المعلم في زمن التحولات قدوة تُستعاد… أم موظف يُستنزف؟
مشهد لا يُنسى
في كل سيرة نجاح تقريبًا، هناك معلم في الخلفية. معلم لم يكن الأشهر، ولا الأعلى منصبًا، لكنه كان الأكثر أثرًا. تسأل طبيبًا أو مهندسًا أو كاتبًا: "من أول من آمن بك؟" وغالبًا يجيب: "كان أستاذي." لكن السؤال اليوم: هل ما زال المعلم يحتفظ بتلك المكانة؟ أم أن تحوّلات المجتمع جعلته مجرد موظف يؤدي مهامًا وينصرف؟
تراجع المكانة وسط ضغوط التحول
الطالب تغير. الأسرة تغيرت. الإعلام تغير. والمعلم؟ وسط كل هذا، وجد نفسه محاصرًا بين توقعات كبيرة، وواقع مرهق. مكانته تراجعت:
نظرة المجتمع أصبحت أحيانًا سطحية.
كثير من أولياء الأمور يشكّكون بدل أن يدعموا.
منصات التواصل تراقب كل زلة وتضخّمها.
وفي ظل هذا كله، بات المعلم بحاجة إلى من يعيد له صوته، لا فقط مسؤولياته.
الدولة تتحرك: دعم حقيقي لا شعارات
لحسن الحظ، لم تغب هذه الإشكالية عن صانع القرار. فقد بدأت الدولة، ووزارة التعليم، تحركًا فعليًا لاستعادة هيبة المعلم، عبر:
تأهيل المعلم وتدريبه
إطلاق برامج مهنية متطورة ترفع كفاءته وتمنحه أدوات العصر الحديث.
تحسين بيئة العمل
خفض العبء الإداري، وتفريغ الوقت للمهام الأساسية: التدريس والتوجيه.
ترسيخ صورته المجتمعية
برامج توعوية وإعلامية لإعادة تقديم المعلم كنموذج تربوي يُحتذى به.
تعزيز الحوافز والدعم
رغم التحديات الاقتصادية، هناك توجه لتحسين الأوضاع المعيشية للمعلمين وتحفيزهم للاستمرار في رسالتهم.
قدوة أم موظف؟ سؤال الجوهر
نحن لا نحتاج إلى معلم يعرف "كيف يشرح فقط"، بل إلى معلم يُعلّمنا كيف نعيش، نفكر، نثق، نحترم. الطالب لا يحفظ من المعلم ما يقوله فقط، بل:
كيف يعامله.
كيف يواجه المواقف.
كيف يتحدث، ويستمع، ويتصرف.
الفرق بين "موظف تعليم" و"مربٍّ"… هو في التأثير، لا فقط في الأداء.
الرسالة لم تمت… لكنها تحتاج دعمًا
في كل مدرسة، هناك معلم يضيء رغم الظلام. يقف بابتسامة رغم الضغوط، ويُشعل الشغف في عقل طالب، ويُرمم جرحًا في قلب آخر. لكن هؤلاء يحتاجون إلى بيئة تحفزهم، لا تثقلهم. إلى تقدير يعزز عطاؤهم، لا يستهلكهم.
نحو معلم يقود لا يؤدي فقط
نحن نعيش لحظة فارقة. الدولة ماضية في إصلاح التعليم، والمجتمع بدأ يستعيد وعيه بأهمية المعلم.
لكن الخطوة الأهم الآن هي:
أن يعود المعلم ليؤمن برسالته، ويعود الطالب ليحترمه، وتعود المدرسة لتكون مصنع إنسان… لا مجرد محطة درجات.
لأن المعلم الحقيقي لا يصنع فقط طلابًا ناجحين… بل يصنع أُممًا قوية.
بقلم الخبير التربوي