك بهما كيفما يشاء، واستخدم أدوات النقد كما يراها مناسبة. قد نتفق معه أو نختلف، لكننا نحترم منطقه ومساره، لأنه ظل داخل حدود النقد، ولم يقفز إلى منصة الاتهام.

لكن المشكلة الحقيقية تبدأ حين يخرج النقد من مساره الطبيعى، ويتحول من تقييم فنى إلى محاكمة أخلاقية أو وطنية. هنا لا نكون أمام رأى، بل أمام اتهام. من الصعب، بل من الظلم الفادح، أن نضع فناناً أو فنانة أو طاقم عمل أو عمل فنى فى خانة الاتهام، لمجرد أنه لم يرضِ البعض. هذا ليس نقداً، وإنما قسوة مع سبق الإصرار والترصد.

الفن، بطبيعته، مساحة للطرح والجدل والتجريب، وليس بيان ولاء أو شهادة حسن سلوك. الفنان لا يوقع على تعهد سياسى أو وطنى مع كل دور يقدمه، ولا يتحول تلقائياً إلى شريك فى كل فكرة أو قراءة أو تأويل يخرج بها المشاهد. محاسبة الفنان على العمل فنياً أمر مشروع، أما محاسبته وطنياً أو أخلاقياً بسبب عمل فنى فذلك انزلاق خطير.

والأخطر من ذلك، أن تصدر هذه الاتهامات من فنانين أو إعلاميين أو صحفيين. فهؤلاء يفترض أنهم الأكثر وعياً بخطورة الكلمة، والأدرك بالفارق بين النقد والتشهير. حين يخرج الاتهام من شخص يمتلك منبراً أو جمهوراً، فإن الأمر لا يعود مجرد رأى شخصى، بل يتحول إلى تحريض معنوى واغتيال رمزى.

النقد الحقيقى يرفع الحس الجمالى، ويفتح باب الحوار، ويصنع وعياً. أما الاتهام الجاهز، فهو لا يخدم الفن، بل يكشف عن عجز فى أدوات النقاش، وفقر فى الحجة، ورغبة فى تصدير الوصاية بدلاً من الفهم.

نحن فى حاجة إلى أن نعيد ترسيم الخط الفاصل بين الاختلاف وتخطى حدوده، بين الرأى والاتهام، بين النقد كفعل ثقافى، والهجوم كفعل إقصائى. فالفن لا يُناقش بالمشانق، ولا يُقيم بالمحاكمات، بل بالعقل، والوعى، واحترام حق الاختلاف.