علاقة بناء الأهرامات بوجود الفراعنة ومخالطتهم لأنبياء الله
تُعد الأهرامات المصرية من أعظم الشواهد العمرانية التي خلفتها الحضارة الفرعونية، وهي ليست مجرد مقابر ملكية، بل تعبيرٌ عن منظومة فكرية وهندسية متقنة، وقد حيرت هذه المنشآت علماء العصر الحديث، الذين اكتشفوا أن الفراعنة استخدموا تقنيات متقدمة في البناء، ففيها إشارة قوية على شيوع الأخلاق الإيمانية المتوارثة من مخالطتهم لأنبياء الله الذين نشروا فيهم هذه الأخلاق، ومنها حسن إتقان العمل.
الأهرامات المصرية قمة الإتقان المعماري
وتُجسّد الأهرامات المصرية قمة الإتقان المعماري؛ إذ بُنيت بدقة هندسية مذهلة رغم بساطة الأدوات، فصمودها آلاف السنين دليل على عبقرية المصريين القدماء في التصميم والبناء؛ وذلك لأسباب عديدة، من أهمها:
الدقة الهندسية؛ حيث إن انحراف قاعدة الهرم لا يتجاوز ٠.٠٥% عن الشكل المثالي.
الاستدامة؛ حيث صمدت الأهرامات أمام الزمن والكوارث الطبيعية، ومحاولات الهدم.
التنظيم الإداري؛ وذلك بوجود تقسيم وظيفي بين العمال والمهندسين والمشرفين على أعلى مستوى.
الرمزية، فقد حملت الأهرامات دلالات دينية وسياسية في الحضارة المصرية القديمة.
شهادة العلماء لحسن إتقان الأهرام
ولقد أثار الإتقان المعماري للأهرامات دهشة العلماء العرب والأجانب، حتى فاضت شهاداتهم إعجابًا بما يفوق الوصف، وتُعدّ هذه الشهادات دليلًا حيًّا على عبقرية المصريين القدماء التي أبهرت العالم عبر العصور، ومن أقوال العرب ما نقله السيوطي عن الجاحظ في حسن المحاضرة (١/٦٥): "عجائب الدنيا ثلاثون أعجوبة، عشرة منها بسائر البلاد، والعشرون الباقية بمصر، وهي الهرمان، وهما أطول بناء وأعجبه ليس على الأرض بناء أطول منهما".
وقال المسعودي: "والأهرام، وطولها عظيم، وبنيانها عجيب، عليها أنواع من الكتابات بأقلام الأمم السالفة، والممالك الدائرة، لا يُدرى ما تلك الكتابة، ولا ما المراد بها ... وإن ذلك علوم وخواص وسحر وأسرار للطبيعة، وإن من تلك الكتابة مكتوب: إنا بنيناها فمن يدعي موازنتنا في الملك وبلوغنا في القدرة وانتهاءنا من السلطان فليهدمها وليزل" [مروج الذهب ومعادن الجوهر ١/ ٣٦١].
وقال عبد اللطيف البغدادي: "وقد سُلك في بناية الأهرام طريق عجيب من الشكل والإتقان؛ ولذلك صبرت على مر الزمان بل على مرِّها صبر الزمان، فإنك إذا تبحّرتها وجدت الأذهان الشريفة قد استهلكت فيها، والعقول الصافية قد أفرَغت عليها مجهودها، والأنفس النيِّرة قد أفاضت عليها أشرف ما عندها، والملَكات الهندسية قد أخرجتها إلى الفعل مثلًا هي غاية إمكانها، حتى إنها تكاد تحدث عن قومها وتُخبر بحالهم، وتنطق عن علومِهم وأذهانهم، وتترجم عن سيرهم وأخبارهم، وذلك أنَّ وضعها على شكل مخروط يبتدئ من قاعدة مربعة وينتهي إلى نقطة، ومن خواص الشكل المخروط أن مركز ثقله في وسطه، وهو يتساند على نفسه ويتواقع على ذاته ويتحامل بعضه على بعض، فليس له جهة أخرى خارجة عنه يتساقط عليها، ومن عجيب وضعه أنه شكل مربع قد قوبل بزواياه مهاب الرياح الأربع، فإنَّ الريح تنكسر سَورتها عند مصادمتها الزاوية، وليست كذلك عندما تلقى السطح" [الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر (ص٢٤)].
الإتقان الفريد للأهرام والدلالات الإيمانية
كما إن الإتقان الفريد لهذه الأهرامات فيه دلائل كثيرة، ومنها أمران في غاية الأهمية:
الأمر الأول: أن درجة الإتقان العالية هذه تدل على أنها تعاليم متوارثة إيمانية عن نبي الله إدريس عليه السلام الذي علم الناس الخط والكتابة وكثيرًا من العلوم، ولا شك أنه علمهم حسن إتقان العمل، فظهر ذلك جليًّا في هذا العمل الفريد.
ويؤيد عمق الأثر الإيماني عند القدماء المصريين وجود بعض أنبياء الله الذين أقاموا فيهم، فيذكر الشريف أبو جعفر الإدريسي أن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم مثل: إدريس، وإبراهيم الخليل، ويعقوب، ويوسف الصديق، وأيوب، وموسى الكليم، وأخوه هارون، وفتاه يوشع بن نون، وكالب بن يوفنا، وإرميا ابن حلقيا صلوات الله على نبينا وعليهم أجمعين، سعت أقدامهم الحميدة المساعي في بطحائها، وجالت نواظرهم البعيدة المرائي في أرجائها، وكانت مدينة الملك حينئذ بمصر مدينة منف، ولا يتوصل كل من يصل من نواحي الشام إليها، إلا بعد الاجتياز بالأهرام وعبوره عليها [أنوار علوي الأجرام: ص٢٠].
ومعلوم أن أنبياء الله الكرام بعثهم الله لنشر كل خُلق قويم، فكان لهم أقوى الأثر في أخلاقهم، وفي هذا الإتقان العجيب الذي نراه شامخًا على مر العصور.
وقد سجلوا شيئًا من أخلاقهم في كتبهم [كتاب الموتى - النصوص الجنائزية الفرعونية، تحقيق وترجمة: د. سليم حسن، الهيئة المصرية العامة للكتاب ص٨٥] فقالوا: "لم أتسبب في موت أحد، ولم أشتهِ زوجة جاري، لم أدنس نفسي، ولم أكذب، لم أسرق، ولم أشهد زورًا، لم أملأ قلبي حقدًا، ولم أكن سببًا في دموع إنسان، لم أكن سببًا في شقاء حيوان، ولم أمارس الظلم، لم ألوث مياه النيل، ولم أتعال على الآخرين بسبب منصبي، لم أُهمل نباتًا حتى يموت عطشًا، قد أطعمت الجائع وسقيت العطشان".
الأمر الثاني: أن كل من اشترك في هذا العمل كان على إيمان بأهمية العمل، فعملوا فيه بحبٍّ وإخلاص قبل أن يكون خوفًا من عدم تنفيذ الأوامر، فمعلوم أن الخوف لا ينشئ إبداعًا ولا حسنًا في الصنعة تدوم على مر الدهور، كما نراه في بناء هذه الأهرام وغيرها.