تصحيح مسار
فاتورة النجاح.. صراع بين «المدرسى» و«الخارجى»!
يعتبر الكتاب المدرسى والكتاب الخارجى من أكثر القضايا التى تثير الجدل فى كل بيت مصرى مع بداية كل عام دراسى، بل مع بداية كل فصل دراسى «ترم»، حيث تحولت الكتب الخارجية من مجرد «مساعد» إلى «بديل أساسى» فى نظر الكثيرين.
وقبل انطلاق كل فصل دراسى من العام الدراسى، تبدأ رحلة البحث الشاقة لأولياء الأمور عن «الكتاب الخارجى» الأفضل، فى ظاهرة غريبة وروتينية كل عام، تجعل الكتاب المدرسى الرسمى يتوارى خجلا فى حقيبة الطالب. لقد تحول الكتاب الخارجى فى ثقافتنا التعليمية من مجرد أداة مساعدة إلى روشتة نجاح لا غنى عنها، بينما ظل الكتاب المدرسى يصارع لإثبات وجوده كمرجع أساسى للاختبارات.
من جهة المعلم، يميل قطاع كبير من المعلمين - خاصة فى الدروس الخصوصية- إلى الاعتماد الكلى على الكتاب الخارجى، والسبب يكمن فى الجاهزية، فالكتاب الخارجى يوفر للمعلم مادة علمية مقسمة لفقرات صغيرة، وبنوك أسئلة ضخمة، ونماذج إجابات، مما يوفر جهده فى التحضير، والبعض -للأسف- يهمل الكتاب المدرسى تماما، مما يعطى انطباعا للطالب بأنه غير مهم.
أما من جهة ولى الأمر، يرى أولياء الأمور فى الكتاب الخارجى طوق نجاة، فالتدريبات المكثفة وطرق الشرح المبسطة والألوان الجذابة تجعل المذاكرة مع الأبناء أقل تعقيدا، ورغم العبء المادى الكبير، يعتبر ولى الأمر شراء الكتاب الخارجى أمرا ضروريا لضمان تفوق ابنه، خوفا من غموض بعض أجزاء المنهج فى الكتاب المدرسى.
والكتاب المدرسى يعتبر المرجعية الأولى فى العملية التعليمية، فهو المصدر الرسمى الذى تخرج منه أسئلة الامتحانات نظريا، كما أنه يقدم المعلومات المباشرة دون حشو زائد قد يشتت الطالب بالتركيز على الأساسيات، ومتاح لجميع الطلاب مجانا أو برسوم رمزية ضمن المصروفات الدراسية.
أما ما يؤخذ على الكتاب المدرسى فهو غالبا ما يفتقر إلى الجاذبية البصرية، كاستخدام الألوان والرسوم التوضيحية الحديثة فى الإخراج الفنى، ولا يحتوى على كم كاف من الأسئلة المتنوعة التى تغطى كل مستويات التفكير، كما يؤخذ عليه أيضا قلة التدريبات.
أما الكتاب الخارجى يتميز بالتنظيم والبساطة بالاعتماد على الخرائط الذهنية والجداول لتسهيل الحفظ والفهم، ويوفر مئات الأسئلة على كل درس، مما يدرب الطالب على أنماط مختلفة بغزارة التدريبات، كما أنه يتضمن بعض امتحانات السنوات السابقة للمواد الدراسية وكذلك ونماذج استرشادية قوية واختبارات دورية.
ومن أبرز عيوب الكتاب الخارجى، التكلفة المادية العالية، والتى أصبحت تمثل عبئا اقتصاديا ضخما على الأسرة المصرية، كما أنه أحياناً يتوسع فى معلومات خارج المنهج، مما يرهق الطالب ذهنيا ويسبب التشتيت والحشو الذى قد يكون لا فائدة له فى بعض الأحيان، ويعود الطالب على الاستسهال والاتكال بالاعتماد على الكتاب الخارجى ويقلل من قدرته على البحث واستكشاف المعلومة بنفسه.
وختاما.. لا ينبغى أن تكون العلاقة بين الكتاب المدرسى والكتاب الخارجى علاقة صراع، بل يجب أن تكون علاقة تكامل، فالكتاب المدرسى هو الهيكل الأساسى للمنهج والضمان الرسمى للامتحان، بينما الكتاب الخارجى هو الأداة التدريبية التى تصقل مهارات الطالب. إن الحل لا يكمن فى منع الكتب الخارجية، بل فى تطوير الكتاب المدرسى ليكون أكثر جاذبية وفاعلية، وأيضا فى توعية المعلم وولى الأمر بأن ذكاء الطالب لا يقاس بعدد الكتب التى يمتلكها، بل بقدرته على استيعاب المفهوم وتطبيقه.
إن الحماية الحقيقية لعقول أبنائنا تبدأ من تعليمهم كيف يفكرون، لا كيف يحفظون ما بين السطور فى أى كتاب كان.