أصل نظرية الحب الإلهي ومعناه
نشأ مصطلح "الحب الإلهي" في التصوف الإسلامي بالقرن الثاني الهجري على يد رابعة العدوية، التي نقلت العبادة من دافع الخوف والطمع إلى دافع الحب الخالص لله. تطورت هذه النظرية بعد ذلك على أيدي كبار الصوفية، حيث قُسمت المحبة إلى درجات، وتكاملت مع مفاهيم أخرى كالفناء والبقاء. وتستمد هذه النظرية أصولها من القرآن الكريم والسنة النبوية، بالإضافة إلى أسماء الله الحسنى وصفاته.
الحب الإلهي
كما نشأ مصطلح "الحب الإلهي" بمعناه القريب في الحياة الروحية في الإسلام في القرن الثاني الهجري. وكانت الحياة قبل ذلك يحركها عامل "الخوف" من الله ومن عقابه، وكان الحسن البصري (٢١ - ١١٠هـ) أبرز ممثلي هذا الطور في حياة الزهاد والعباد الأوائل، فقد عرف عنه أنه كان يبكي من خوف الله حتى قيل "كأن النار لم تخلق إلا له".
التصوف الإسلامي
ويميل مؤرخو التصوف الإسلامي إلى القول بأن رابعة العدوية (ت ١٨٥هـ) هي أول من أخرجت التصوف من الخضوع لعامل "الخوف" إلى الخضوع لعامل "الحب "، وأنها أول من استخدم لفظ "الحب " استخداما صريحا في مناجاتها وأقوالها المنثورة والمنظومة، وعلى يديها ظهرت نظرية "العبادة" من أجل محبة الله، لا من أجل الخوف من النار أو الطمع في الجنة.
وكان الصوفية قبل رابعة يترددون في قبول كلمة "الحب" فمالك بن دينار الصوفي (ت ١٣١هـ) كان يتحاشى لفظ "الحب" ويستخدم بدله كلمة "الشوق"، وعبد الواحد بن زيد (ت ٧٧هـ) كان يفضل لفظ «العشق» في أقواله.
مكانة مصطلح "الحب الإلهي"
ومع رابعة بدأت كلمة أو مصطلح "الحب الإلهي" تأخذ مكانها في أقوال الزهاد ممن جاؤوا بعدها، مثل: معروف الكرخي (ت ٢٠١هـ)، والمحاسبي (ت ٢٤٣هـ) الذي خصص لموضوع "المحبة" فصلا كاملا في كتابه: "الرعاية"، وذي النون المصري (ت ٢٤٥هـ) الذي فاضت مأثوراته بهذه الكلمة. ثم استكملت نظرية "الحب الإلهيّ" ملامحها وقسماتها بعد ذلك في مؤلفات كبار شيوخ التصوف، مثل: التعرف للكلاباذي (ت ٣٨٠هـ)، وقوت القلوب لأبى طالب المكي (٣٨٦هـ)، وكشف المحجوب للهجويري (حوالى٤٦٥هـ)، والرسالة للقشيري (٤٦٥هـ)، وإحياء علوم الدين للغزالي (٤٥٠ - ٥٠٥هـ). لكنها أخدت أبعادا عرفانية وفلسفية بالغة التعقيد ظهرت أولا في تصوف الحلاج (ت ٣٠٩هـ) ثم اكتملت بعد ذلك في أشعار ابن الفارض (ت ٦٣٢هـ)، ومؤلفات الشيخ الأكبر ابن عربي (ت ٦٣٨هـ). وقد جمع القشيري في رسالته تعريفات عدة لمعنى "المحبة الإلهيّة"، كما أحصى ابن القيم في مدارج السالكين (ج ٣) ثلاثين تعريفا للمحبة بالمعنى الصوفي.
ومن الشيوخ من يرى أن تعريفها يستعصي على العبارة للطافتها، وصاحب عوارف المعارف (السهروردي) يعرف الحب بتقسيمه إلى سببين: عام وخاص، والأول ثمرة امتثال الأوامر واجتناب النواهي، وهو من "المقامات "، لأن للسالك مدخلا في اكتسابه، والحب الثاني (الخاص) هو ما ينشأ عن انكشافات الروح، وهذا النوع من "الأحوال" وليس للعبد كسب فيه. أما الهروي (ت ٤٨١هـ) فيعرف المحبة بأنها "تعلق القلب بين الهمة والأنس " بما يعنى تعلق القلب بالمحبوب تعلقا حائرا بين طلب المحب لمحبوبه طلبا لا ينقطع، وبين أنسه بمحبوبه.
درجات الحب الإلهي
وللمحبة درجات: الأولى محبة تقطع وساوس القلب، وتلذ الخدمة وتسلى عن المصائب، وتنشأ من ملاحظة العبد لنعم المولى الظاهرة والباطنة، وثبات هذه المحبة يكون بمتابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- والتأسي به.
والثانية محبة تبعث على إيثار الحق على كل ما سواه، وتنشأ بسبب من مطالعة العبد للصفات الإلهيّة، والارتياض بالمقامات الروحية. محبة تنشأ من مشاهدة جمال المحبوب، وفي هذه الدرجة يختطف قلب المحب وتنقطع عبارته وإشارته، وحقيقة هذه الدرجة: الفناء في المحبة وفي الشهود. والمحب إذا كان واعيا بحبه ومكتسبا له سمى "محبا" وإذا كان مختطفا بالحب سمى "عاشقا" والفرق بينهما -فيما يقول شيوخ التصوف- أن المحب مريد والعاشق مراد.
أصل نظرية الحب الإلهي
ونظرية "الحب الإلهي" مستقاة في أصولها من معاني أسماء الله الحسنى وصفاته كالودود واللطيف والرحيم، ومن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدثت عن الحب الإلهيّ، ومنها على سبيل المثال -لا الحصر- قوله تعالى: {يُحِبُّهُمۡ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] وقوله -صلى الله عليه وسلم- : "اللهمّ اجعلْ حبَّكَ أحبّ إليّ من نفسي وأهلي ومن الماءِ الباردِ" [ سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب:٧٣، حديث ٣٤٩٠].