نور
حكايتان للتاريخ!
تهنئة أقباط مصر بأعياد الميلاد المجيد، بعد أسبوعين من الآن، لا يمكن أن تصبح صيغة نمطية، مضمونها. كل سنة وأنت طيب، ولا يمكن أيضاً أن تتحول إلى مجرد مواجهة مع أصحاب الفكر الضيق، الذين ما زالوا يحرمون تهنئة الأقباط بأعيادهم.
ولكن التهنئة من وجهة نظرى أن نعطى دروساً متكررة لأولادنا بأن القبطى المصرى هو شريك فى الوطن، وأن نعلمهم أن المواطنة هى مصدر الحقوق ومُنطلق الواجبات، وأن الوطن مملوك للجميع، وأن نمنحهم دروساً للتذكرة، يتعلمون فيها كلاماً مختلفاً عما يتم دسه فى عقولهم من قادة فكر الانغلاق والظُلمة، معتمدين فيها على قصص دفع أبطالها أثماناً باهظة للدفاع عن الوطن، دون أن يفكروا فى مرجعية دينية أو مذهبية. بل قاموا بتلبية نداء الوطن دون تردد، تعالوا نتعرف على اثنين منهم لا يمكن أن ينساهم التاريخ...
من الرموز الخالدة فى سجل الوطنية المصرية، الثائر القبطى المصرى الوفدى، جورج خياط الذى حُكم عليه بالإعدام عام 1922 لدعوته لمقاطعة البضائع والبنوك البريطانية، ثم خفف الحكم إلى الغرامة المالية، انضم للوفد بعدما التقى بالزعيم سعد زغلول.
كما قال عنه الكاتب لمعى المطيعى فى موسوعة «هذا الرجل من مصر» إنه كان من دعاة دعم مساعى الوفد لاستقلال البلاد.
كان من العناصر المعتدلة ومن دعاة مقاطعة البضائع الإنجليزية وتدعيم بنك مصر. ونادى بسحب المدخرات المصرية فى البنوك الإنجليزية. فحكم عليه بالإعدام فى 14 أغسطس عام 1922 مع حمد الباسل وعلى الجزار ومراد الشريعى ومرقص حنا وواصف غالى وويصا واصف، وخففت العقوبة إلى السجن مع غرامة مالية قدرها خمسة آلاف جنيه على كل منهم. وأفرج عنهم فى يونيو عام 1923، وحضر اجتماع «الوفد المصرى» الذى عقد فى يناير عام 1924 برئاسة زعيم الأمة سعد زغلول. وظل مناضلاً صلباً يدافع عن وطنه دون اعتبار لأى مرجعية أخرى ألا الوطنية.
أما الشخصية الثانية، فهو ويصا واصف السياسى المصرى الوفدى، ابن طهطا فى صعيد مصر. والذى بدأ مشواره السياسى بالكتابة فى جريدة «اللواء» التى يصدرها الزعيم مصطفى كامل. مما أدى إلى اختيار ويصا واصف ضمن اللجنة الإدارية للحزب الوطنى القديم برئاسة الزعيم مصطفى كامل الذى رحل فى سن مبكرة. ليدب الخلاف بين محمد فريد والشيخ عبدالعزيز جاويش حول مرجعية الوطن، هل هى للدولة العثمانية أم مرجعية وطنية.
وأدى هذا الانقسام إلى خروج عدد من قيادات الحزب ومن بينهم ويصا واصف الذى استقال عام 1908. عقب شعوره بخطورة دعوة جاويش الدينية، وقد سعى الإنجليز إلى تزكية هذا الخلاف لبث الفرقة بين المصريين. ونشر الفتنة بين المسلمين والأقباط، وهنا ظهر ويصا واصف وعدد من المثقفين المصريين، للتحذير من الفتنة.
وبذل ويصا جهداً كبيراً لإيقاف المؤتمر القبطى الذى قرر الأقباط تنظيمه فى أسيوط، لمواجهة دعوة جاويش..
وقد انضم ويصا واصف وفخرى عبدالنور وسينوت حنا وتوفيق أندراوس إلى الوفد. لتبدأ مسيرة الأقباط المصريين للحفاظ على لُحمة الوطن متماسكة. ويحسب لويصا واصف أنه لم يتخلَّ عن الزعيم سعد زغلول عند الانقسام الذى حدث فى الوفد، ما بين سعد زغلول وعدلى يكن، فقد كان ويصا واصف وحافظ عفيفى وواصف غالى فى صف سعد زغلول، وكان تيار عدلى يكن المنحاز للقصر، تياراً ضعيفاً أمام مطالب وشروط المستعمر الإنجليزى.
القيادات الوطنية القبطية لها تاريخ ناصع، يجب أن تعرفها الأجيال المتعاقبة.