بوابة الوفد الإلكترونية
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس التحرير
عاطف خليل
المشرف العام
ياسر شوري

هوامش

«ظل الإمام» نور فى زمن العتمة

قرأت رواية «ظل الإمام» وأخذتنى إلى آفاق بعيدة تتعدى تلك العوالم المادية التى نعيشها إلى العالم الأبدى الحقيقى الذى ينتظرنا، كانت كمصباح يرشدنى إلى طريق النفس المطمئنة، الكاتبة نهلة النمر تخوض مغامرة أدبية جريئة، تمسك فيها بخيطٍ دقيق يربط بين الخيال الروحانى والنبض الإنسانى، لتقدم نصًا مختلفًا لا يُقرأ بعين العقل وحده، بل يُستشعر بالقلب والروح معًا.

لا تنتمى رواية «ظل الإمام» إلى السرد التاريخى التقليدى، رغم استلهامها وقائع حقيقية وأجواء زمنية ذات هيبة خاصة، بل تنحاز بوضوح إلى ما يمكن تسميته بـ «الخيال الروحي»، ذلك النوع من الأدب الذى لا يكتفى بسرد الحكاية، بل يسعى إلى كشف ما وراءها، وما تحت سطح الأحداث من معانٍ إيمانية وتأملات وجودية. أبطال الرواية يعيشون بين بشرٍ مفعمين بالنور والسكينة، تتحرك أرواحهم داخل فضاء مشبع بالرهبة الروحية، حيث تصبح التفاصيل الصغيرة مرايا لمعانٍ كبرى.

وفى قلب هذا العالم المشحون بالقداسة، تنسج الكاتبة قصة حب خجولة، رقيقة الملامح، لا تسعى للهيمنة على النص، بقدر ما تكشف هشاشة الإنسان أمام نداء أسمى. فسرعان ما تتوارى هذه العاطفة الإنسانية أمام حقيقة أكبر من العاشقين معًا إنه نور العشق الإلهى. هنا لا يبدو الحب الإنسانى نقيضًا للحب الإلهى، بل محطة عابرة فى طريق أطول، وأكثر صفاءً، تتجرد فيه الروح من أثقالها، وتتعلم معنى الفناء فى المحبة الخالصة لله.

بين نداء القلب الإنسانى ونداء الروح، تبدأ رحلة الرواية الحقيقية؛ رحلة تتجاوز العالم المحسوس إلى عوالم أرحب، حيث يتحول السرد إلى مسار يشبه التجربة الصوفية، لا يفرض نفسه على القارئ، بل يدعوه للمشاركة فيها، والتوغل فى أسئلتها بهدوء وتأمل. ولذلك لا تُقرأ «ظل الإمام» على عجل، بل تُعاش، صفحة بعد صفحة، وكأن القارئ يسير فى ظل النص لا أمامه.

وتكمن إحدى أبرز نقاط قوة الرواية فى أسلوبها؛ لغة عربية فصحى بسيطة، عذبة، رشيقة، تخلو من التعقيد المتكلف، لكنها فى الوقت ذاته مشحونة بالدلالات والظلال المعنوية. أسلوب يستدعى الانتباه دون ادعاء، ويمنح السرد انسيابية تجعل القارئ مشدودًا إلى العمل، متورطًا وجدانيًا فى مصائر شخوصه وأحوالهم الروحية.

رواية «ظل الإمام» تشع نورًا، وتمنح القارئ حالة فريدة من الصفاء، وكأنه يعيش أحداثها لحظة بلحظة، جملة تلخص الأثر النفسى للنص أكثر مما تصفه.

ورغم أن «ظل الإمام» هو العمل الأدبى الأول للكاتبة نهلة النمر، فإن الحبكة الدرامية المحكمة، وقدرتها على ضبط الإيقاع السردى، وجذب القارئ منذ الصفحات الأولى، كلها عناصر تنبئ عن موهبة ناضجة وخبرة تتجاوز منطق البدايات. عمل أدبى مبدع يؤكد أن الكاتبة لم تدخل عالم الرواية مصادفة، بل جاءت إليه وهى تمتلك أدواتها، ورؤيتها، وصوتها الخاص.

وختاماً «ظل الإمام» ليست مجرد رواية تُقرأ، بل تجربة روحية تُعاش، ونص أدبى يراهن على الصفاء فى زمن الضجيج، وعلى النور فى عالمٍ مثقل بالعتمة. عمل يؤكد أن الأدب لا يزال قادرًا على أن يكون طريقًا للدهشة، والتطهر، والبحث الصادق عن المعنى.

ويكفى أن أخبركم أننى عندما انتهيت من قراءة الرواية انتابتنى حالة إيمانية غريبة وقمت على الفور لأتوضأ وأصلى لله لعله يغفر لنا تقصيرنا فيما مضى. رواية «ظل الإمام» دعوة للعودة إلى الله.

[email protected]