بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

إفريقيا والتحول الرقمي

خلال العقد الأخير، لم تعد إفريقيا مجرد متلقٍ للتكنولوجيا الرقمية، بل أصبحت واحدة من أكثر القارات حيوية في تبنّي الحلول الرقمية وابتكار نماذج جديدة في الخدمات الحكومية والمالية، وعلى رأسها الخدمات المصرفية الرقمية. ففي وقتٍ كانت فيه التحديات البنيوية والمالية تعيق النمو التقليدي، تحوّل العالم الرقمي إلى فرصة استراتيجية أعادت رسم المشهد الاقتصادي للقارة.
تشير التقديرات الحديثة إلى أن أكثر من 70% من الحكومات الإفريقية وضعت التحول الرقمي ضمن أولوياتها الاستراتيجية، سواء في الخدمات الحكومية، أو البنية التحتية، أو الأنظمة المالية. ولم يعد التحول الرقمي رفاهية، بل أداة مباشرة لتحقيق الشمول المالي، وتحسين كفاءة الخدمات، وجذب الاستثمارات.
وقد تجاوز عدد مستخدمي الإنترنت في إفريقيا 600 مليون مستخدم، مع نمو سنوي متسارع، بينما تخطت نسبة استخدام الهواتف المحمولة 80% من السكان في بعض الدول، ما وفّر أرضية قوية لتوسّع الخدمات الرقمية.
يمثل القطاع المصرفي الرقمي أحد أبرز قصص النجاح في إفريقيا. فوفقًا لتقارير مصرفية إقليمية، فإن نحو 60% من البنوك الإفريقية قامت برقمنة الجزء الأكبر من عملياتها، بينما تعتبر أكثر من 75% من المؤسسات المصرفية أن التحول الرقمي عنصرًا أساسيًا في استراتيجيات النمو المستقبلية.
وفي قارة يعيش فيها ملايين الأشخاص خارج المنظومة المصرفية التقليدية، لعبت البنوك الرقمية وتطبيقات الدفع دورًا محوريًا في سد هذه الفجوة. وتشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 400 مليون إفريقي باتوا يستخدمون خدمات الأموال عبر الهاتف المحمول، ما جعل إفريقيا تستحوذ على أكثر من 60% من إجمالي معاملات الأموال المحمولة عالميًا.
تُعد تجربة الأموال المحمولة من أبرز الابتكارات الإفريقية ذات التأثير العالمي. ففي دول مثل كينيا، وصلت نسبة استخدام خدمات الدفع عبر الهاتف المحمول إلى أكثر من 85% من السكان البالغين، بينما تجاوز عدد المستخدمين في بعض المنصات الرائدة عشرات الملايين.
وقد أسهم هذا التحول في:
• رفع معدلات الشمول المالي
• تسهيل التجارة الإلكترونية
• دعم المشروعات الصغيرة
• تقليل الاعتماد على النقد
• تعزيز الشفافية المالية
وتشير التقديرات إلى أن سوق المدفوعات الرقمية في إفريقيا قد يتجاوز 1.5 تريليون دولار بحلول عام 2030، مدفوعًا بالنمو السكاني، وانتشار الهواتف الذكية، وتسارع التحول الرقمي.
برزت عدة دول إفريقية كنماذج متقدمة في مجال الخدمات الرقمية:
• كينيا: رائدة عالميًا في الخدمات المالية عبر الهاتف المحمول والبنوك الرقمية.
• جنوب إفريقيا: تمتلك بنية تحتية مصرفية رقمية متقدمة، حيث تمثل المدفوعات غير النقدية نسبة كبيرة من المعاملات اليومية.
• المغرب: يتميز بنسبة انتشار إنترنت مرتفعة ونمو سريع في الخدمات الحكومية الرقمية.
• مصر: تشهد طفرة في التحول الرقمي والشمول المالي، مع توسّع كبير في المحافظ الإلكترونية والخدمات المصرفية الرقمية.
• غانا ونيجيريا: مراكز صاعدة للتكنولوجيا المالية (FinTech) في غرب إفريقيا.
يدعم هذا التحول استثمار متزايد في البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك شبكات الألياف الضوئية، مراكز البيانات، وتوسّع خدمات الجيل الرابع والخامس. كما تلعب السياسات الحكومية والتشريعات المرنة دورًا مهمًا في خلق بيئة جاذبة للشركات الرقمية الناشئة والمؤسسات المالية.
رغم هذا التقدم، لا تزال إفريقيا تواجه تحديات تتعلق بالفجوة الرقمية، والأمن السيبراني، ومستويات الثقافة الرقمية. إلا أن الفرص تفوق التحديات، فالقارة تمتلك:
• واحدة من أصغر الفئات العمرية عالميًا
• سوقًا استهلاكية ضخمة
• قدرة عالية على تبنّي الحلول الرقمية بسرعة
اخيرا فالتحول الرقمي في إفريقيا لم يعد مجرد مسار تقني، بل أصبح سردية تنموية واقتصادية جديدة تعكس قدرة القارة على تجاوز النماذج التقليدية، وبناء أنظمة مالية وخدمية أكثر شمولًا ومرونة. ومع استمرار الاستثمار والتعاون الإقليمي والدولي، تقف إفريقيا اليوم ليس فقط كمستخدم للتكنولوجيا، بل كشريك فاعل في صياغة مستقبل الاقتصاد الرقمي العالمي.