بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

قيمة التسامح في الكتاب الكريم والسنة النبوية

قيمة التسامح في الكتاب
قيمة التسامح في الكتاب الكريم والسنة النبوية

من المقرر شرعًا إن التسامح خلق أصيل في الإسلام، وليس مبدأ طارئًا من المواثيق المستحدثة، ولا بد من التوعية بأهميته بين الطلاب، ومن خلال خطابات الدعوة، وتكثيف المبادرات الفعَّالة التي تجمع مختلف الأديان والثقافات على مائدة الحوار، وترعاها المؤسسات المعنية، كما ينبغي استثمار هذا اليوم الدولي للتسامح في ترسيخ قيم الرحمة والعفو لا الاحتفال الشكلي.

قيمة التسامح

ويعد من أعظم ما دعا إليه الإسلام، وجعله أصلًا في بناء المجتمع الإنساني قيمة التسامح، تلك القيمة التي تُنقذ البشرية من دوائر الصراع والكراهية إلى ساحات الرحمة والتعارف.

التسامح في القرآن الكريم

ومن أوائل الآيات التي أصلت لهذا المبدأ قوله تعالى: {خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ} [الأعراف: ١٩٩] هذه الآية أصل في التسامح، "فقال بعضُهم بما حدثنِي الحسنُ بنُ الزِّبْرِقانِ النَّخَعِيُّ، قال: ثنى حسينٌ الجعفيُّ، عن سفيان بن عيينة، عن رجل قد سمَّاه، قال: لما نزلت هذه الآيةُ: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. قال رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم: "يا جِبْرِيلُ ما هَذَا؟ " قال: ما أدرِى حتى أسألَ العالِمَ، قال: ثم قال جبريلُ: يا محمد إنّ اللَّهَ يَأْمرُكَ أَنْ تَصِلَ من قطعك، وتُعطِىَ من حرمك، وتَعفُوَ عمّن ظلمك". [رواه ابن جرير الطبري في "جامع البيان"، ١٠/ ٦٤٣].

فهذا هو المعنى الحقيقي للتسامح، الذي أمر فيه ربنا -عز وجل- نبينا – صلى الله عليه وآله وسلم – أن يعفو عمن ظلمه، وأن يتخلق بأعلى الأخلاق حتى مع من يبادلونه – صلى الله عليه وآله وسلم – بالدنيء من الأخلاق، وفي الحقيقة وإن كان الأمر موجهًا للنبي – صلى الله عليه وآله وسلم – إلا أنه عام للأمة كلها؛ عملاً بقاعدة "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".

كما جاء ذلك المعنى في آية أخرى من كتاب الله – تعالى- حيث وجه فيها الخطاب لأمة النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في موقف لا يتخلق الناس فيه بخلق التسامح غالبًا إلا ما رحم ربي، فقال تعالى: {وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: ٢٣٧]، عن ابن عباس رضي الله عنهما: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} قال: "أقربهما للتقوى الذي يعفو، وكذا روي عن الشعبي وغيره".[تفسير القرآن العظيم لابن كثير – ط: ابن الجوزي، ٢/ ٢١٢].

التسامح 
وقال تعالى: {وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ} [الحجرات: ١٣]، جاء في التفسير الوسيط: "بعْدَ أن ذكر الله - تعالى - تلك الآداب السامية التي حفلت بها هذه السورة، ختمها بلون من الأدب العالي، وهو تعليم عباده أَن لا كرم ولا شرف عند الله إلا بالتقوى كيفما كانت الأحساب والأَنساب، حتى لا يتعالى بعضهم على بعض بغير حق، فكل الناس من آدم وحواء، فلا وجه للتعالي بالأحساب والأَنساب؛ ليظل الناس إخوة متواضعين متحابين". [التفسير الوسيط للقرآن الكريم، (٩/ ١٠٤٩)، ط: مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر].

ومن المواقف المأثورة عن سيدنا يوسف - عليه السلام - ومسجلة في كتاب الله نموذجًا راقيًا في التسامح ما جاء في قوله تعالى: {قَالَ لَا تَثۡرِيبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡيَوۡمَۖ يَغۡفِرُ ٱللَّهُ لَكُمۡۖ وَهُوَ أَرۡحَمُ ٱلرَّٰحِمِينَ} [يوسف: ٩٢].

التسامح في السنة النبوية
وحرصت سنة سيدنا النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – على ترسيخ هذا الخلق الإسلامي الراقي في قلوب كل المؤمنين من خلال الأقوال والأفعال النبوية؛ فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْمَحْ، يُسْمَحْ لَكَ» [رواه أحمد في "المسند"، (٢٢٣٣)].

والنموذج العملي للتسامح عند النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – في معاملة أهل مكة بعد أن آذوه ماذا فعل معهم في فتح مكة، فقد عفا عنهم ونهى عن القتل في هذا اليوم؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ قَالَ: "مَا تَقُولُونَ وَمَا تَظُنُّونَ"؟ قَالُوا: نَقُولُ: ابْنُ أَخٍ وَابْنُ عَمٍّ حَلِيمٌ رَحِيمٌ، قَالَ: وَقَالُوا ذَلِكَ ثَلَاثًا، فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقُولُ كَمَا قَالَ يُوسُفُ: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: ٩٢]، قَالَ: فَخَرَجُوا كَأَنَّمَا نُشِرُوا مِنَ الْقُبُورِ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ".[رواه البيهقي في "السنن الكبرى"، (١٨٢٧٥)]، وفي رواية: "قَالُوا: خَيْرًا، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ، قَالَ: "اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ".[رواه البيهقي في "السنن الكبرى"، (١٨٢٧٦)]، فهذا خلق راق من التسامح منه - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى مع من آذوه.

بل أصَّل صلى الله عليه وسلم لعموم الرحمة والتسامح بين البشر كافة؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ» [رواه الترمذي في "سننه، (١٩٢٤)، وحسنه].