معنى الوحي وأنواعه وأهم مراحله من القرآن الكريم
من المقرر شرعًا أن الوحي هو إعلام من الله لأنبيائه عليهم السلام؛ وبدأ مع النبي - صلى الله عليه وسلم- بالرؤيا الصادقة ثم نزول جبريل عليه السلام بسورة العلق في غار حراء، وتدرج حتى اكتمل الدين.
تعريف الوحي لغة واصطلاحًا:
الوحي في اللغة هو الإعلام في خفاء وسرعة، فكل إعلام بشيء في خفاء وسرعة يسمى وحيا، ولذلك جاز أن يكون هناك وحي لغير البشر، قال الله سبحانه: {وَأَوۡحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحۡلِ أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلۡجِبَالِ بُيُوتٗا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعۡرِشُونَ} [النحل ٦٨]، كما جاز أن يكون هناك وحي لغير الأنبياء من البشر، كما قال سبحانه: {وَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰٓ أُمِّ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَرۡضِعِيهِ} [القصص ٧]، وهذ الوحي لغير الأنبياء لا يكون بدين شرعي.
واصطلاحًا هو إعلام من الله تعالى لأنبيائه ورسله، بما يريد سبحانه أن يبلغوه إلى خلقه من كتب، وتعاليم شرعية بطريق من طرق الوحي الشرعية.
أنواع الوحي قبل النبوة:
ولقد مر بدء الوحى برسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمراحل حتى جاءه سيدنا جبريل عليه السلام وهو يتعبد بغار حراء، كما جاء في الحديث الصحيح عن السيدة عائشة أم المؤمنين - رضى الله عنها - قالت: أول ما بدئ به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الوحى الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد - الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال اقرأ: قال: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني (أي ضمني) حتى بلغ منى الجهد (التعب) ثم أرسلني (أي أطلقني) فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني ثانية، حتى بلغ منى الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ * ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ} [العلق: ١ - ٣]، فرجع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرجف فؤاده.. [البخاري كتاب بدء الوحي، ومسلم ك الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم].
حكمة التدرج في الوحي:
أ - مرحلة الرؤيا الصادقة الصالحة: فكان لا يرى رؤيا في نومه إلا جاءت واضحة مثل فلق الصبح تمامًا كما رآها، وكانت هذه المرحلة يتهيأ فيها -صلى الله عليه وسلم- لتلقى الوحي ويستعد لاستقباله، قال القاضي عياض - رحمه الله تعالى - عن حكمة البدء بالرؤيا الصالحة به: «لئلا يفجأه الملك، ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تحتملها قواه البشرية فبدأ أمره بأوائل خصال النبوة، وتباشير الكرامة، من صدق الرؤيا [إكمال إعلام المعلم، ج ا/ ص ٤٧٨].
ب - مرحلة الخلوة والتعبد: وقد حبب الله إليه الخلاء في غار حراء، وهذا الغار له مزية على غيره حيث يمكن أن يرى منه الكعبة المشرفة، وينظر إلى بيت أهله من هذا الغار، ولم يكن حبه للخلوة صادرا عن هوى في نفسه، أو استجابة لطبع جبل عليه، وإنما الله تعالى هو الذي حبب إليه الخلاء ليأنس بالخالق سبحانه وتعالى، وليعرض عما كان عليه مجتمع الجاهلية من اللهو والعبث، ومرحلة الخلوة هذه لا تدل على أن النبوة مكتسبة بالجهد والعبادة، وإنما هي هبة من الله تعالى لمن يشاء من خلقه، قال سبحانه: {ٱللَّهُ أَعۡلَمُ حَيۡثُ يَجۡعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام ١٢٤]،كما أن تردده -صلى الله عليه وسلم- على بيت أهله فيه جملة من الفوائد: منها: أن الإنسان لا ينقطع تماما للعبادة ويترك واجباته الأخرى بل عليه أن يؤدى كل الحقوق التي استرعاه الله عليها ويوازن بينها فلا يبالغ في أداء بعضها، ويتهاون في بعضها الآخر، والمؤمن الحق هو الذي يؤدى كل ما عليه بدون مبالغة أو تفريط.
ومنها: أن تزوده -صلى الله عليه وسلم- بالزاد يدل على ضرورة الأخذ بالأسباب، فإن التوكل الحقيقي على الله تعالى هو الأخذ بكل الأسباب الممكنة ثم تفويض الأمر بعد ذلك إلى الله تعالى.
ج - مرحلة نزول الملك: وبعد أن تهيأ النبي -صلى الله عليه وسلم- جاءه جبريل عليه السلام وهو في غار حراء بأول الآيات التي نزلت من القرآن الكريم وهي قوله تعالى {ٱقۡرَأۡ بِٱسۡمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ ٱلۡإِنسَٰنَ مِنۡ عَلَقٍ * ٱقۡرَأۡ وَرَبُّكَ ٱلۡأَكۡرَمُ} [العلق: ١ - ٣].
ثم فتر الوحي مدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يذهب عنه الخوف الذي أصابه عند لقائه بالملك أول مرة، وليشتد شوقه إليه، ثم تتابع الوحي بعد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتم الله نعمته، وأكمل دينه الذي لن يقبل من الخلق بعد بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دينًا سواه: {وَٱخۡشَوۡنِۚ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗا}، [المائدة ٣].